مناخ الاستثمار في جيبوتي .. الفرص والمزيا.

  • توطئة:

ربما لم يعد هناك ما يجمع عليه المجتمع الجيبوتي بمختلف فئاته ومكوناته لأكثر من رغبة الحلم لـغد أفضل وأن يتحول حلمهم هذا إلى حقيقة واقعيَّة وملموسة ينعم فيه الجميع بـثروات وخيرات البلاد.

وهذا ما شدد  رئيس الجمهورية على أهميته مؤكداً بأن هذا الحلم الإنساني الجميل الذي يتطلَّع إليه الفرد لتحقيق مستقبل أفضل بالنسبة له ولأبنائه وللأجيال القادمة، وهو ما من أجله شيّدت حضارات زاهرة وأقيمت لكثير من المعالم التذكارية حول العالم.

إن الشعوب الواعية التي تتطلع نحو مستقبل أفضل وتروي طريقها بمعاني التضحية والمصلحة العامة، ستكون حتماً على موعد مع التاريخ، لأن الرؤى الكبيرة هي التي تصنع الأمم العظيمة.

ومع أنه جدد حرصه الشديد على تلبية تلك التطلُّعات الشعبية ولكنه أشار في نفس الوقت إلى أن تحقيق النمو الاقتصادي المنشود في البلاد، سيكون صعباً أن لم يكن مستحيلاً دون أن تتوفر استثمارات كبيرة تنعكس على التنمية المستدامة وحياة الناس ومعاشهم.

  • أهمية الاستثمار:

ويعتبر الاستثمار العامل الرئيسي والأهم الذي يتحكم في معدل النمو الاقتصادي من ناحية وفي كميته وكيفية هذا النمو من ناحية أخرى.

وهنا يتبين لنا أن تحقيق أي نمو اقتصادي في البلاد يتوقف على قدرة الحكومة لجذب مزيد من الإستثمارات، وهذا يتوقف أيضاً على قدرتها لتحسين مناخ الاستثمار في البلاد عبر توفير مزيد من الحوافز والتسهيلات التي يكون لها تأثير على أصحاب رؤوس الأموال عند إتخاذ القرار بالاستثمار في البلاد.

  • مناخ الإستثمار في جيبوتي:

وتصدرت جمهورية جيبوتي المركز الأول وفي تصنيف الدول العربية حسب التدفقات الاستثمارية الواردة كنسبة من التكوين الرأسمالي الثابت في عام 2009م، وذلك بنسبة (67.2%).

 مما يشير إلى اعتماد اقتصاد جيبوتي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كـأحد الأدوات الهامة لتمويل الاستثمار المحلي أو لـردم فجوة التمويل الناجمة من عدم كفاية المدخرات المحلية لتمويل الاستثمار الوطني.

وعند الحديث عن الإستثمار في جيبوتي، فـلا بد من إشارة بشكل أو بآخر إلى جملة من العوامل التي تكون البيئة الاستثمارية وتشكل عاملاً مهماً لجذب الإستثمارات العربية والأجنبية.

علماً أن ما حققته البلاد في مجال تدفق وجذب الاستثمار، لم تكن سوى محصلة نهائية لتفاعل تلك العوامل والتي بدونها لن تقوم للاستثمار قائمة.

ومن أهمها:-

  • الموقع الجيوسياسي الفريد:

وكان ينظر سابقاً على أهمية جيبوتي من خلال موقعها الإستراتيجي الحيوي المشرف على أهم الممرات الملاحة الدولية  مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

وما تتمتع به من الأمن والإستقرار مقارنة مع بقية دول المنطقة إضافة إلى ما يتوفر لديها من مرافئ حيوية حديثة ومتطورة وبنية تحتية جيدة مكملة لذلك.

إلا أن تلك التحولات الإقليمية الرامنية لتحقيق تكامل اقتصادي وذلك عبر الآليات التي حددتها معاهدة السوق المشتركة لتجمع شرق وجنوب أفريقيا (الـكوميسا) والذي يضم نحو (20) دولة، لم تضاعف فقط على أهمية موقع جيبوتي فحسب بل تجعلها مركزاً إقليمياً بالغ الأهمية للنشاط الاقتصادي والتبادل التجاري.

  • الاستقرار الأمني والسياسي:

ويعتبر المناخ الأمني والسياسي للدولة المضيفة عنصراً مؤثراً في تشكيل المناخ الاستثماري فيها، حيث يؤدي ضعف الاستقرار إلى تدني معدل الادخار وتزايد معدلات هروب رؤوس الأموال المحلية ..الـخ.

مع أن جيبوتي تقع ضمن منطقة تعتبر من أشد بؤر التوتر في العالم، إلا أنها تتميز بقدر كبير من الإستقرار الأمني والسياسيي، مقارنة مع دول المنطقة.

وهذا ما يشكل عاملاً مهماً في جذب الاستثمارات من جهة ويساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المنشود من جهة ثانية.

  • الثروات والطبيعة البكرة:

وبجانب الطبيعة البكرة يتوفر في جيبوتي كثير من الثروات من بينها الذهب، الحديد، الملح، الاسمنت وغيرها إضافة إلى المياه الجوفية والمراعي والموارد البشرية التي تتمثل في العمالة الفنية والمدربة.

إلا أن مجمل تلك الثروات الحيوانية والطبيعية ما زالت بكرة ولم يتم إستغلالها ـ حتى الآن ـ لأسباب موضوعية عديدة من بينها:

  • عدم وجود اهتمام كافي لاستفادة من الخيرات الوطنية.
  • غياب تخطيط ورؤية وسياسة وطنية لاستغلالها.
  • ضعف التمويل والإستثمارات المحلية والأجنبية.
  • نقص الخبرات العلمية والفنية الوطنية.
  • المناخ الإقتصادي:

ومع أن الاقتصاد الجيبوتي شهد مؤخراً تطورات إيجابية ملحوظة نتيجة لنمو الحركة الاقتصادية وتحسن الأوضاع المحلية القائمة وبفضل تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية التي وصلت مساهمتها للناتج القومي الإجمالي إلى حوالي (40%) في عام 2010م، وبالرغم من الأزمة المالية العالمية التي فرضت مزيد من التحديات الاقتصادية إلا أن جيبوتي لم تنجح فقط من تقيل آثارها وتداعياتها بل استطاعت أيضاً من تحقيق نتائج ملموسة في مجال النمو الإقتصادي مقداره (5%).

إلا أن الاقتصاد ما زال حتى الآن ـ يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات الذي يساهم على ما يزيد نحو (75%) من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد بدأت الحكومة مؤخراً بخطوات جادة وسريعة لتطوير اقتصادها ويجعله قوياً ومتوازناً يعتمد على التنوع ويشمل على كافة القطاعات الإقتصادية، كالخدمات والصناعة والزراعة التي ما زالت تتميز بفرص استثمارية كبيرة وجاذبة.

وأن حجم الإستثمارات العربية والأجنبية في تنامي مستمر ولكن البلاد ما زالت بحاجة إلى مزيد من المساعدات الخارجية تكون على شكل منح أو قروض ميسرة وبآجال طويلة تفادياً لتراكم الديون وأعبائها على الموازنة العامة للدولة .

  • حجم السوق: 

وبـرغم من صغر حجمها ومحدودية سكانها إلا أن جيبوتي تتطلع إلى أن تصبح مركزاً اقتصادياً مهماً وسوق إقليمياً صاعدا، بـكونها تمثل بوابة لسوق استهلاكي واسع النطاق (سوق كوميسا) الذي يحتوي لأكثر من (400) مليون مستهلك.

وفي هذا الصدد يؤكد رئيس الجمهورية أن الهدف النهائي للخطة الاقتصادية هو جعل البلاد نقطة ارتكاز تجارية حقيقية في المنطقة تجمع بين القطاع اللوجستية والصناعة والمالية.

وهذا ما لا يمكن تحقيقه دون وجود سياسة ناجحة وجادة لتحقيق تعاون إقليمي وتكامل اقتصادي بين دول المنطقة، خاصة في ظل متغيرات دولية جعلت تشت اقتصاديات أمراً غير مقبول.

وتتزايد أهمية جيبوتي أكثر من أي وقت سابق نتيجة لـلتجمعات الاقتصادية الصاعدة في إفريقيا إضافة إلى الإهتمام والتنافس الدولي المحموم على المنطقة.

كما أنه يتوفر لديها كافة المقومات التي تؤهلها إلى هذا المركز الإقليمي المرموق، حيث تتمتع ببنية تحتية جيدة ومرافق خدمية متطورة وقادرة على تلبية متطلبات المرحلة ومن بينها:

  • وجود موانئ عالمية متطورة ومجهزة بأحدث التقنيات، تقدم خدماتها خلال 24 ساعة.
  • مطار دولي قادر على استقبال أكبر وأضخم الطائرات على مدى 24 ساعة.
  • شبكة من الطرق البرية المتقدمة تسهل عمليات نقل البضائع وسكة حديد متطور يربط جيبوتي بالأسواق الإقليمية .
  • منطقة حرة تشجع التبادل وتوفر للمستثمرين حوافز إمتيازات كبيرة.
  • شبكة إتصالات حديثة ومتطورة تحتل المرتبة الأولى في أفريقيا سواء بقدرات الإستقبال أو الربط بـشبكة ( SEA , ME ,WE ).
  • نظام مصرفي متقدم موثوق به يعتمد على مجموعات مصرفية ذات صبغة عالمية.
  • حرية تحويل رؤوس الأموال وغياب المراقابة على الصرف أضافة إلى إستقرار سعر الصرف.
  • حماية قانونية تضمن للمستثمرين بـحرية اللجوء إلى التحكيم القضائي..

وفي هذا الصدد بدأت الحكومة اهتماماً كبيراً في رفع إمكاناتها وقدراتها البشرية إضافة إلى تنفيذ مزيد من المشاريع التنموية ذات البعد الإستراتيجي، وذلك لـتعزيز مكانتها داخل هذا السوق الكبير وتلبية احتياجاته ورغباته الهائلة جداً.

  • بعض المزايا لتشجيع عملية الإستثمار:

وفي ظل التنافس الدولي والإقليمي المحتدم على جذب الاستثمارات بدأت الحكومة بـخطوات اقتصادية إصلاحية إضافة إلى إقرار مجموعة من التشريعات والقوانين وذلك لتوسيع الضمانات والامتيازات الخاصة بالمستثمرين حيث يعد قانون الاستثمار الجيبوتي الذي أقر في عام 1984م، وتم تعديله في عام 1994م، من بين أفضل قوانين الاستثمار المعمولة في الدول العربية.

ويقدم كثير من المزايا القانونية والإعفاءات الضريبية من بينها:

  • إعفاء عن ضريبة المهنة لفترة تتراوح ما بين ( 5-10) سنوات.
  • إعفاء عن الضرائب على الأرباح “على الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين”
  • إعفاء عن ضريبة الاستهلاك المحلي على المواد اللازمة لتنفيذ مشاريع الاستثمار.
  • الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات:

وكجزء من الإستراتيجية الوطنية الشاملة لتشجيع الإستثمارات، أطلقت الحكومة بتأسيس الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات في 21 يناير 2001م بهدف تقديم خطة إستراتيجية موحدة لتنمية الإستثمارات.

وتتمثل الأهداف الرئيسة لـلوكالة في تطوير وتنمية مجالات الإستثمار من خلال تحديث الإطار القانوني وتسهيل الإجراءات تذليل كافة العقبات والصعوبات أمام العملية وتحسين لـمناخ الإستثمار العام.

  • توصيات ونتائج الدراسة:

وبعد أن نتاولنا بشكل موجز معظم الأوضاع القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكون البيئة الاستثمارية في جيبوتي، نتوصل إلى النتائج التالية:

  1. أن مناخ الاستثمار في جيبوتي تتوفر فيه أهم الشروط اللازمة لـدخول الاستثمار إلى أي بلد.
  2. الاستقرار الأمني والسياسي بجانب الاصلاحات الاقتصادية والقانونية لـتوسيع الامتيازات الحوافز تزيد من قدرة جيبوتي على المنافسة لجذب مزيد من الاستثمارات.
  3. برغم كل ما حظيت به جيبوتي من تدفقات إستثمارية كبيرة خلال السنوات الماضية إلا أنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من المساعدات تقدم على شكل منح أو قروض ميسرة وبآجال طويلة تفادياً لتراكم الديون وأعبائها على الموازنة العامة للدولة.
  4. الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات ما زالت تعاني عجزاً كبيرا في الإمكانات المادية لإقامة ملتقيات خاصة للترويج الإستثماري على الصعيد المحلي والعربي.
  5. تجاهل المؤسسات العربية المعنية لإقامة فعالياتها ومنتدياتها اقتصادية في جيبوتي، رغم أهمية ذلك للقطر المستضيف.
  • توصيات حول تحسين مناخ الاستثمار:
  • ضرورة استمرار الاصلاحات الاقتصادية والتشريعية في البلاد.
  • تعزيز إمكانات وقدرات الوكالة الوطنية.
  • العمل بإنشاء المناطق الصناعية بما لها من أهمية كبيرة لجذب الاستثمارات.
  • محاربة الفساد المالي والإداري بشكل جدي وحقيقي.
  • إعطاء إهتمام حقيقي لمجالات التنمية الاجتماعية.

 

 

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم. يعمل محرر ومترجم في الوكالة الجيبوتية للأخبار.
زر الذهاب إلى الأعلى