فرص وتحديات أمام الاتحاد من أجل السلام والتنمية؟ 

أعلن سياسيون معارضون، يوم الخميس الماضي، في مقديشو عن تأسيس ائتلاف يحمل اسم الاتحاد من أجل السلام والتنمية ويضم ثلاثة أحزاب سياسية معارضة وهي، حزب السلام والتنمية ، وحزب دلجر ، وكتلة  هورأوسعد بالإضافة إلى مجموعة من نواب البرلمان ووزراء سابقين في حكومة عمر عبد الرشيد، ويرأس الاتحاد، الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود الذي قال أمام حشد من أنصاره أنه أنشئ ليدشن مرحلة جديدة للمشهد السياسي الصومالي -المعروف بكثرة تقلباته وتغير تموضع السياسيين فيه- وليعطي دفعة قوية لدور المعارضة في الحياة السياسية .

دوافع إعلان الإتحاد

 في البداية يتم إعلان الاتحاد من أجل السلام والتنمية في غمرة الاستعدادات الجارية لتأسس تحالفات أخرى تضم ووجوها سياسية بارزة بينها رئيس الصومال الأسبق  شيخ شريف أحمد، ورئيس البرلمان الصومالي السابق محمد عثمان جواري، ورؤساء وزراء سابقين، مثل عبد الولي شيخ أحمد، وعمر عبد الرشيد، وفي ظل تنامي الحديث عن احتمال إعلان تحالف سياسي خلال الأيام المقبلة برئاسة الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، استعدادا للانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في البلاد عام 2020.

فالإتحاد من بنات أفكار الرئيس السابق حسن شيخ محمود له  ويعتبره مطية نحو عودته الي السلطة التي خسرها في انتخابات عام 2016 أمام الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، وفرصة مهمة لتوحيد صفوف المعارضة وبعث روح جديد فيها تمهيدا للانتخابات الرئاسية  المقبلة. فالرجل كما يبدو ضرب عرض الحائط جميع  النصائح التي قدمت إليه خلال الأيام الماضية من جهات داخلية سواء المقربة منه أو المعارضة له  و ربما من أطراف خارجية دعته إلى عدم العودة إلى الوحل السياسي والنأي بالنفس عن الخلافات بين الحكومة والمعارضة وأصر على تحدي كافة المتغيرات والتطورات الداخلية والاقليمية التي تسيطر على المشهد السياسي الصومالي والتي قد تشكل عقبة أمام طريق عودته إلى “ فيلا صوماليا”.

يبدو أن الرئيس اختار هذا الطريق الوعر ربما بسبب محدودية البدائل وإغراءات من سياسين معارضين ضاقت بهم الساحة السياسية نتيجة الضغوط التي تمارسها حكومة خيري ضدهم والذين كانوا بأمس الحاجة إلى شخصية رمزية وذات ثقل سياسي لا تجرؤ عليها الحكومة وتتفادى المساس به وكتلة قوية يضرب لها ألف حساب تفك عنهم العزلة وتخفف منهم وطأة ما يتعرضون له من ضغوط وتهديدات ولهذا توصل الرجل إلى  قناعة تامة بأهمية أن  يقود تحالفا بغض النظر عما يحويه من شخصيات  متناقضة ومتعارضة بينها أشخاص ظلوا منذ سنوات من ألد أعدائه بل وكانوا سببا رئيسا لخسارته في الانتخابات. لقد غض حسن شيخ العضو في البرلمان الصومالي الطرف عن هؤلاء الأشخاص بسبب تقاطع مصلحته مع مصالحهم وتقديرا للأهداف المشتركة التي قد لا تتحقق في هذه المرحلة الا عبر تشكيل هذه الجبهة العريضة.

الفرص  مواتية لبديل سياسي

تتوفر في الساحة السياسية الصومالية في هذه المرحلة بيئة مواتية قد تشكل فرصة حقيقة للاتحاد وذلك إذا أحسن استخدامها وتتمثل هذه البيئة في:

  • الأزمة السياسية بين الحكومة الاتحادية والإدارات الاقليمية التي أعلنت تمردها على الرئيس فرماجو وتعليق تعاونها مع الحكومة الاتحادية في مقديشو  ما قد يفتح الباب أمام حراك ضد الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء خيري أو على الأقل يضيق هامش تحركاتهما السياسية .
  • تصاعد قوة حركة الشباب وقدرتها على مهاجمة المواقع الحكومية وتنفيذ هجمات نوعية في العاصمة تستهدف شخصيات بارزة في الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.
  • اهتزاز ثقة المواطنين بالحكومة  على خلفية الحوادث الأمنية الخطيرة التي شهدتها العاصمة مقديشو خلال الأيام الماضية، مثل مقتل واحراق ميكانكي في محل لإصلاح السيارات بمقديشو لأسباب تتلعق بإنتمائه القبلي، ومصرع طالبة داخل قاعدة الدراسة لإحدى الجامعات على أيدي مسلحين مجهولين.
  • تزايد أعداد  المعارضين لحكومة حسن علي خيري في البرلمان الاتحادي الداعين إلى الاستقالة  أو المنتقدين لسياساته التي يصفونها بـ “المتهورة وغير المسؤولة” تجاه قضايا مصيرية كان ينبغى أن يتم معالجتها بالحكمة والعقلانة وتوسيع دائرة التشاور لتحقيق مبدأ الشراكة الوطنية والمسؤولية الجماعية ولتعميق الحس بالانتماء للوطن وأنه يتسع للجميع،  بعيدا عن الأنانية ووضع السلطات في ايدي مجموعة صغيرة تستبد وتحتكر  السلطة.
  • بروز قيادات شعبية تشكك في  قدرة الحكومة الحالية على أداء مسؤولياتها تجاه الأمن ومحاربة المجموعات المسلحة واتخاذ كافة الاجراءات السياسية الضروية والمهمة لتهيئة البلاد لإنتخابات شعبية حرة ونزيهة ومباشرة خلال ما تبقى من فترة رئاسة الرئيس فرماجو مثل مراجعة الدستور والاستفتاء عليه واستكمال بناء المؤسسات الوطنية وتولي مسؤولية أمن البلاد من قوة بعثة الإتحاد الافريقي (أميسوم)
  •   التململ الذي بدأ يسري في نفوس قطاع من المجتمع الصومالي بسبب اخفاق الحكومة في تحقيق تطلعاته وآماله العريضة التي علقها عليها والمتمثلة في إعادة الأمن والاستقرار وتحسين الظروف المعيشية.
  •   وجود قوى اقليمية تنظر بعين الشك والريبة إلى سياسات الرئيس فرماجو الخارجية وخاصة مع المتغيرات السياسية في منطقة القرن الافريقي والجهود الاقليمية لانشاء نظام سياسي ركائزه الأمن والسلام وتحقيق التكامل   بين دول المنطقة.

كل هذه العوامل وغيرها بحسب كثيرين ما هي الا احدى تجليات غياب الاستقرار السياسي في البلاد والسياسية الاقصائية التي تمارسها حكومة خيري ضد معارضيها الأمر الذي دفع البعض للبحث عن بدائل وانشاء أحزاب سياسية قوية قادرة على ضغط الحكومة وثنيها عن سياسيات يرونها خاطئة.

أربعة تحديات أمام الائتلاف 

لكن في المقابل يواجه الائتلاف أربعة تحديات كبرى تمثل تهديدا على استمراره وتصدره على المشهد السياسي في البلاد.

 التحدي الأول

  يمثل التحدي الأول أعضاء الائتلاف المنتمين إلى مدارس سياسية مختلفة والحاملين أفكارا وايدولوجيات من الصعوبة بمكان أن تتفق على رؤية واحدة تجاه القضايا المصيرية في البلاد والمعرفين بتقلبات مزاجهم السياسي والمتميزين بحب الصدارة والرئاسة وهذا ما ألمح إليه رئيس الاتحاد حسن شيخ الذي طالب أعضاءه بنبذ الخلافات وتغليب مصلحة الاتحاد على المصالح الشخصية والإلتزام بقرار الأغلبية، محذرا من التفرد بالرأي والشق صف الجماعة.

 أضف إلى ذلك ، على الرغم مما يمثل الرئيس الصومالي السابق ورئيس الحزب حسن شيخ محمود من شخصية توافقية وقادرة على جمع الأضداد الأن بعض المراقبين يشككون في قدرته على إدارة الأفكار المتناقضة داخل الائتلاف وضمان عدم انحيازه لتوجهات أعضاء تياره القديم.

التحدي الثاني

 لن تألو الحكومة جهدا في تفكيك الائتلاف ووضع العصي في دولايبه عبر طرق رسمية وغير رسمية على سبيل الميثال للحصر منع التجمعات واللقاءات الجماهيرية بدواعي أمنية ولأسباب تتعلق بمحاربة المجموعات الارهاب والتدخل الأجنبي كما فعلت من قبل وما قصة السياسي عبد الرحمن عبد الشكور ببعيدة .

 التحدي الثالث 

كسب ثقة المواطنين واقتاعهم بأهداف ورؤى الائتلاف وخصوصا خلال الانتخابات المقبلة التي يتوقع أن تكون شعبية ومباشرة لأن الاتحاد ينظر إليه بعين الريبة وهناك مخاوف من أن يكون صورة جديدة من صور نمطية ألفها الصوماليون وشهدوها خلال السنوات الماضية بسبب رئيسه حسن شيخ الذي حكم البلاد لمدة أربع سنوات ولم تتحقيق خلالها انجازات ملموسة، ونسخة معدلة من تياره المعروف بالفساد واحتكار السلطة.

الخلاصة

 عندما تنظر بنظرة ثاقبة لكافة أبعاد وتجليات الوضع السياسي في البلاد تجد أن تأسيس الاتحاد من اجل السلام والتنمية يمثل أهمية كبرى في تفعيل الحياة السياسية في الصومال وتطويرها ودفعها نحو نظام ديمقراطي حقيقي غير أنه يفتقر إلى عوامل البقاء والاستمرارية ولا نستبعد حدوث انشاقات داخلية  انفراط عقده قبل الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في عام ٢٠٢٠ وخصوصا أن فرص تنظيم هذه الانتخابات على أساس نظام الأحزاب السياسية ضئيلة، وأن كل المعطيات تشير إلى استحالة ذلك وانها ستجرى وفق  النظام السابق، المحاصصة القبلية مع تعديلات ربما جوهرية وبالتالي  يجب أن تتركز كل جهود السياسيين على تهيئة البلاد لانتخابات شعبية مباشرة بتحقيق الأمن والاستقرار وهزيمة المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون بالإضافة إلى استكمال بناء المؤسسات الموطنية الضروية لعقد انتخابات حرة ونزيهة مثل مراجعة الدستور ، وتشكيل المحكمة الدستورية، ومجلس الأعلى للقضاء.

زر الذهاب إلى الأعلى