بوصاصو مدينة العِلم والقِيم والإقتصاد

زرتُ مدينة بوصاصو عاصمة محافظة بري،ومن أكبر مدن الصومال، وأكبر إقليم على الإطلاق، ومن عادة السّفر التّعرف والتّأمل والإكتشاف وأخد الفائدة والعبرة والخبرات المختلفة وتباذل الآراء.

وقال الإمام الشافعي وهو يتكلم عن فوائد السَفر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا  ** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد 
تـفـرج هـم واكـتـسـاب مـعـيشـة  **  وعـلـــم وآداب وصــحـبـــة مـاجـــد
ويقول ايضا وهو يتكلم عن حكمة السّفر
سافِر تجـد عوضـاً عمـن تفارقـه *** وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده *** إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة ً *** لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي أماكنـه *** والعود في أرضه نوع من الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز مطلـبـه *** وإن تغـرب ذلـك عـز
والسّفر له أهمية كبيرة من جانب النّفسي لأنه يمنح الإنسان بالمتعة والإىثار والعظة، ومن جانب العلمي فتكتسب العلم النافع، ومن جانب الثقافيّ والحضاريّ والإجتماعيّ فتعرف عادات النّاس وأعرافهم وأخلاقهم.

والسّفر يزيد خبرة الإنسان ويكتسب من خلاله صداقات متينة من البلد المسافر إلىها، ولا أريد ان أطيل عن الكلام في السّفر ولو تشجمنا عن حديثه لطال الكلام.


بوصاصو مدينة طيبة متراميّة الأطراف تتمتّع نهضة عمرانية متسارعة ممتميزة ونهضة إقتصادية لا نظير لها من بين مدن الصّومال.
والمجتمع البوصاصيّ هو مجتمع يجنح إلى الشّريعة وإلى تمسك بالأخلاق والقِيم الإسلاميّة، وهذا الأمر ناجم عن التّربية الحسنة التي ينشأ فيها أبناء هذا البلد، فأوّل شيئ يتربّون فيه هو تحفيظ القرآن الكريم وإلحاق المعاهد الشّرعية ومشاركة النّدوات والدّورات العلمية فيتعلمون من خلال هذه المراكز بالفضائل وترك الردائل.

وعندما كنت ترتاد في الأسواق يعجبك الزيُّ الإسلاميّ الذي يظهر جميع شرائح المجتمع من حجاب للنّساء وإعفاء اللّحى ولبس القميص للرّجال.
ومما يدل سُمو أخلاق أهل بوصاصو جئت في يوم محطة الباص فحاولت أن أركب الباص من باب الجانب المصنوع من قبل شركة صناعيّة، وعندما دخلت رِجل الأوّل في الباص قال لي: الكمساري (الذي يساعد سائق السّيارة) لا تدخل من هنا هو خاص للنّساء أما الرّجال يدخلون من باب الخلف، فرجعت وركبت الباص من الخلف، فإذا في داخل الباص فيه نوع من الحاجز بين الرّجال والنّساء فالنّساء لهم كراس خاصة والرّجال كذلك، ولا يجلس الرجل جانب المرأة أبداً، كما هو معروف أكثر مدن الصومال، وسألت كمساري لماذا لم يجلس الرّجال بجانب النّساء؟ 
فأجاب لي: ألسنا مسلمين؟ 

يعني ينكر هذا الفعل ويرى أنّه لا يجوز في ديننا الحنيف.
فهذا يدل بحسن التّريبة وسمو الأخلاق، فإذا كان حال وأخلاق كمساري فتخيّل كيف يكون أخلاق طالب العلم والتّاجر وغيرهما من أصحاب المِهن الرّفيعة.
ومما لفت انتباهي:
الرجال الذين يأكلون القات قليلون في المدينة على حد لا تشبهه أىّ مدينة أخري، وعندما تسير في الأسواق لا تشاهد محطات قات بمساحات طويلة تبلغ كيلومترات، وذكر لي بعض الأصحاب أن أهل القات لهم أماكن خاصة من جوانب المدينة.
وكذلك بوصاصو مدينة علم يوجد فيها أكبر مراكز العلمية في شرق الصّومال، وزرت في أثتاء زياتي عدد من المراكز العلميّة العريقة فزرت جامعة شرق إفريقيا – المركز الريسي – ، ومعهد ابن الحجر العسقلاني، ومعهد القلم، ومدرسة الإمام الشّافعي الثانوية، ورأيت آلاف من الطّلاب الذين تقرأ على جوههم بحب العلم وأهله، وقابلت بعضهم وألقيت لهم الكلمات، فأبقى الله وجوهًا تَتَجدد الأمل برؤيتهم.
وتشتهر بوصاصو أيضا أنّها أكبر مدينة إقتصاديّة في ولاية بونت لاند، ومنذ بداية الحروب الأهلية هاجر كثير من الصّوماليين إليها فأصبحت مدينة مكثّفة من جانب السّكان، وهذا مما يساعد نمو إقتصادها، إضافة بأن فيها الميناء الكبير، والسّاحل الطّويل، والمطار العالميّ، وكذلك المقر الرّئيسي لشركة جولس للإتصالات، أكبر مشغل للإتصالات السلكية واللاسلكية في مناطق بونت لاند.

وبالخلاصة: هي عاصمة تتطور من كل جانب بسرعة وتنمو بشكل كبير، أدام الله لأهلها الأمن والسّلام والنعمة وجميع المسلمين.

عبدالرحمن أحمد سوفى

باحث وكاتب في علوم الشريعة - هرغيسا
زر الذهاب إلى الأعلى