جهود أهل الصومال في خدمة المذهب الشافعي 3

وقبل أن نواصل حديثنا حول جهود أهل العلماء والباحثين من أهل الصومال تجاه المذهب الشافعي ينبغي أن أشير – معتذراً -إلى ما حصل من الخطأ غير المقصود في الحلقة الثانية من هذه السلسلة  عند ما أسندنا  كتاب (المسائل الفقهية التي انفرد بها المذهب الشافعي في العبادات) إلى أحد الشيوخ من أهل الصومال وهو الشيخ علي بن مؤمن الفقيه الشافعي الذي كان له حلقات علمية في مجال الفقه بالإضافة إلى براعته في التأليف والكتابة وخاصة في مجال تخصصه الفقه، ولكن في الحقيقة أنّ الكتاب المشار إليه من تأليف فضيلة الشيخ الفاضل الأستاذ عيسى محمود عبد الله  من أهل منطقة جبلي Gabiley صاحب ثقافات متعددة بحيث درس كل من الصومال وجيبوتي  والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية السودان، وقبل ذلك تربى على الحلقات العلمية المباركة مثل حلقة الشيخ الزميل الفاضل عبد الله علي جيلي في جبيوتي وحلقة فضيلة الشيخ طاهر عيسى في مدينة جبلي بالصومال. وكتابه المذكور – أي كتاب المسائل الفقهية التي انفرد بها المذهب الشافعي في العبادات _ عبارة عن بحث علمي نال صاحبه بالدرجة العلمية من جامعة إفريقيا العالمية، علماً أنّ فضيلة الشيخ عيسى محمود عبد الله له كتاب آخر وهو كتاب ( أحكام البغات في الفقه الإسلامي) ومن خلال هذا الكتاب تحدث المؤلف الأحكام الشرعية التي تتعلق بالبغات والمعتدين في نظرة الفقه الإسلامي ،كما تحدث المؤلف عن قضية التعبير الأمور السياسية والشرعية ، والكتاب يقع في 80 صفحة.

وأما قولنا ” أهل الصومال ” فنعني ما تعنى الكلمة في الصومال الكبير بدون اعتبار القيود الحدودية التي اصتنعها الاستعمار، بحيث أننا نقصد بتلك الجماعة المتجانسة في قوالب كثيرة دون أن توجد فوارق من حيث الثقافة والعقيدة وجميع المرتكزات الحياة الاجتماعية، وانطلاقاً من ذلك فهناك بعض إنجازات علمية حققها أهلنا في جيبوتي في هذا المضمار عبر علمائها ومثقفيها، وهذه الإنجازات والجهود العلمية من الصعب حصرها غير أننا نشير إلى جهود العلامة الشيخ الزاهد المحبوب فضيلة الشيخ عبد الله علي جيلة بحيث كتب بمقدمة لطيفة سماه ( مقدمة في قواعد الفقهية ) وقد أراد المؤلف أن تكون مقدمته هذه مقدمة لكتاب الأقمار المضيئة للشيخ عبد الهادي ضياء الدين إبراهيم بن محمد القاسم الأهدل أحد فقهاء الشافعية، علماً أنّ لفضيلة الشيخ أعمال علمية مفيدة أخرى، غير أننا نذكر هنا فقط تلك الأعمال التي لها علاقة بالحديث وعلومه مثل كتابه ” تخريج الأحاديث الواضح في أصول الفقه لدكتور الأشقر”، بحيث خرّج فضيلته الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب تخريجاً علمياً مما يبرز براعة الشيخ وتفوقه في الفنّ.

ومن جهود أهل العلم في الصومال الكبير وخاصة في المنطقة الحدود الشمالية التي تقع تحت سيطرة دولة كينيا، تلك الجهود العلمية التي قدمها فضيلة الأستاذ الدكتور يونس عبدلي موسى يحيى آل الفقي المسّريّ، وهي كثيرة جداً ولكننا هنا نشير فقط إلى جهده العلمي ( الولاية في الزواج بين الشريعة والتقليد في إقليم شمال شرقي كينيا)، ورغم أنّ فضيلة الدكتور ناقش هذه ا لمسألة بمنظور فقهي وخاصة الفقه الشافعي إلا أنّه لم يهمل الجانب العرفي أو التقليدي كما يبدوا عنوان بحثه، لأنّ هذه المسألة لها علاقة بالعرف والعادات الأمة الصومالية التي تتمذهب بالمذهب الشافعي. وهذا الكتاب عبارة عن رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة للجامعة الإسلامية في أوغندا، كلية التراث الإسلامي، قسم الشريعة الإسلامية، 2001م.

وفي شمال الصومال كان فضيلة الشيخ علي حاج إبراهيم مرموقاً في مجال الكتابة والتأليف وله عدد من المؤلفات، غير أننا نشير هنا فقط تلك التي تخص بمجال الفقه مثل: الدرر اللوامع في مختلف المطالع، والرسالة تتناول في أمور جغرافية لها علاقة باختلاف المطالع عن بداية شهر رمضان، وعند نهايته ومراقبة الهلال في عيد الفطر المبارك، ومع ذلك فالرسالة لها علاقة قوية بالفقه بيحث يترتب من خلالها أموراً فقهية كثيرة. وله كتاب (درر العناية في دروس العبادة )، والرسالة تعني بنظم العبادة. ومن جهود الشيخ العلمية:

التوضيح في مسائل التشريع

منحة البديع في حكم مجلس التشريع

تحقيق التربية الجناية في حكم قتيل السيارة

الروضة البهية في الأسئلة والأجوبة الجلية

وهكذا أهل العلم في الصومال يؤلفون رسائل علمية وخاصة في مجال الفقه ليستفيد طلبة العلم كما فعل الشيخ علي سمنتر في رسالته ( غاية المرام في حل ألفاظ مقدمة المنهاج ) ويحاول الشيخ تفسير وتبسيط بعض الألفاظ الواردة في كتاب المنهاج في المذهب الشافعي المشهور في القطر الصومالي.

ومهما كان الأمر، فالحديث عن الخدمة العلمية للمذهب الشافعي التي تمت على أيدي أهل الصومال هنا وهناك، فلا شك وكما ذكرنا من قبل فإنّها ليست من السهل تجميعها في عدد مقالات مستعجلة غير عميقة ولكننا نشير بعض منها، ومن بين تلك الدراسات والإسهامات العلمية ما أنجز به فضيلة الدكتور محمد إيمان أدم المشهور بالشيخ الشاطبي مثل كتابه ( زيادات الإمام النووي واستدراكاته على الإمام الرافعي من بداية كتاب الصلاة إلى نهاية صلاة التطوع من خلال كتاب الروضة-جمعاً ودراسة مقانة)، وهو بحث علمي نال المؤلف من خلاله درجة الماحستير في الفقه عام 1426هـ في كلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

وإذا كان فضيلة الدكتور محمد إيمان أدم اختار مشروعه  العلمي حول زيادات الإمام النووي واستدراكاته على الإمام الرافعي، فإنّ فضيلة الأستاذ محمد معلم أحمد شرع في مشروع بحثه حول ( اختيارات الإمام النووي الفقهية في العبادات من خلالا كتابه ” المجموع” دراسة مقارنة ) ومن خلال هذا البحث القيم تناول المؤلف هذا الكتاب حول آراء واختيارات الإمام النووي في الفقه من خلال كتابه المجموع وقد اختصر في القسم العبادات بحيث تناول الطهارة والصلاة والصيام وقد استهل بها صلاة الليل التي كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقوم بها ثم تناول الزكاة والصوم والحج. وقد بدأ المؤلف كتابه الحديث عن الإمام النووي نسبه وولادته وحياته العلمية ثم قدم دراسة قوية حول كتاب المجموع. ومما يرفع قيمة هذا الكتاب بأنّ أصل الكتاب كان عبارة عن دراسة عملية نال المؤلف من خلالها درجة الماجستير في الفقه المقارن من قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون التابع بجامعة أم الدرمان الإسلامية بالسودان. وقد طبع الكتاب بمطابع دار العلم بمصر في طبعته الأولى عام 1434ه الموافق 2013م.

وأما فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الشكور ساهم في خدمة المذهب الشافعي عبر رسالته الفقهية (أحكام ملخصة تتعلق بطهارة المرأة ولباسها في الصلاة ) كما تناول في الرسالة حدود المرأة المسلمة لإظهار زينتها، فهذه الرسالة صغيرة لطيفة تخص بالنساء المسلمات اللاتي ليس عندهن معرفة كاملة الأحكام دينهن لاسيما ما يخص بشئونهن مثل أحكام الحيض والاستحاضة ، والنفاس وغير ذلك من الأحكام ، ورغم صغر حجم الرسالة إلا أنها تحمل في طياتها أحكاماً جمّاً لا ستغنى عنهااللفتيات المؤمنات ، وقد قام المؤلف بشرح بعض ألفاظ الغريبة من الأحاديث ، مع تعليق مناسب إذا اقتضت الضرورة ، وكان ينبغي للمؤلف أن يستخدم بأبسط ألفاظ وأسهل الأساليب ليسهل لهم المراد. والرسالة تقع في 94 صفحة، وطبع في طبعتها الثانية سنة 1424هـ/2003م.

كما قام فضيلة الشيخ عثمان الشيخ عمر بن الشيخ داود (حدج) رسالتين في مجال الفقه وهما (التبيين في أدلة التلقين ) ورسالة (قص الشارب) وكلا الرسالتين تدوران حول الفقه الشافعي. وعلى العموم فهذه سمة أهل العلم في الصومال قديما وحديثا بحيث كانوا يعطون جل اهتمامهم في خدمة المذهب الشافعي في قوالب مختلفة ، وليس من الغرابة أن يخدم أصحاب الفكر والابداع من أهل الصومال لمذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي التوفى سنة 204ه، بل ومن الوفاء قيام ذلك وتقديم دراسات وبحوث تخدم لهذا التراث القيم الذي انتفع به سكان منطقة شرق إفريقيا قاطبة من خلال تعلقهم بالفقه الإمام الشافعي منذ أن وصل المذهب إلى المنطقة حتى عمّ على جميع أرجاء الساحل الإفريقي الشرقي بقدوم المهاجرين المسلمين السنيين الذين وفدوا من مناطق مختلفة في العالم الإسلامي كاليمن والحجاز والشام والعراق وغير ذلك. وخدمة المدهب تعني نشره وتطويره من خلال الحلقات العلمية والمراكز الثقافية، وكذا من تأليف ودراسة وتحقيق لمجميع المصادر والكتب التي تخص بالمدهب بدءاً بإنتاج الإمام الشافعي ونظرياته الفقهية، ثم الإنتاج العلمي الذي أبدعه العلماء الشوافع عبر القرون الإسلامية حتى يومنا هذا. وهناك كم هائل من الباحثين والعلماء من أهل الصومال تطرقوا هذا الباب خدمة لهذه المدرسة الفقهية في أكثر من وجه وحيثية، ومن الصعب حصر كل الجهود المبدولة عبر التاريخ في بحث واحد حتى ولو كان هذا البحث مستقلاً ومستفيضاً فضلاً عن هذه العجالة التي نحن بسددها في ملتقى أهل العلم والفضل من أحبابنا الكرام الذين لهم دراية في الفقه وأصوله، رغم أنّ بضاعتي مزجاة في هذا الباب، ولكن من باب فضول حاولنا تأريخ خدمة هذا التراث الثمين من خلال تتبع أقلام كُتابنا الصوماليين حسب المستطاع، علماً أنّ ذلك مجرد نماذج ليس إلا.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى