من السياسة ترك السياسة

السياسة مسألة شائكة تتشعب وديانها، وتتنوع مشاربها، وتختلف مبادئها، وتتأثر بالزمان والمكان، والمنهج والمشرب، والفكر والذوق، والذي قال: ” من السياسة ترك السياسة “- وإن شنعه بعض الأفاضل ،  له قراءته وفهمه، ومشربه؛ لأنه وجد في بيئته أن من خاض في غمار السياسة لا يجني منها إلا شرا، لأنها سياسة مبنية على الاستبداد، لا تنطلق عن قانون ولا نظام، ولا تراعي حقا شرعيا ولا عرفيا، الحاكم فوق الشريعة والنظام، رأيه هو القانون، مصلحته هي السياسة، منهجه ما أريكم إلا ما أرىفمن زاول معه السياسة والحالة هذه ذاب فيها كذوبان الملح في الماء، وفقد المصداقية والإخلاص، وتمندل به الحاكم، وصار لسان شر يشارك بالإثم والتمويه. لقد سمعت أذناي ورأت عيني فضيلة الدكتورعائض القرنيحفظه الله، وهو يقول بالحرف الواحدأستغفر الله، تبت عن السياسةفحول تويتراته إلى حصن المسلم، لا يذكر فيها إلا فضائل الأعمال متأسيا في ذلك بإخواننا التبليغ، وذلك له ما يبرره، لأنه رأي في بيئته الذين مارسوا حقهم السياسي إما أنهم في غياهب المعتقلات، وإما أنهم صاروا مركبا ذلولا للحاكم المستبد،  ولسان حالهم يقول:

إنيلهبعيرهالمذلل * إن أذعرت ركابه لم أذعر.


روى لي أخ كان وزيرا في حكومة سياد بريومازال الأخ على قيد الحياة قصة ،،علبة الكبريت،، فضحكت حتى استلقيتُ، وخلاصة القصة : أن الطاغية السابق جلس مع الوزراء وكانت في يده علبة كبريت، فأخرج سجارة فتظاهر كأنه يشعلها، ثم فتح علبة الكبريت فإذا أعواده تتناثر على الأرض، فتتسابق الوزراء لجمعها، وعينه عليهم، وهو يجسّ نبض حريتهم ، وينظر إليهم علّه يجد فيهم حرا يترفع عن هذا الاستعباد فيطرده عن المنصب .
وقد قال الثعلب الجائر في القسمة لما سأله الأسد المستبد من علمك الحكمة والعدل؟ قال : علمني رأس الذئب المفصول عن جسده.
واللاعب مع هذا الحاكم إما أن ينعزل ويقول: من السياسة ترك السياسة. وإما أن يصبر في السجن كصبر أصحاب الكهف. وإما أن يصفق للظالم الغشوم، ويبرر ظلمه، ويتكلف بتأويل فساده، وتسويق جوره.

       فمن يا ترى أشطر الثلاثة، وأتقى ربه؟ لا شك أنك تقول : الأول أحذق وأسيس، لأن السياسة ما هي إلا أن تقلل الخسائر وتزيد الربح، وأن تعرف من أين تؤكل الكتف.

      وقد حث الشارع في بعض الظروف أن يسكت الإنسان حيث لا يجدي الكلام، فمريم بنت عمران مثلا لاذت بالسكوت، ﻷنها وجدت أن الكلام لا يسعفها في هذا الموطن، وقد يكون خير مال المسلم غنم يتبعه في شعف الجبال، وذلك حين لا تأتي الخلطة ثمارها، ولا يستطيع المرء ممارسة حقه في السياسة وإبداء رأيه. وهذا نوع من السياسة ومرونة في الشريعة التي تلبي احتياجات كل بيئة وظروف.

وخاصة عندما يستطيع الإنسان أن ينجز مشروعا آخر بعيدا عن خلطة هذه الشلة الفاسدة.

منمشاكلناالعويصةكمسلمينأننالمنجدحلاناجعاعملياقضيةالحاكم، والقانون أو الشريعة، والشعب وعلاقته بالحاكمهذه القضايا الثلاث هي التي قصمت ظهورنا، وسببت لنا نزيفا داخليا، واستنزفت طاقاتنا، وأدخلتنا في دوامة، بسببها استهان بنا الأعداء وشمت بنا الحساد، وذهبت حضارتنا مع أدراج الرياح، مع أن الحلول جاهزة في شريعتنا، طافحة في نصوصنا، واغلة في تأريخنا، متأصلة في أرومتنا، إلا أننا عاجزون أن نعتبر شريعتنا وقانوننا عمليا فوق الحاكم والمحكوم، الرئيس والمرؤوس، الحاكم والمحكوم أمام القانون سواء، لا فضل لأحد على أحد إلا ما تعطيه الشريعة من الحقوق والواجبات، ويحدد له القانون الرباني الذي لا يتأثر بهوى مسئول، ولا مصلحة طبقة معينة، ولا أجندة فئة دينية وأيدلوجية، بل المسلمون على شروطهم، والحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.

            يوسف أحمد

الدكتور يوسف أحمد

الشيح يوسف أحمد ... طالب في دراسة الدكتوارة. تخرجت كلية الدراسات الاسلامية بمقدشو عام 1989. إمام وخطيب بمسجد في السويد.
زر الذهاب إلى الأعلى