لماذا تسعى إثيوبيا إلى بناء قوة بحرية رغم أنها دولة غير مطلة على البحر؟

تكمل إثيوبيا إجراءاتها لإعادة إحياء “البحرية الامبراطورية الإثيوبية”  رغم أنها دولة حبيسة ولا تطل على البحر وذلك بعد اعلانها  في الرابع عشر من الشهر الجاري رسميا عن توقيع اتفاقية عسكرية مع فرنسا بقيمة 96 مليون دولار تشمل مساعدتها في بناء قواتها البحرية، وتقوم العديد من الأنشطة بهدف بناء قدرات قواتها المسلحة لضمان أن يكون الجيش الاثيوبي مجهزا على نحو تقني عال.

أعلنت إثيوبيا منتصف العام الماضي مشروعا يهدف إلى بناء قوة بحرية ضمن جهودها في تعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في إفريقيا عموما ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص الشديدة التقلب والتي تعج بالقواعد العسكرية الأجنبية، وفقا لتصريحات مسؤولين إثيوبيين. ووافق البرلمان الإثيوبي في ديسمبر الماضي على مشرع قانون حول هيكلة الجييش وعلى تعديل ثمانية  مواد من إعلان  تأسيس قوات الدفاع الإثيوبية وبناء القوات البحرية.

قال رئيس الوزراء الإثيوبي في شهر يونيو 2018  خلال اجتماع مع قادة الجيش  إن على الإثيوبين بناء قدرات قواتهم البحرية في المستقبل بعد أن تمكنوا من بناء واحدة من أقوى القوات الجوية في إفريقيا، مؤكدا ضرورة أن يكون بلاده جزاء من الدول الأجنبية التي لها قواعد عسكرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي حفاظا على مصالحها وأمنها القومي.

وتفسيرا لتصريحات آبي أحمد ، قال نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإثيوبية الجنرال برهانو جولا، في شهر نوفمبر الماضي أن رئيس الوزراء الدكتور أبي أحمد لديه رؤية بأن تملك إثيوبيا قوات بحرية مزودة بالتكنولوجيات الحديثة، مشددا على أنه رغم عدم امتلاك إثيوبيا منفذا بحريا، إلا أنها قريبة جدا من البحر الأحمر والمحيط الهندي الأمر الذي يحتمها أن تضع الأولوية لبناء قوة بحرية.

 وأشار برهانو  قلق إثيوبيا حيال الرغبة  المتنامية للعديد من البلدان لبناء قواعد بحرية في الصومال وجيبوتي وبونتلاند وإريتريا، مؤكدا على ضرورة أن تبني إثيوبيا التي تقع على بعد مسافة 60 كيلومترا من الساحل اسطولا بحريا.

وأوضح أن إثيوبيا تستخدم حاليا في المقام الأول موانئ البحر الأحمر لتجارتها للاستيراد والتصدير، ولذلك فمن الأهمية بمكان إنشاء قوات بحرية”، معلنا مشاورات تجريه بلاده مع دول أخرى لإعادة النظام البحري وقدراته وبنيته.

وقال: “يجب أن نظهر نفوذنا حول البحر، هناك دول عديدة قدمت إلى المنطقة من مسافات بعيدة ولديها تأثير على البحر، ونحن دولة عظيمة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، ولا يوجد أي سبب لأن تظل اثيوبيا دولة حبيسة”.

أنشأت البحرية الامبراطورية الاثيوبية عام 1955وكانت جزءا من قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية وتم حلها وتفكيكها عام 1996 وعرض أصولها البحرية للبيع، في مزاد علني، بعد 5 أعوام من استقلال ارتيريا وخروجها من الإمبراطورية الإثيوبية مع سواحل البحر الأحمر وترك إثيوبيا حبيسة ودون ساحل وكانت للبحرية الامبراطورية الاثيوبية قواعد عسكرية في مينائي مصوع وعصب وتفيد تقارير بوجود 17 فرقة بحرية حالياً و11 سفن تتخذ جيبوتي مقرا لها.

أثارت الخطوة التي تقوم بها إثيوبيا تساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي تدفعها إلى انشاء سلاح بحري قد يكلف ملايين الدولارات رغم أنها دولة حبيسة لا ساحل لها وما اذا هي مناسبة في هذا الوقت في ظل غياب ثقة تامة بينها وبين الدول الأخرى في المنطقة والتي تشكك دائما  نوايا إثيوبيا التي  تسكل ثاني  أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان.

الأسباب التي تدفع إثيوبيا إلى انشاء سلاح بحري

هناك عدة أسباب تدفع اثيوبيا لأن تعيد بناء قوتها البحرية لأن ذلك:

أولا: جزء من  خطتها السياسية والاقتصادية لـ”استعادة مجدها القديمة “ وفق تصريح ادلاه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يوليو عام 2018. تسعى إثيوبيا إلى أن تصبح القوة الإقليمية الأقوى في إفريقيا  والدليل على ذلك أنها قامت في السنوات اصلاحات سياسية واقتصادية شاملة لتعزيز استقرارها الداخلي  والسيطرة على سكان البلاد الذي يبلغ  حوالي 100 مليون نسمة وتأمين حدوها وتوفير ميناء يساعدها على نقل صادراتها إلى العالم وذلك بحسب جيوبوليتيكال فيوتشرز” الأمريكي المتخصص في خدمات التنبؤ الجيوسياسي.

ثانيا: تنافس الدول الكبرى على النفوذ والسلطة في  القارة الإفريقية ولا سيما منطقة شرق إفريقيا، وغياب قوى إفريقية تزاحم هذه الدول في المجال وأن إثيوبيا تريد ملء هذا الفراغ وبالتالي لا يمكن لها أن تقوم بهذا الدور دون وجود قوات إثيوبية بحرية في سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ثالثا: لديها حاجة ملحة إلى الحصول على موانئ في البحر الأحمر والمحيط الهندي ، لأن فقدان  إثيوبيا الوصول المباشر إلى البحر بعد استقلال اريتريا عام 1993 يثير قلقها ويضعف قدرتها على الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر أو خليج عدن، بحسب مركز جيوبوليتيكال فيوتشرز.

رابعا: الحقول النفطية التي تم اكتشافها في مناطق بإثيوبيا وأخرى في سواحل الصومال وحدودها البحرية مع كينيا أسال لعاب اثيوبيا ويدفعها بقوة نحو بناء قوة بحرية تشارك في حماية تلك المناطق ولا سيما الواقعة في سواحل الصومال الذي ليس لديه جيش قوي قادر على تولي مسؤولية حماية هذه الثروة.

خامسا: ترغب إثيوبيا في أن يكون تواجد عسكري في مضيق باب مندب والمحيط الهندي وقيادة القوات الدولية التي تحارب القرصنة والتجارة غير الشرعية في سواحل الصومال.

 أين ستبني إثيوبيا قاعدتها البحرية ؟

لا مجال للشك أن إثيوبيا تعتزم بناء قاعدة عسكرية بحرية  في احدى دول منطقة القرن الإفريقي المطلة على البحر، الصومال، وجيبوتي ، وكينيا واريتريا والسودان، لكن لم يتم الكشف عن المكان الذي ستختاره اثيوبيا من بين تلك الدول، بيد أن هناك معلومات تتحدث عن تفكيرها في بناء قاعدتها البحرية بكينيا. ونقل موقع بلومبرغ  عن روبا مجرسا ، المدير التنفيذي لمؤسسة خدمات النقل والإمداد الإثيوبية، قوله  إن إثيوبيا ستبني قاعدتها البحرية في كينيا وأن  ذلك يشكل جزءًا من مشروع” لابسيت”  الذي يهدف إلى تطوير ميناء مدينة لامو على المحيط الهندي بالقرب من الحدود مع الصومال، وبناء خط سك حديدية يكون ممر نقل يربط إثيوبيا بجنوب السودان وكينيا، لكن أحمد شدى الذي كان وزير الإعلام الإثيوبي نفى هذا التصريح دون أن يستبعد امكانية حذوث ذلك. كما أن الصومال من بين أبرز المرشحين لإستضافة هذه القاعدة نظرا للعلاقات الحميمية التي تربط الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مع رئيس الوزراء آبي أحمد والعلاقات الإثيوبية القوية مع الولايات الاقليمية الصومالية وخصوصا بونت لاند وصومالاند المطلتين على البحر الأحمر.

 وفي هذا الإطار تجدر الإشارة أن إثيوبيا والحكومة الاتحادية الصومالية اتفقتا في يونيو عام 2018 على الاستثمار  معا في أربعة موانئ  بالصومال لجذب الاستثمار الأجنبي وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مقديشو. كما أن إثيوبيا حصلت في عام 2017 على حصة بنسبة 19٪  في مشروع مشترك مع موانئ دبي العالمية لإدارة ميناء في بربرة ، بمنطقة صومالاند في شمال الصومال التي تتمتع بحكم شبه ذاتي.

وكذلك هناك احتمال في أن تجد إثيوبيا موطئ قدم لها في جيبوتي التي تستضيف العديد من القواعد العسكرية لقوى عظمى، لكن هذا الاحتمال ضعيف؛ لأن إثيوبيا خائفة من تأثير القوى الأجنبية على جيبوتي وتتفادى من احراج جارتها التي ظلت منذ عقود منفذها البحري الرئيسي لصادراتها ووارداتها.. أما اريتريا والسودان فمستبعدتان على الأقل في المرحلة الراهنة لاسباب تتعلق بالجيواسترايجية وتباين المصالح.

زر الذهاب إلى الأعلى