نظام الأحزاب السياسية: خطوة نحو الدولة المدنية

بدأت ملامح الانتقال من نظام المحاصصة القبلية 4.5 إلى نظام الأحزاب السياسية ,  والانتقال من 4.5إلى نظام الأحزاب, أمر مجمع عليه تقريبا ومسألة تنفيذه مسألة وقت لا أقل ولا أكثر.

إصدار قانون الأحزاب بات وشيكاً, فقد فرغت اللجنة المكلفة بإعداده من صياغته وسيتم طرحه أمام البرلمان قريبا للنظر في إجازته.

جاء إنجاز مسودة القانون بضغط من الأحزاب السياسية القائمة التي لم تسجل بعد بصفة رسمية والموضوعة في انتظار إصدار قانون الأحزاب الذي يحدد عدد الأحزاب والشروط التي يجب أن يستوفيها الحزب لتسجيله، وسبل ممارسة الحزب مهامّه السياسية. فقد ذكر السيد أحمد معلم فقهي أمين عام حزب دلجر, ورئيس جهاز الاستخبارات الأسبق في تصريح خاص لمركز مقديشو أن هذه الخطوة أتت بجهود الأحزاب السياسية التي كانت تتابع أمر القانون باستمرار. وكان من المقرر أن يصدر هذا القانون في السنة الأولى من فترة هذه الحكومة , لكنّ عدم اهتمام حكومتي رئيسي الوزراء السابقين شردون وعبد الولي بتقديم اقتراح قانون الأحزاب إلى البرلمان أدّى إلى تأخره، حيث اضطر البرلمان إلى التدخل. واستنادا للصلاحية التي يخولها الدستور للبرلمان تم تعيين لجنة برئاسة السيد عبد الرزاق جو ريلي النائب في البرلمان في أواخر فترة رئيس الوزراء السابق عبد الولي للقيام بمهمة تجهيز هذا القانون,

وبعد ان انتهت  اللجنة من عملها المنوط بها أعادته إلى البرلمان. وحسب المنصوص عليه في الدستور يمر القانون الصادر بثلاثة قراءات.

بعد اكتمال القراءة الأولى, طلب رئيس الحكومة عمر شرماركي من مجلس النواب إعادة ملف قانون الأحزاب  إلي الحكومة مؤكّداً أن حكومته عازمة على العمل في اكتمال هذا القانون, وقد وافق البرلمان على هذا الطلب وتم تحوله من المؤسسة التشريعية إلى  المؤسسة التنفيذية  .

بعد صدور الإعلان من مكتب رئيس الوزراء شرما كي في الثامن والعشرين من أغسطس من العام الماضي 2015 بعدم قدرة حكومته على إيصال البلاد إلى انتخابات شعبية في ظلّ الأوضاع السياسية الراهنة, اجتمعت الأحزاب السياسية واتخذت قرارها تجاه هذا الإعلان بتفعيل الضغوطات الموجهة إلى الحكومة في شأن إصدار قانون الأحزاب.

التقت الأحزاب السياسية رئيس الوزراء ووزير الداخلية بهذا الشأن ثلاث مرات اتهمت بعدها الأحزاب الحكومة بعدم الجدية ورفعت دعوى قضائية ضدّ رئيس الوزراء ووزير الداخلية إلى المحكمة العليا بتهمة أنهما الحائلان دون تقديم هذا المقترح إلى البرلمان, وفي الوقت ذاته قامت هذه الأحزاب بتجييش أعضاء البرلمان ضد الحكومة في هذا الشأن إلى أن التقي جواري برئيس الحكومة شرما ركي, ومنحه مهلة محددة لتقديم مقترح قانون  الأحزاب إلى البرلمان. وذكر له أنه مالم يتم تقديم المقترح في المهلة المحددة فسوف يضطرّ مجلس النواب إلى أن يحسم الموضوع بطريقته.

بعد هذه الضغوط من هذه الجهات المتعددة اضطرت الحكومة إلى إعلانها عن جاهزية مقترح قانون الأحزاب.

هذا الصراع المرير بين الأحزاب السياسية و الحكومة في شأن قانون الأحزاب يوحي بمدى التطلع الشديد لدى الأحزاب واهتما مهم البالغ في الانتقال إلي نظام الأحزاب 

نظام الأحزاب من وجهة نظر ديمقراطية لا شك انه أفضل بكثير من النظام الحالي إن لم يصاحبه سوء استخدام, وانتهاجه في الدول يعدّ علامة فارقة بين الديمقراطية وعدمها, والدولة الصومالية تسعي إلى تحقيق الديمقراطية وبالتالي يجب عليها قريبا او بعيدا الانتقال إلى نظام الاحزاب السياسية. لكن مجرد الانتقال وبدون بناء الوعي السياسي للمجتمع يثير المخاوف من أنه تكرار لتجارب فشلت سابقا.

فالانتقال من نظام سياسي إلى نظام سياسي آخر ليس يسيرا، بل له تبعاته  الكثيرة. وقد اكتوينا في هذه االبلاد بنار التحول من النظام المركزي إلى النظام الفيدرالي, ولا نزال نعيش تبعات هذا التحول.

التاريخ يعيد نفسه

ليست هذه أول مرة يجرب فيها نظام الأحزاب في الصومال, ففي نهاية ستينات القرن الماضي كانت الانتخابات آنذاك على أساس نظام الأحزاب, لكن هذه التجربة باءت بالفشل لعدم نضوج الوعي السياسي لدى الصوماليين, فظهر ما يقارب ثمانين حزبا لا يتوفر معظمها على المقومات الأساسية للحزب السياسي, وفي النهاية أدى التصارع بينها إلى شلّ العملية السياسية برمّتها وإتاحة الفرصة للمؤسسة العسكرية للاستيلاء على الحكم في انقلاب عسكري, واليوم وبعد مرور ما يقارب نصف القرن يبدوا لنا من ملاحظة الواقع السياسي أن السيناريو السابق يتكرر , فالأحزاب السياسية التي تأسست إلى الآن قبل صدور قانون الأحزاب يقارب عددها العشرين, ولا يزال مرشّحاً للازدياد, وبالتالي لا يكون الأمر مغايرا لما كان عليه الوضع قبل نصف قرن من الآن, لذا ومن أجل تجنب تكرار هذا النموذج ينبغي أن يتصف القانون الجديد بالصرامة وقطع الجدل فيما يتعلق بتوضيح معالم وسبل نشاط الأحزاب وعددها وحجمها كما ونوعيتها كيفا.

زر الذهاب إلى الأعلى