المكاسب الخليجية في أثيوبيا،هل ستنجح “سياسياً”؟

ظلت العلاقات الخليجية الأثيوبية حتى عام 2014 خارج إطار التفاعل السياسي الحقيقي، فالحضور الإقتصادي الخليجي يتفوق على حضورها السياسي الذي يكتفي بممثل دبلوماسي يمثلها في أديس ابابا، فلقد وجدت أثيوبيا في الإستثمارات الخليجية في الداخل الأثيوبي والعمالة الأثيوبية في العواصم الخليجية متنفساً حقيقياً لحل أزمة البطالة الحادة التي تعاني منها ومُساهماً كبيراً في دفع عجلة الإقتصاد الأثيوبي، بسبب التحويلات المالية المُتدفقة على المصارف والبنوك الأثيوبية، لذلك نرى بأن الإعلام الأثيوبي حتى هذه الساعة لا يتناول علاقة بلاده بدول الخليج إلا في إطار التجارة والإستثمار المفتوح على مصراعية، حرصاً على العمالة الاثيوبية في الخليج العربي التي إحتلت المركز الأول بين العمالات الأجنبية العاملة في العواصم الخليجية، إلا أن عام 2015 وما تلاه كان مفصلياً في خط سير تلك العلاقات، فلقد باتت دول الخليج ترى أن دول القرن الأفريقي تشكل الركيزه الأولى للتوجه الإستراتيجي الخليجي المُستقبلي نحو القارة الأفريقية، والإمتداد الفعلي للأمن القومي الخليجي الذي بات يؤرقه إختلاف الرؤى السياسية بين أعضائه.

تبدو أبوظبي والرياض الأكثر حضوراً في الساحة الأثيوبية في الفترة الحالية وهذا لا يعني إنحسار حضور باقي دول الخليج، فحضور باقي دول الخليج كدولة الكويت، ودولة قطر وسلطنة عمان فيه نوع من الحذر المُترقب إن لم نقل مُراقبة الأوضاع من بعيد والعمل بما تقتضيه المصلحة .

تدرك أديس أبابا أن القوى الدولية هي المهندسة الأولى والأخيرة للسيناريوهات السابقة والقادمة في منطقة القرن الأفريقي، خاصة أن القوى الدولية ومن خلال أذرعها الإعلامية الشهيرة تؤكد أنها لن تسمح بنجاح خليجي يتحقق في القرن الأفريقي إلا عبرها وبناءاً عليه تعمل أثيوبيا على إستغلال تلك الفرصة التي قد لا تتكرر لها بعد أن خلقت القوى الدولية من منطقة القرن الافريقي حالة محمومة لمدة تزيد عن العشرون عاماً.

يرى الشارع الأثيوبي بأن المصالحة الأرترية الأثيوبية لم تحقق مكاسب سياسية حقيقية لدول الخليج العربي، فدول الخليج اليوم ومن وجهة نظر النخبة السياسية الأثيوبية إن كانت قد نجحت في تحقيق بعض المكاسب الإقتصادية فإنها ليست بالقوة والإرادة الكافية التي تمكنها من تحقيق مكاسب سياسية بذلك الحجم المتداول اليوم على أجهزة الإعلام، فلو إعترضت أديس أبابا مشكلة سياسية حقيقية فإنها ستلجأ لجوارها الإقليمي (الخرطوم، جيبوتي، كينيا ) وليس لدول الخليج وهذا الذي يجب أن تدركه القيادات الخليجية، أما ما يعتقده الشارع الأثيوبي فتعززه تلك التجاذبات السياسية في القارة الأفريقية التي تدركها أديس أبابا والتي أثبتت إخفاق خليجي في كسب شعوب تلك القارة بمعزل عن قياداتهم، ويرجع السبب في ذلك ومن وجهة النظر الاثيوبية بأن دول الخليج ليس لديها رؤية إستراتيجية طويلة المدى في القارة الأفريقية يمكن المُراهنة عليها، بل ويؤكدون في أحاديثهم الخاصة بأن التسابق الخليجي في القرن الأفريقي بشكل خاص وفي أفريقيا بشكل عام ما هو إلا نوع من التنافس بين دول الخليج لكسب نفوذ سياسي لن يتحقق بدون دعم دولي، ويبقى السؤال هنا هذا الدعم الدولي الذي تحتاجة دول الخليج في أفريقيا حتى تنجح هل ستستخدمه القوى الدولية لصالحها؟ أم أن النجاح سيكون في حدود ما تسمح به القوى الدولية حتى وإن كان يتعارض مع المصالح الخليجية البعيدة المدى؟

تبدو أديس ابابا اليوم أكثر تفاعلاً في محيطها الإقليمي والدولي بعد المصالحة الأثيوبية الأرترية التي وصفت بالتاريخية بعد عشرون عاماً من الحرب بين الطرفين، أما وقع تلك المصالحة على الداخل الأثيوبي والأرتري، فنرى أن أسمره قبلت المُصالحة مع أديس أبابا ليس لأنها غير قادرة على إستمرار الحرب معها ولكن لأن مردود هذه المُصالحة أكبر من أن يُرفض، أضف إلى ذلك أن التقارب التصالحي مع أثيوبيا سيعطي نظام أسياس أفورقي قبولاً على المستوى الإقليمي والدولي، وسيزيد نظام أسمرة قوة ضد الداخل الأرتري الذي قد يكرر إحتجاجاته الشعبية، وسيُضعف في نفس الوقت قدرة المُعارضة الأرترية في الخارج ويُعرقل هدفها بإقامة حكومة أرترية وطنية حقيقية.

تدرك القيادة الأرترية أن أثيوبيا لا تنظر إليها إلا بنظرة التابع المُتمرد، ولكن يبقى السؤال هنا هل ما زالت أثيوبيا تتذكر ما قاله ذات يوم أندلكاشو ماساي المندوب السامي الأثيوبي في أرتريا عام 1955 أنه لا توجد هناك شؤؤن أرترية بل هناك شؤون أثيوبية، وفي المقابل هل سينسى شعب أرتريا ما قاله الأمبراطور الأثيوبي هيلي سيلاسي أن تحرر أثيوبيا لن يكون كاملاً إلا بالحصول على منفذ بحري؟

 أما اثيوبيا فلقد ترك هايلي مريام خلفه تركة ثقيلة لم يستطع أن يتجاوزها وورثها أبي أحمد الذي قرأ الواقع الداخلي والإقليمي والدولي وعمل على أساسه، ويبدو أن الوضع الداخلى الأثيوبي أعقد مما نظن، فأمام أبي أحمد عدة ملفات هامة: كرغبة الأمهرا في تغيير الدستور، وصومالي أثيوبيا (أوغادين) الذين على خلاف مع الأورومو في عدة مناطق متفرقة من أثيوبيا، والثالثة الأثافي هي إرتفاع أصوات المُتعصبين من عرقية التيغراي ومطالبتهم بالإنفصال بسبب ما أكدوه من عزم رئيس الوزراء الأثيوبي بتسليم منطقة بادمي المتنازع عليها إلى أسمره.

 من المعروف في علم الأزمات الدولية أن المُصالحة بين طرفين مُتنازعين لا تتحقق إلا بالإتفاق على حل جذري للإزمة وإعلانه للجمهور وعلى أساسها تتم المُصالحة، ولكن المُصالحة الأثيوبية الأرترية كسرت تلك القاعدة وجاءت مُختلفة وغريبة عما شهده علم الأزمات الدولية من شواهد وأمثلة، فالطرفان إتفقا على إيقاف الحرب وإستئناف الرحلات الجوية بينهما، ولم يتحدث الطرفان بشكل علني لشعبيهما بشأن منطقة بادمي التي كانت سبباً في الحرب الأثيوبية الأرترية لعشرين عاماً، وكأن الطرفان يريدان المضي قدماً إلى الأمام وترك الملفات الشائكة بينهما لوقت أخر.

نتائج المصالحة الأثيوبية الأرترية على دول الجوار 

الصومال : تدرك أسمره ومن ورائها أديس أبابا بأن الخط السياسي “المُختلف” الذي تنتهجة الصومال في عهد الرئيس محمد فرماجو، وبالتالي المُراهنة على تحالف صومالي حقيقي مع أسمره وأديس ابابا غير وارد.

جيبوتي: بالرغم من حالة الحذر المحفوف بالغضب من تلك المصالحة إلا أنها لن تخسر أثيوبيا والعكس صحيح، ولابد أن هناك إجتماعات عُقدت أو ستُعقد بين الطرفين الأثيوبي والجيبوتي لطمأنة جيبوتي بأن تلك المُصالحة لن تكون على حساب جيبوتي، ولكن إلى أي مدى سيستقبل الطرف الجيبوتي ذلك؟

السودان: تراقب بحذر ما أسفرت عنه تلك المُصالحة وما يمكن أن يحدث مستقبلاً على سواحلها الشرقية، فالجانبان الأرتري والأثيوبي يُدركان الدور الذي لعبته الخرطوم قديماً والذي يمكن ان تلعبه اليوم إذا تم التجاوز على مصالحها أو تهديد أمنها، ويبدو أن أديس أبابا أكثر حرصاً على عدم إستفزاز الخرطوم، وبالتالي أرى أن الخرطوم ستعزز تحالفاتها مع موسكو وأنقره خاصة أن الخرطوم ترى أن أسمره قد تعاود إستفزازها ( حرب نفسيه) في السواحل الشرقية.

وأخيراً، هل ستنجح المكاسب الخليجية في أثيوبيا”سياسياً”؟

لن تحقق دول الخليج العربي الكثير من المكاسب التي تتوقعها في أثيوبيا، وستظل أبواب أديس أبابا مفتوحة للوفود الخليجية على إختلاف رؤاها السياسية، وستظل أثيوبيا مُمسكة بالعصا من المنتصف فلا إفراط ولا تفريط في سياستها الخارجية، وستستفيد من الجميع، فلن تكون مع القاهرة وتهدر فرصتها للنهوض لتصبح قوة في شرق أفريقيا ( سد النهضة )، خاصة أن القيادة الأثيوبية تدرك أن تراجعها قيد أنملة عن ذلك سيقودها للزوال بيد شعبها الذي لن يهدأ أبداً، فالإنقسامات الداخلية بين العرقيات المُختلفة، ومطالبة بعضها بالإنفصال ستزول لو وجد الشعب نفسه  أمام عرقلة مصرية خليجية تمنعة من تحقيق نهضة طالما إنتظر تحقيقها.

تراقب القوى الدولية عن كثب ما يحدث في القرن الافريقي من تغييرات ولديها سيناريوهاتها التي وضعتها قبل أن تضع خطتها للمُصالحة الأرترية الأثيوبية.

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

@gulf_afro

.

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى