من  وحي التراث الصومالي (1) المقدمة

تلوح بوادر حقبة جديدة في الصومال تقطع الصلة بالماضي مجتمعيا، وثقافيا، ودينيا، وربما سياسيا، واقتصاديا، وتعيد هيلكة أدمغة المجتمع الصومالي المحافظ فطريا ولاسيما فيما يخص السلوكيات الفردية والقضايا الاجتماعية، فكريا وتنظيميا. وقد نختلف في حجم التغيير القادم لكن قد لانختلف في أننا أمام ولادة أمه صومالية جديدة لن تشبه  الصومال الذي نعرفه اليوم وستكون مغايرة تماما عن “ الصومال الأمس” الذي كان يفتخر  أبناؤه بوحدة الهدف والمصير والمستقبل وبالروابط الدينية والثقافية المشتركة. نحن أمام أمة صومالية قادمة متعددة الأديان، مختلفة الثقافات، ومتباينة العادات والتقاليد، لا يوحّدها سوى العلم والوطن .

إن نيران الحرب المشتعلة في الصومال  منذ عام 1991 لم تتسب فقط بتدمير مقدرات الشعب الصومالي، وتهديد وحدة بلاده وسيادته واستقلاله. ولكنها تسببت- وبالطبع مع مجموعة عوامل  أخرى أساسية أبرزها التكنولوجيا- بإحداث تغيير هائل في نمط حياة الصوماليين في الداخل والخارج وسلوكياتهم، وعلاقاتهم المجتمعية، وطرق وأساليب تفكيرهم، كما أدت إلى محو وتجريف ذاكرة الأمة الصومالية وتدمير أرشيفيها وجميع الأعمال العظيمة التي انجزها نخبها ومفكروها على مدى قرون والتي كانت تعكس  تاريخ هذه البلاد العظيمة وحضارتها العريقة، وكافة مؤسسات الدولة ذات الصلة بالتراث والهوية، مثل المؤسسات التربوية والثقافية، ومراكز البحث العلمي، والمتاحف وغيرها من الواجهات المهتمة بالتراث والثقافة الوطنية.

وهذا الإنهيار  الكامل الذي لحق بالمنظومة الإجتماعية  في الصومال أدى على حين غفلة من أهلها إلى ما يظهر اليوم في الأفق من بواد تشكل أمه جديدة لا تمت إلى ماضيها بصلة ولاتكن أدنى احترام لعاداتها وتقاليدها ولا تخشى في ثوابتها ومقدساتها لومة لائم، وتتهافت إلى الانتاج الفكرى للأمم الأخرى دون تمحيص وتمييز وغربلة مولية ظهرها كنور التراث الصومالي الذي كان  الدليل ونقطة الإنطلاق نحو التطور والإزدهار، وإلى تغيير إجتماعي “مبتَسَر” لم تكتمل أركانه ولم يمر  بمجموعة المراحل والخطوات التي أشارت إليها نظريات التغيير الاجتماعي لمالك بن نبي وإبن خلدون والفيلسوف كنت حتى تكون مقبولة بين  الناس ومراعية لخصوصيات المجتمع، ودون أن نضع الأرضية الصلبة لفلسفة التغيير.

ومن هنا ينبغي أن تتكاتف الجهود لمعالجة مشكلات وتأثيرات تسنامي التغيير المقبل عبر  احياء التراث الصومالي وتطويره وتنميته لينهض دوره  في تحقيق المصالحة، وتعزيز الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين ، وغرس روح المحبة والتسامح في نفوسهم، وإعادة البناء  الإجتماعي في مرحلة ما بعد الحروب بالاضافة الى تعزير العلاقات الثقافية مع العالم ولا سيما مع الدول العربية وذلك من خلال إعادة تأهيل المؤسسات والأندية الصومالية المسؤولة عن  التراث ونشره وحمايته والتي تضررت بشكل كبير جراء الحرب الأهلية، مثل: مركز الإرشاد القومي، المكتبة الوطنية، والهيئة الترفيهية،  والفرق الغنائية الشعبية لتتحمل مسؤولياتها في المحافظة على التراث، وتشجيع الجمعيات والمؤسسات الصومالية المهتمة بالمحافظة على التراث الشفوي، بالإضافة  إلى تنظيم مهرجانات ولقاءات وورشات عمل وندوات لترويج التراث الشعبي الصومالي، وترجمة الكتب والدراسات الناذرة عن التراث الوطني وايجاد آلية لحصر عناصر الثقافة الصومالية والمواقع الأثرية لوضعها على خريطة التراث العربي والعالمي وأطلسها.

لندلي بدلونا في هذه الجهود ولنسجل مساهمتها في هذاالمشروع، ننشر سلسلة مقالات تحت عنوان من وحي التراث الصومالي تسلط الضوء  فيها على أمجاد الوطن، وعلى الكنوز الثقافية التي تركوها لنا آباؤنا وأجدادنا ابراء للذمة وأداء للأمانة إلى أهلها.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى