التخلف الاجتماعي مأساة سامية!

من السهل أن يتخلف الإنسان عقليا، كما يسهل تارة أن يتطور عقليا….فمنذ أن بدأت الحضارة العلمية الحديثة التي تسيطر على حياة الإنسان ظهرت سحاب معترضة من الأفق وهي مشكلة الانفصام والانفصال وتفريق الشعوب في

المجتمعات البشرية إلى متقدم ومتخلف!… فهناك دول أو شعوب سموا أنفسهم بأنهم متقدمون كما سمى باقي الدول والشعوب الأخرى بأنهم ناميون ومتخلفون! ولذلك فإن الدول المتقدمة تسيطر على الدول المتخلفة سيطرة أشد من سيطرة الاستعمار المباشر الذى كان معروفا من قبل، فهم يسيطرون عبر ما يسمي بـ”الغزو الفكرى” أو “الغزو الصناعي” أو “الغزو الثقافي”… فالسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا وحتى بعد انتهاء عهد الاستعمار تعتمد الدول المتخلفة بالدول المتقدمة بكافة حياتهم؟ أليس هذا التحكم نوعا من الاستعمار الجديد؟ ولعله أشد وأوثق وأقسى من الاستعمار المباشر!!.

فما هو التخلف؟

فعند سماعك لكلمة التخلف يتبادر إلى الذهن التخلف الإقتصادى والسياسى بالمجتمع، وهذا صحيح ولا نزاع فيه، ولكن الأمية في واقع الأمر أبعد من ذلك وأعمق وأشمل.

كما يتبين العاملون في ميدان التعليم وعلماء علم الاجتماع وعلم التربية والتعليم، أن التخلف ليس ظاهرة فردية منعزلة عن بقية الظاهرة الاجتماعية في معناها الواقعي، فهناك صعوبة في إيجاد تحديد واضح لمفهوم التخلف وتعريف موحد وشامل، والامر يعود لأسباب كثيرة أهمها تباين المفاهيم والأفكار العامة والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع، وبالتالي فإن مفهوم التخلف يتجه على النحو الآتي، التخلف:هي حالة من تواني حياة الواقعية بتنميتها و ما يرافقها من انهال في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و عدم قدرة باستمرارها.

لذلك يمكن أن نقول بأن مشكلة التخلف اليوم ليس محور البكرة بمشكلة تواجه بعض الدول والشعوب الاجتماعية، وليست هذه المشكلة مقتصرة بتواجه النظري الاقتصادي والسياسي بشعوب ما، بل هي تواجه النظرة العميق لتحدي وجود الشعوب والدول في المستقبل، فالتقدم السريع بالمجال التكنولوجي الحديث يتزايد بشكل متسارع بين الدول المتقدمة عن الدول المتخلفة وأن معظم الدول المتخلفة لها شواغل عدة، وهي افتقارهم لفهم العلم والحضارة العلمية، لأن الافتقار لفهم العلم والحضارة سبب بأن يكون الإنسان عبدا لمن فهم العلم والحضارة…فالحضارة ليست مظهرا تؤخذ أو تستعاد، والتقدم لا يأتي من القوى الخارجية، بل لابد أن ينبع ويندلع من داخل شخصية الفرد أوالمجتمع حتى يكون لديه قوة تدفعه نحو تقدم مستمر ومتزايد على مدى الحياة.

أسباب التخلف العقلي وأعراضه.

يعتبر التخلف العقلي عند المجتمع ظاهرة اجتماعية وخطيرة سواء في المجتمعات المتقدمة التي تسعى بتنمية شعبها عقليا وثقافيا أوفي المجتمعات النامية والتي يكون فيها المتخلف عبئا على أسرته.

إننا نستطيع بل يجب علينا توضيح أسباب التخلف من الناحية الفنية، والوقوف عند نتائج أزمة التخلف أو بعض نتائجها عندما تبلغ حدها الأقصى في حياة الفرد من ناحية وفي حياة المجتمع من ناحية أخرى، فأزمة التخلف تكون في ذروتها وصلبها الحقيقي بالنسبة لثقافة الشعوب، أي ما يسمي بـ “تعايش الثقافات لمجتمع ما” لأن كل تفكير حول مشكلة الإنسان هو تفكير يتعلق بمشكلة الحضارات العلمية…فظلت الأمية في عصرنا الحاضر مشكلة اجتماعية معقدة ومركبة، فهي سبب من أسباب التخلف الاجتماعي، كما أنها نتيجة لطبيعة التخلف، وهكذا ترتبط الأمية بالتخلف  …

أضف إلى ذلك فإن التقهقر الثقافي قد يسبب الكثير من العوائق في التطوير البشري، فمثلا، ما يسمي الفقر الفكري هو من أسباب التخلف العصري في هذا القرن، الإنسان أينما يكون لابد بأن يفكر كيف يكون مستقبل حياته! فالله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالحيوان من حيث التفكير، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من المرات “أفلا يتفكرون” وعلى الرغم من ذلك فإن حرمان التفكير يعتبر الفقر العقيم ووجه من أوجه التخلف في هذا العالم، حيث يرتبط فقر الفكري بتدني مستويات التخلف البشرى سواء أكان تخلفا اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، فهناك علاقة وطيدة بين الجهل والتعليم والفقر الفكري؛ لذلك يعتبر الفقر الفكري أحد أسباب التي تحرم المجتمع من الحصول على التطور الكافي، وإخراجهم من حلقة التخلف!

فالفكر والمجتمع يمثلان اليوم بمنظر المألوف الحقيقي بتصور وجه المجتمع بأي كان مصيرهم! ولذلك نقول “تحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك والشعور بالمشكلة، ثم يتم التراجم إلى عمق من التحليل، كذلك يتم تحقيق الواقع الاجتماعي بواسطة التصنيف ثم يتم تراجمه بشكل واسع إلى تفسير هيكل بنائه” وعليه فإن مشكلة التخلف الاجتماعي مختلفة تماما، ولعل يكون الآراء والأفكار التى عرضنا سابقا في صدد وميل التوجيهات، وإن كانت عن طريق الحق لا تمنحنا حلولا عن الحقيقة، لأن الحلول التي قد توحي وتسرع بها إلينا بهذه الطريقة لن تصادف ولن تقابل عقلنا الذي يكملنا ضمنا والذي تجده تلقائيا في العقل الصومالي أو العقل الجيبوتي…

وفي الأونة الأخير، إن التخلف الحضاري والثقافي قد يسبب التقهقر الأخلاقي لمجتمع ما، فإذا انهارت الأخلاق فسد المجتمع لدرجة يستحيل استمرار الحياة، ولم ولن يكون هذا المجتمع مؤهلا إلى الارتقاء والتدرج الثقافي؛ فكل هذه المشكلات غنية عن البيان والتوضيح لأكثر من ذلك، ويكون محور الحل بأن يجعل من عالم الأفكار والآراء إلى هيكل البناء الثقافي والحضارى للمجتمع، وهناك مسألة آخرى يجب الإشارة إليها، أن الإنسان عندما ينهض لا يكون لديه عالم الأشياء أو عالم الأفكار، فتأسيس مدرسة فكرية بتصميم العادات والتقاليد لمجتمع ما … يلتمس ويطلب فيه أخصاب واندماج فكرة خاصة، ولذلك لا تكون مشكلة التخلف مشكلة فهم وتفسير لواقع اجتماعي معين بقدر ما هي مشكلة خلق لهذا الواقع الاجتماعي.

حسن عبدالرزاق عبدالله

طالب، دكتوراة في التربية _ مناهج وطرق التدريس. جامعة بخت الرضا.
زر الذهاب إلى الأعلى