التيار الإسلامي الصومالي بين الاندماج والتعاون : ( الاعتصام والدم الجديد أنموذجا )

 يتساءل كثير من الفضلاء لماذا لا يسعى التيار الإسلامي الصومالي بكل فسيفسائه وتنوعه الاندماج فيما بينه ليشكل كتلة واحدة يستطيع الإسلاميون من خلاله تقديم رؤيا جماعية موحدة تعلي مصلحة البلد والأمة فوق مصالح الأفراد أو الحركات والجماعات وتقدر المنافسة مع باقي المكونات والتكتلات الحزبية التي بدأت تظهر في الساحة السياسيه الصومالية، وتتطلع إلى القيادة حسب مرجعياته الإيديولوجية، بدل التمحور في رأي شخص أو جماعة أو أفراد لا يستطيعون التفرد بوحدهم في تقييم وتقديم رؤية شاملة للوضع الصومالي في جوانبه المتشعبة والمعقدة في آن واحد .

سؤال مهم ومحوري ينبغي للإسلاميين الصوماليين الإجابة عليه بكل شفافية وتجرد ومن دون مواراة ، لأن الشعب الصومالي مازال يعول كثيرا على الحركات الدعوية بأن تأخذ زمام المبادرة وتخرج وتتعالى عن عقلية الحزبية ورعاية المصالح الضيقة التي أضرت بسمعتها وقلصت هيبتها بين الناس ،وتتبنى خطابا شموليا يستوعب الجميع ، يبني ولا يهدم ، يجمع ولا يفرق، يبشر ولا ينفر ، يتطاوع ولا يختلف. وبدل المصارحة وبيان مكمن الداء يلجأ القادة غالبا إلى جواب دبلوماسي وفضفاض لا يترتب على أثره شيئ يذكر .

وجود الحركات الإسلامية في الساحة الصومالية أمر واقع وملموس ، ولها قادتها ومؤسساتها ومراكزها، وأثرها في الشارع أمر مشاهد لا تخطئه العين مع إختلاف حجمها وحضورها ، وأما محاولة البعض من التقليل في شأنها أو إنكارها أمر بعيد عن العدل والإنصاف . ولا يعني بذلك الاعتراف بأنها تمثل الإسلامي النقي الكامل وأنها الجماعة المسلمة التي ينبغي لكل أحد أن ينضم إليها وغير ذلك من المبالغات التي يرددها كثير من أرباب الحركات بدون إكثراث لعقول الناس. السعي لتوحيد الحركات والتقريب فيما بينها أمر يتفق مع قواعد الدين وكلياته التي تدعو إلى توحيد الكلمة وتوثيقها والتعاون على البر والخير.

الاندماج بين حركتي الاعتصام والدم الجديد الصوماليتين :

فقد انتشرت أخبار تفيد بأن الحركتين عقدتا سلسلة من اللقاءات لمناقشة سبل الاندماج بينهما ، وإن لم يتوصلا إلى صيغة نهائية بعد ولكن اللجان المنبثقة عنهما تعمل على قدم وساق ، وتأكيدا لهذا الخبر نشر البعض صورا فوتوغرافية تجمع بين عدد من قيادة الجماعتين.

قلت : هذا أمر يدعو بالغبطة والسرور وينبغي لنا جميعا أن نرحب به ونشجعه، لأن الجلوس وحده وقبول الحوار مع المخالف وتبادل الأفكار والرؤى وفهمه عن قريب يُعد مكسبا كبيرا في حد ذاته، ويكون سببا في فتح آفاق أوسع وتفاهم أكثر بين الحركتيبن ، وقد يشكل مفتاحا للأبواب الموصدة التي علاها الصدأ وتراكم عليها الغبار منذ زمن طويل.

ولكن لم يأخذ هذا الخبر حقه من الابتهاج والاستبشار بل سرعان ما تم تكذيبه من قبل بعص المطلعين على مجريات الأمور من كل الطرفين ، وأن الأمر لا يعدو كونه من المجاملات والاستعراضات التي تحدث بين الفينة والأخرى ، وقال البعض من السابق لأوانه الحديث عن هذا التوجه، وأن الطريق طويل لا يمكن اقتصاره بلقاءات عابرة تندرج تحت الاستهلاك الإعلامي لا أكثر .

وأعتقد بأن ما يجمع بين التيار الإسلامي الصومالي أكثر مما يفرقه ، ولو توجه العمل بالتعاون على المتفق عليه، لكان كافيا لإذابة كثير من الشكوك والمطبات الموجودة بين الأخوة ، ولكن المؤسف يُقدم المختلف عليه حتي تفشل كل المبادرات المطروحة في كل وقت . ولكن ما زالت الآمال تحذو بنا بأن ما استعصى اليوم سيسهل غذا ، وما كان يبدو اليوم مستحيلا سيصبح غدا ممكنا، ولا يوجد شيء لا يمكن انجازه ما دامت القلوب مؤمنة بالتفاؤل .

والمتتبع لأخبار الحركتين يعرف بأنهما يمثلان منهج تيارين إسلاميين لهما وزن كبير في العالم ، ولم يتأسسا استجابة لرغبة وحاجة داخلية بل هما امتداد لحركات عالمية تسعى لتكثير أتباعها دون اعطاء أي اعتبار لخصوصيات الآخرين ومدى وملاءمة أيدلوجياتها في خارج حدودها ، وإن أرادا أن يكون القرار بتناولهما لابد من قطع العلاقة التنظيمية مع الرافد الأكبر ، ولا أعتقد بأن هذا ممكن اليوم .

الخلاف الموجود بين التيار الإسلامي الصومالي ليس خلافا في الأصول ولا في الفروع ،لأن هذا الخلاف له مرجعية معصومة لا جدال فيه والجميع لا يمانع الاحتكام إليه ( وهو الكتاب والسنة )، ولكن خلافهما خلاف فكري وتنظيمي ، وليس لهذا الخلاف مرجعية يمكن الإتفاق عليه أو الرجوع إليه ، ولأجل ذلك يصعب إيجاد حل فعال للرؤي المختلفة والنزاع الذي ينشب بين الحركات .

وهذا الخلاف التنظيمي والفكري يفسر بوجوه متعددة من أجل الحيلولة بأن لا يكون هناك تقارب وتفاهم بين الفرقاء ، فيقال بأن أساس الخلاف يتعلق بالفهم الصحيح للنصوص الشرعية ، وهو كلام يكذبه الواقع ،لأن الكل ينتمي إلى دائرة أهل السنة في الأصول والفروع ، ولكن الخلاف الحقيقي يدور حول التكوين الحركي والإداري ، وماهية الأولويات، والخطاب المقدم للمجتمع ، والعلاقة مع الآخر ، كما له علاقة وثيقة بمؤثرات خارجية يدخل غالبه في كينونة تفكير المجتمع الصومالي المستمد من طبيعة حياة البداوة المبنية على المغالبة وإثبات الذات، وتحقيق المصالح الشخصية ، والجدور القبلية ، والتعامل مع الدويلات الجديدة ، وغير ذلك من أمور كثيرة لا يمكن ذكرها في هذه العجالة .

وتعاني الحركتان من مشاكل كثيرة ،لا يمكن تعدادها في هذه العجالة، ونشير إلى أمر يتعلق بهيكلة الحركتين يجب إعادة النظر فيها قبل التفكير بالجلوس والتحاور مع الآخر :

حركة الاصلاح ( الدم الجديد ) كانت جزأ من الاصلاح القديم – ولا أدري من هما الأصل والفرع ، لأن عددا من مؤسسي الحركة ومراقبيها جزء من الدم الجديد ، كما يوجد أعداد مماثلة في القديم ولم تستطع أن تتصالح مع نفسها ، فكيف يمكن لها أن تندمج مع من يخالفها في أمور كثيرة ، فكان الواجب عليها أن تصلح بيتها أولا، ثم تسعى التصالح مع الآخر .

وأما جماعة الإعتصام تعاني من مشكلة التعايش من يوافقها في المنهج والأصول العامة والتوجه الكلي ، ولكنها تشك بأنه قد لا يشاطرها في رأيها المجرد أو قد يكون له رأي في بعض اجتهادات الحركة وتفسيرها لكثير من القضايا ذات الصلة بالشأن العام ، كما تناصب العداء لكل من لا ينتمي إليها عضويا ، ولا اخال بأنها ستستطيع أن تقبل إلا من تأكد لها بأنه لا يشكل لها صداعا مزمنا.

 وكل من يريد أن يتعاون مع الآخر ينبغي له: أولا أن يخطو بخطوات من أجل إظهار حسن النوايا حتى تثمر النيات ومنها : فكلا الحركتين لهما علماء ودعاة ومراكز ومساجد في الداخل والخارج ، يقام فيها أنشطة دعوية مختلفة ، وكل جماعة تقتصر بعلمائها ودعاتها فقط، ولا تدعو إلا من يشاطرها في الرأي ، فمساجد الإصلاح لا يحاضر فيها إلا من ينتمي إليها ، وأما مؤتمرات ومراكز جماعة الإعتصام لا يستقبل فيها إلا من تتقاطع مع القائمين عليها بمصالح خاصة .

فإذا كانت الجماعتان لا يستطيعان التسامح مع غيرهما ولا يستضيفان في مساجدهما ومراكزهما إلا من سجل اسمه في سجلاتهما ولو كان يحمل علما شرعيا ، مع الادعاء بأن القادة يسعون إلى التكامل ، فهذا التصرف يبدو غريبا ولا يساعد التقارب بينهما ويلقي ظلال الشك في كل ما يقال من تفاهمات .

وقد أصبحت الحركات الإسلامية الصومالية مظلة فضفاضة لا تخضع لقوانين ولوائح الحركات ، وكلُّ يتصرف بحسب أهوائه يقرب من يشاء، ويسيئ إلى من يشاء مع الإتكاء على اسم الحركة ، فهذا من المصائب التي حلت على الحركات وأساءت إليها كثيرا .

وأخيرا تبذل الحركات الإسلامية الصومالية جهودا مشكورة في مجال عملها المتنوع وتسد ثغرة كبيرة في حاجة الأمة ، والعمل للتقريب بينها أمر في غاية الأهمية، وعلى العقلاء أن لا يملوا من أجل التوفيق بين الحركات الإسلامية الصومالية مهما كانت التحديات والعراقيل لأن الأصل هو الائتلاف والاتفاق والتعاون .

والمغزى من تسطير هذه الكلمة هو من باب إبداء الرأي في أمر عام يشترك فيه الكل ولا يتعارض مع المنقول والمعقول ، وأراه صوابا يحتمل الخطأ ، فإن وفقت فالحمد راجع للعلي الكبير ، وإن كان غير ذلك فأسال المولى سبحانه الصواب والتوفيق .

عبدالباسط شيخ إبراهيم

 

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى