نسمات هلال رمضان

وجدت شابا كان في غاية السرور والغبطة لأنه اجتهد في فترة طويلة، واعتكف على المذاكرة في ساعات مديدة، وأمضى أزمنا عديدة لقراءة متأنية لدروسه، وعند استلام أوراق اختباره وجد ما يسر الناظرين، إذ جعل الله اختباره بردا وسلاما، فاليوم ينتظر نتيجة الاختبار بفارغ الصبر لأن النتيجة عنده محسومة، ولأن ساعات اجتهاده آتت أكلها ضعفين، فهو ينتظر يوم يقول لزملائه هاؤم اقرؤوا اختبارية إني ظننت أني أحصد نتائجه، هذا الشاب يفرح بقدر ما يحب النجاح في حياته.

   ووجدت شابا آخر يتيه فرحا وسرورا لأنه قرب وقت زواجه وزفافه ببنت قد شغفها حبا، وهذا أيضا فرحان بقد ما يحب زوجته.

 والتقيت عددا آخر من نبي آدم يتبرمون ويتأففون، يقدم أحدهم رجلا ويؤخر أخرى، لأن نسمات هلال رمضان ستهب على العالم قريبا، فانقسم الناس إلى فريقين:

  الفريق الأول: أحبوا الطاعات والعبادات أكثر من حب ذلك الشاب نتيجة اختباره، وأعظم من حب العروس بعرسه، وهؤلاء  أدركوا بأن موسم شهر رمضان هو موسم خير من الدنيا وما عليها ومن على ظهرها، لأن فيها ليلة عبادتها خير من ثلاثة وثمانين سنة، وأربعة أشهر، فمن قدر له أن يعيش حتى يدرك ذلك الموسم المبارك فقد وجد خيرا وفيرا يُغبط عليه، ومن وٌفّق أن يصوم نهارها ويقوم ليلها فقد قطع شوطا بعيدا، واحتل من الطاعات مقاما ساما، ألا ترى أن ابن ماجه روى بسند صحيح أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الْآخَرِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟ قَالُوا بَلَى! قَالَ:وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.”

هؤلاء الحذّاق يعرفون مواسم الربح والخسارة فوضعوا تخطيطا محكما للاستغلال بالأيام القادمة، والساعات الفاصلة، والأعمار الباقية، يعرفون كم مرة سيختمون القرآن في شهر القرآن، كم فقيرا ومحتاجا سيفطّرون ليُكتب لهم مثل أجر صيامهم، كم ساعات سينطرحون بين يدي مولاهم، كم وكم من المعروف سيفعلون، لقد اتخذوا قرارهم مسبقا ليكتب لهم نياتهم حتى لو لم تتحقق لهم آمالهم ونياتهم لأن “لكل امرئ ما نوى” وصاروا يحدون قبل أن يهل الهلال حبا وشوقا إليه:

نَسَمَاتُ هَوَاكِ لَهَا أَرَجُ تَحْيَا وَتَعِيْشُ بِهَا المُهَجُ
مَا النَّاسُ سِوَى قَوْمٍ عَرَفُوكِ وَغَيرُهُمُ هَمَجٌ هَمَجٌ

يَا بَدْرُ عَلَامَ الهَجْرُ دُجَى فَالقَلبُ لِفَقْدِكِ يَنْزَعِجُ
لَا أَعْتِبُ قَلبَ الغَافِلِ عَنكِ فَلَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجُ.)[1](

الفريق الثاني:

وأما الفريق الثاني فهم قوم يعتبرون هلال رمضان مصيبة حلت بساحتهم، وضريبة يؤدونها إكراها، وأنهم سيتعذبون بفقد ملذاتهم، من التدخين، والتخزين، وإمضاق القاد، والتسكع بالشوارع، ومتابعة المسلسلات، والسهر على الأفلام وهجر الأقوال، والعكوف على الملهيات. فهؤلاء أسفه الورى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!

 

[1] – ملاحظة هذه الأبيات استخدمتها لمعان لم يستخدمها صاحبها مع تصرف فيها

الدكتور يوسف أحمد

الشيح يوسف أحمد ... طالب في دراسة الدكتوارة. تخرجت كلية الدراسات الاسلامية بمقدشو عام 1989. إمام وخطيب بمسجد في السويد.
زر الذهاب إلى الأعلى