هل حان الوقت لاتخاذ حكومة الصومال الفدرالية موقفا شجاعا لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم مع صوماليلاند؟

في عام 1991 سقط حكم الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري المركزي , ومع هذا السقوط والانهيار دخلت الصومال في فوضى كبيرة نتيجة عدم اتفاق القوى المعارضة التي اسقطت سياد بري من الحكم على تشكيل حكومة موحدة يعترف بها الشعب والعالم , وبالتالي انزلق الصومال في اتون الحرب الاهلية بقيادة جنرالات وأمراء حرب ومجموعات ارهابية , لكن على النقيض مما يحدث في مقديشو وأجزاء أخرى من الصومال , وفي اقصى الشمال الصومالي تم هناك الاعلان عن قيام جمهورية صوماليلاند المستقلة عن الصومال.

المراقب للأحداث في تلك الفترة استقبل هذا الاعلان بعدم الاهتمام , وأن هذا الاعلان ما هو إلا استغلال لغياب الدولة المركزية الصومالية التي تستطيع ان تفرض هذه الوحدة بالسلم او الحرب في حال عودتها كما كانت في عهد سياد بري أو الحكومات السابقة , وأن الوضع في صوماليلاند لا يختلف عن اغلب مناطق الصومال التي استولى عليها امراء الحرب وأصبحوا في حكم المستقلين عن أي حكومة مركزية , لكننا لاحظنا ان صوماليلاند انهمكت في بناء دولتها بعيدا عن الصراعات في الجنوب , وشرعت في تكوين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية مما انعكس ذلك على الاستقرار والتنمية في ارض الصومال .

بعد البحث والتقصي يتضح أن ما حدث في صوماليلاند يختلف كليا عن أي منطقة صومالية أخرى في جنوب الصومال ووسطه , لعدة أسباب منها :

صوماليلاند لها تاريخ استعماري مختلف حيث كانت محمية بريطانية في حين أن جنوب الصومال كانت تحت الاستعمار الايطالي , وفي اغلب دول العالم حاليا فإن الحدود الدولية هي الحدود التي كانت في عهد الاستعمار حتى لو كان سكان الدولتين من عرق واحد أو متعددة الاثنيات , فالحدود بين الدول هي الحدود الاستعمارية في آخر يوم للاستعمار , في أغلب دول العالم , ومن المعلوم ان السكان يتأثرون بدرجات متفاوتة بالاستعمار لا سيما النخب السياسية في مجال الحكم , وبناء المؤسسات , وشكل الدولة.

 الوحدة بين صوماليلاند والصومال هي وحدة تمت بين دولتين حيث حصلت صوماليلاند على استقلالها في 26يونيو 1960 في حين حصل جنوب الصومال على استقلاله في 1يوليو 1960 , وعند استقلالها اعترفت عدد من الدول بهذا الاستقلال , لكن الشعور الوحدوي السائد في ذلك الوقت خصوصا بين الجماهير دفع بصوماليلاند الى الاتحاد مع الصومال الايطالي بعد خمسة ايام املا في تكوين الصومال الكبير الذي يشمل مستقبلا اقليم NFD في كينيا واوغادينا في اثيوبيا وجيبوتي , لكن ايا من هذه الوحدة لم تتم بسبب عوامل اقليمية ودولية ووقوع هذه الاقاليم ضمن سيادة دول اخرى لا تقبل التنازل عنها , وبالتالي قل الحماس للوحدة في صوماليلاند ,علاوة على شعور سكان الاقليم بالتهميش السياسي والتنموي في اقليمهم.

ان من الطبيعي ان يكون شعار الوحدة هو الطاغي في فترة الستينات حيث بدأت الكثير من دول العالم تأخذ استقلالها من المستمر الغربي , وكل اثنية تأمل ان يكون لها وطن جامع لها , ولكن مع الوقت تبين ان هذه الدعوات غير واقعية وان الدول التي اتحدت سارعت بإنهاء الوحدة , كما حدث بين سوريا ومصر حيث ادى انقلاب في سوريا عام 1962 إلى انهاء الوحدة بين مصر وسوريا رغم الشعارات القومية , وفي صوماليلاند بدأ التذمر من الوحدة في وقت مبكر حيث كانت هناك محاولة انقلاب غير ناجحة في صوماليلاند عام 1962 لإنهاء الوحدة , وبعد وصول الجنرال سياد بري الى الحكم عام 1969 , وما نتج عنه من تهميش صوماليلاند سواء في المناصب الحكومية او التنمية بدأ التذمر يزداد والأصوات تعلو نحو المطالبة بالعودة الى الاستقلال , وعزز من ذلك استقلال الكثير من الدول لا سيما في الخليج او جيبوتي ولم تسعى هذه الدول الى الوحدة مع دول اخرى تشترك معها عرقيا ودينيا , واستبدلت ذلك بإقامة العلاقات المميزة وإنشاء المنظمات الاقليمية للتنسيق مع هذه الدول نحو التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون تنازل عن سيادتها.

منذ العام 1981 انشأ العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية والنشطاء المنتمين الى صوماليلاند حركة تسعى الى استقلال الاقليم , سميت ( جبهةSNM ) التي تهدف الى استعادة استقلال الاقليم وفك الارتباط مع جمهورية الصومال , ولهذا فإعلان الاستقلال في صوماليلاند يختلف عن ما قام به امراء الحرب في الجنوب , ولم يكن هذا الاعلان مصادفة , او استغلال لظرف الصومال بعد سقوط الحكومة المركزية بل هو تتويج لسنوات من الحراك السلمي والعسكري نحو الاستقلال.

 لهذه الاسباب وغيرها فإننا نرى أن الوقت قد حان لتقوم حكومة الصومال الفيدرالية بمبادرة شجاعة تهدف الى انهاء حالة اللا حرب واللا سلم مع صوماليلاند , باتخاذ إجراء شجاع تجاه اشقائهم في صوماليلاند , ويمكن أن تأخذ هذه المبادرة ومنها , الموافقة على استقلال على ان يترك باب الوحدة مفتوحا مستقبلا في حال رغبة الشعبين , أو أن توافق الحكومة الصومالية الفيدرالية على إجراء استفتاء حُر لسكان صوماليلاند بإشراف الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية والدولية , وان يتعهد الجانبين باحترام نتائج الاستفتاء والموافقة عليها أيا كانت نتيجته, وبالتالي تنتهي معاناة هذا الاقليم وسكانه في التنقل والسفر والتنمية.

– اعلم أن هناك مؤيدون للوحدة في كلا الطرفين خصوصا في الجنوب , وهناك من يؤيد استقلال الاقليم لاسيما من المثقفين عبر الاستفتاء اذا كانت الاغلبية لصالح الاستقلال , اما المتمسكون بالوحدة فهم متمسكون بحجج وشعارات عفا عليها الزمن مثل , الصومال الكبير , أو أن وحدة الصومال شيء مقدس غير قابل للمناقشة وحقيقة الامر أن لا شيء مقدس لدى المسلمين ( وجميع الصوماليين مسلمين ) إلا القرآن الكريم , وما صح في السنة النبوية , اما استقلال الاقليم أو وحدته فهو شأن سياسي يخضع لرغبة أغلب الشعب وما يقرره , ولا ضير في الاستقلال فهناك تجارب كثيرة لدول بحجم صوماليلاند أو اصغر منها وهي ناجحة سياسيا وتنمويا.

يمكن أن تحل أي عيوب للاستقلال من خلال المحادثات الثنائية بين الطرفين , وفي وجود علاقات طيبة ومتميزة يمكن أن يقلل أي أثر سلبي للاستقلال الى حده الادنى كالاتفاق على التنقل بين الشعبين بدون جواز سفر من خلال الهوية الوطنية , كما يمكن اقامة مشاريع اقتصادية مشتركة , والتعاون الدفاعي المشترك الى غير ذلك من الاتفاقيات الثنائية التي تعزز وحدة الشعبين دون الحاجة الى وحدة اجبارية لا تحظى بالقبول لدى الغالبية من السكان في الاقليم , وفي هذا الجانب نذكر بأنه منذ العام 1990 ومع انهيار الاتحاد السوفيتي انفصلت او استقلت الكثير من الاقاليم والشعوب فقد انقسم الاتحاد السوفيتي الى 15 جمهورية , ويوغسلافيا السابقة انقسمت الى ست جمهوريات وتشيكوسلوفاكيا انقسمت الى دولتين , كما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا فيما عرف بالجمهورية العربية عام 1962 , وعلى الصعيد الافريقي انفصل جنوب السودان عن السودان بعد استفتاء اممي عام 2011 , ومن قبله انفصلت اريتريا عن اثيوبيا عام 1993م.

ومن هنا فإننا نرى , وبعد 27 عاما من اعلان استقلال صوماليلاند , وبعد أن قامت حكومة صومالية دائمة ومعترف بها دوليا منذ العام 2012 باسم جمهورية الصومال الفيدرالية , ان تتخذ هذه الحكومة خطوة جادة وشجاعة تجاه صوماليلاند لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم , بالقبول على الاقل بإجراء استفتاء دولي حول مستقبل صوماليلاند ينهي هذه الحالة , ويعيد المحبة والأخوة بين الطرفين حكومة وشعبا , وغني عن القول أن انفصال بالتراضي وإقامة علاقات أخوية بين الجانبين افضل من وحدة بالإكراه .

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى