السلطان يوسف علي ومنطقة مجريتنيا … الحلم الذي كاد أن يتحقق (1-10)

سلسة مقالات عن السلطان المجيرتيني يوسف علي

جزيرة جيناموفييرا (cinnamofiera) أو ازانيا، جزيرة عرفها البحارة الفينيقيون واليونانيون،  وعرفها المصريون القدماء بـ” أرض البنت “، وعرب القحطان  بالخليج البربري، وتقع في مجمع البحرين؛ بحر القلزم والبحر العظيم، ووجهة البحارة المغامرين الجريئين المشهورين عند الحضارات القديمة، المذكورة في سجلات الطوافين على بحر إريتريا، وملتقى أساطيل السفن التجارية الشرقية والغربية التي لا تزال آثارها باقية، وشاهدة على منطقة كانت زاخرة  بالتنوع البيولوجي ، حيث تنمو في هضبتها الصخراوية  شجيرات اللبان أو البيدا، بخور المعابد  الفرعونية ، وقصور ملوك الفينيقيين واليونانيين، تجود بأهلها من دون عنت ولا مشقة، تُصدر خراجها  إلى الشرق والغرب حيث معابد الآلهة لأمم القديمة.

جبل حافون جبل الفيل ذو الرؤوس السبعة رُعب البحارة، وكابوس السفن كأنه لسان كالطود العظيم شامخا تتلاطم أمواج المحيط على صخوره بلا هوادة تارة بلطف، وتارة بعنف، تسوقه الرياح الموسمية العاتية شمالا أو جنوبا، معلنة بذهاب موسم وقدوم آخر، وحافوني قائما مرشدا ينتظر قدوم ضيف أو وداع آخر. وكان أهل المراكب من العمانيين يسافرون عبر هذا الخليج البربري ، ويعرفونه ببحر بربرا، و عند هيجان الأمواج يرتجزون ويقولون:

بربري وحافوني         وموجك المجنون

حافوني وبربري.        وموجها كما ترى

 تلك أرض العجم،  بلاد البربر، مستعمرة آل أسعد ملكي كرب تبع الحميري ملك حمير، وموطن حصان أمرؤ القيس الأصيل.. خيل بربرا، وبلاد الفرسان الشجعان  جيوش ملك اكسيم غزاة اليمن ، كما وصفها عرب القدماء شعرا ونثرا . 

قال عدي عدي بن زيد العبادي التميمي:

ومنا بأرض الغرب تعلّقوا             إلى بربرا حتى أتوا أرض بربرا.

وقال علقمة ذي جدن الحميري:

ولميس كانت ذؤابة ناعط      يجبى إليها الخرج ساكن بربرا.

وقال  امرؤ القيس:

 على كل مقصوص الذنابي معاودة          بريد السرى بالليل من خيل بربرا

وقال أيضا:

وبعد ابي في حصن كندة سيدا          يسود جموعا من جيوش وبربرا .

وقال عدي بن زيد التميمي:

يوم يقولون يا آل بربرا وآل يكسم  لا يفلحن هاربها.

 هذه بلاد قبائل دارود ودِر وهوية النبيلة أبناء سمالي سلالة بنو عدنان وقحطان، وموطن الكوشيتين، حيث امتزج فيها الدم العربي بدم الغالا، وانصهرت القبائل العربية بقبائل غير العربية، مما أدى إلى ظهور جيل جديد سمي  بالصومال كما زعموا، وهي بلاد سلاطين آل واليسمع أصحاب مماليك السبعة، وبر سعد الدين صاحب الصولات والجولات ومركز سلطنة عدل،  وبلد الإمام أحمد غري،  موحد الإمارات الإسلامية قاهر ملوك اكسيوم في شرق أفريقيا، ومرعب نصارى الحبشة، وأرض  ملاحم قبائل الصومال وبطولاتهم  أهل العناد والتمرد.

بعد وفاة الإمام أحمد جري، انسلت نصارى الحبشة من كل حدب وصوب تقتل وتأسر، وتشتت القبائل  الصومالية، وتفرق شملهم، وسارت في كل مسلك هاربة من بطش الحبشة،   البعض منها توجه  نحو الجنوب، وقاتل ضد الغالا، واستولى على أراضيها واستحوذ على الآبار ومنابع الماء،  والكلأ والرعي، والبعض الأخر توجه نحو البحر ، واستوطن في الساحل وعمرها ، وشيد القرى والمدن واستقر فيها،  ثم ركب لجج البحر ما بين تاجر ، وصائد سرطان البحر ، والصدف، ومستخرج حللها، حتى وصلت مراكبه الجزيرة العربية ، والهند،  وزنجبار،  محملة بالبخور والعنبر والحيوانات، وبقي عليه الحال على ما هو عليه إلى أن جاء غزاة الغرب (البرتغاليين)من البحر  في القرن الخامس عشر الميلادي، واستولوا البلاد، وقتلوا العباد، ودخلت أرض بنت”بلاد البرابرة” في عزلة وخراب. وبعد رحيل البرتقيس على أيدي العمانيين ، خرجت بلاد البرابرة من عزلتها، وتنفست الصعداء، وركب أهلها البحر من جديد يمارسون مهنتهم.  ثم جاءت بريطانيا تتبعها فرنسا ، وإيطاليا، وتحول إسم بلاد البربر إلى بلاد الصومال، وجرى تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء: الصومال الفرنسي،  الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي،  وجزء رابع تابع للحبشة.

وفي هذه الدراسة نسلط الضوء على منطقة مجيرتينيا في القرن 19 الميلادي والدور السياسي المحوري والإستثنائي الذي لعبه السلطان يوسف علي في تشكيل ملامح الصومال الحديث، وسنقدم خلال الأيام المقبلة بقية المقالات تباعا إن شاء الله .

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى