كينيا: ليندا نشي

تقول الحكمة الأفريقية القديمة “صوت البوم مشؤوم، لأنه يُصوت حين لا تصوِّت الطيور الأخرى”.

تبدو تلك الحكمة الأفريقية مُعبرة عما نشهده من توالي العمليات الإرهابية في كينيا بدءاً بتفجير السفارة الأمريكية 1998 مروراً بوستغيت 2013 إلى غاريسا 2015 ونتمنى أن نهايتها كانت في دوسيت دي 2019.

ترتبط كينيا رغماً عنها بما حدث ويحدث وسيحدث في الصومال على وجه الخصوص، ويرجع السبب في ذلك إلى عام 1963 عندما ألحق الإستعمار إقليم إنفدي الصومالي إلى كينيا ومن ذلك الوقت إلى اليوم تكاد تكون نيروبي أكثر عواصم الشرق الأفريقي إرتباكاً وهذا ما أدى إلى تضخم ملفاتها الداخلية بشكل عام، مما إعتبرتة النخبة الكينية تهديداً لأمنها القومي .

حاولت نيروبي وتحت مسمى حماية أمنها القومي بالدخول إلى الأراضي الصومالية بموافقة أممية وضمن قوات بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال والتي تدعمها الأمم المتحدة (الأميصوم) للقضاء على حركة الشباب، فكينيا ترى إن إقامة منطقة عازلة بطول 100 كلم داخل الأراضي الصومالية المُتاخمة للحدود الكينية سيساعد نيروبي على الإستفادة من خيرات الإقليم وصرفها لمصالحها الإقتصادية، ومن ناحية أخرى السيطرة الكاملة على ميناء كيسمايو الذي يُعتبر قاعدة لتموين حركة الشباب ومركزاً للإتصالات والمراقبة البحرية، فضلاً عن فتح ممر بحري أمن لعمليات تستهدف الحركة ووجودها، فميناء كيسمايو يشكل شريان الحياة لحركة الشباب، ويوفر لكينيا حلقة إتصال خارج الصومال وهذا هو الهدف الإستراتيجي المباشر للتدخل العسكري الكيني من خلال بعثة الإتحاد الأفريقي أميصوم، ولكن لماذا لم تنجح نيروبي في القضاء على حركة الشباب التي تمثل التهديد الأكبر لأمنها القومي؟

ترى النخبة الكينية أن حركة الشباب تتفوق علي الأميصوم إستخباراتياً بسبب إرتباطها بالسكان الخاضعين لسيطرتها، وإنغماسها في الثقافة واللغة المحلية، ومعرفتها بالتضاريس الجغرافية الدقيقة للمنطقة مما أعطاها مرونة الحركة والقدرة على التنبؤ والتخطيط.

أتفق مع النخبة الكينية في رأيها السابق إذا إفترضنا أن الأميصوم تعمل بمعزل عن التنسيق الأمني والإستخباراتي والعسكري للقوى الدولية، وأضيف عليه أن القوى الدولية ترغب بأن تحتفظ حركة الشباب وأذرعها بنصف قوة حتى تستخدمهم كورقة تبرير وضغط مُستقبلاً وبالتالي لن تسمح بحل تفاوضي مع حركة الشباب ذلك الحل الذي كانت تروج له بعض المنصات الإعلامية العالمية بقولها:”على نيروبي التقليل من أمالها في إلحاق هزيمة حركة الشباب وعليها أن تعمل على إضعاف القدرة العسكرية للشباب والسعي لحل تفاوضي”، ويبقى السؤال هنا ماذا لو كانت القوى الدولية تعمل مع الأميصوم هل ستحتاج حركة الشباب لكل هذا الوقت لقطع دابرها وإبعادها عن المشهد وتفريق صفوفها ؟

أعتقد أن نيروبي مُقبلة في الوقت القادم على تطورات هامة فمن المرجح أن يتعزز التعاون العسكري والإستخباراتي بين نيروبي وأنقرة وسيدعم ذلك التعاون الإتفاقية الأمنية التي وقعت بين الجانبين عام 2016 ولا أعتقد أن هذا التعاون الأمني سيكون بمعزل عن أفريكوم التي تراقب بحذر ما يجري، وستشهد الحدود الكينية الصومالية إما تعاوناً يذكرنا بعملية ليندا نشي وهي عملية صومالية كينية مشتركة وتعني باللغة العربية حماية البلد، أو توتراً خاصة في المناطق الحدودية مثل ( بلدحاوي، أنفدي، رأس كامبوني، منديرا) مما سيعيد إلى الأذهان عام 2012 عندما تدخلت محكمة العدل الدولية لحل الخلاف الحدودي، وقد يؤدي ذلك إلى إستعادة بعض التنظيمات لنشاطها مثل جبهة شرق أفريقيا مما سيشكل إرباكاً للمشهد الكيني الصومالي على حد سواء، وستستخدم نيروبي ما حدث لها مؤخراً من هجوم إرهابي لإقناع الشارع الكيني بضرورة الإسراع في بناء الجدار الكيني العازل بينها وبين الصومال مهما كانت تكلفتة خاصة أنها واجهت الكثير من الإنتقادات حول بناء هذا الجدار والذي تقدر قيمة بناءه 260 مليون دولار بسبب عدم وجود خطة ميزانية واضحة لهذا المشروع.

تجد نيروبي نفسها اليوم في سباق مع الزمن خاصة أنها صُنفت من أهم العواصم الأفريقية الجاذبة للعمل بسبب التكنولوجيا المتطورة التي تفوقت بها على عموم شرق إفريقيا وتنافس بها جمهورية جنوب إفريقيا، ومن جانب أخر تستعد كينيا لتكون المحطة الرئيسية في شبكة سكة حديدية طولها 5000 كيلومتر تعتزم أثيوبيا إفتتاحها عام 2020 وستربطها بكينيا والسودان وجنوب السودان،  وأمام تلك التطورات الإيجابية تجد نيروبي نفسها مُنقسمة بين الإلتفات لإنجاز المهام والوقوف أمام التحديات وبين القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تؤرق الوطن والمواطن وتعرقل التنمية.

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى