إنجازات الحكومة الصومالية في ميزان الحقيقة

 بعد مرور سنة علي تولي الرئيس حسن شيخ محمود مقاليد الحكم، الكل يتحدث عن إنجازات الحكومة الصومالية في الفترة الماضية. ذكر الرئيس حسن شيخ محمود في الخطبة التي القاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا أن من إنجازات حكومته، ارسال مليون طفل الي المدارس. ورئيس الوزراء عبدي شردون تحدث أيضا عن إنجازات حكومته ولخصلها في نقاط منها: إعتراف الحكومة الأمريكية بالحكومة الصومالية كممثل وحيد للصوماليين، وعدم نشوء خلافات بين القيادة العليا للبلد في الفترة السنة الماضية، بالإضافة الي كتابة القوانين التي تنظم أعمال مؤسسات الحكومة.

وكذلك الأقلام المؤيدة للحكومة أخذت نصيبها لإبراز إنجازات الحكومة واضافت الي تلك التي أشرتها، نجاح الحكومة في إصلاح أجهزتها المالية، وصرف رواتب الموظفين. ولكن من وجهة نظري الشخصية، أري أن جميع تلك التي ذكرتها ليست إنجازات؛ لأنها لم تتحقق- ولو بقدر يسير- الهدف الرئيسي الذي أنشأ من أجله الحكومة الصومالية ومؤسساتها، وهو تحسين الظروف الأمنية والمعيشية للمواطنين الصوماليين.

في الأسطر التالية، سأحاول تسليط الضوء علي ثلاثة من الإنجازات التي تروجها الحكومة ومؤيدوها، لأميط اللثام عن حقيقة ما إذا هي إنجازات أم لا، وهي: اعتراف الحكومة الأمريكية، كتابة قوانين مؤسسات الحكومة، وعدم نشوء الخلافات بين قيادات الحكومة الصومالية.

كتابة القوانين وإعادة بناء المؤسسات الحكومية

 الحكومة الصومالية، هي عبارة عن مؤسسات عدة تم إنشائها لتحقيق أهداف معينة تحدث تغييرا ايجابيا في حياة المواطنين الصوماليين، ووزارات الحكومة هي الجهة القانوننة المسؤولة عن التنظيم والإشراف علي جميع أنشطة المؤسسات الخدمية التابعة للحكومة الصومالية. إذن، من اجل انجاز أهداف مؤسسات الحكومة لابد وأن يقوم أي وزير من وزراء الحكومة بناء وزارته من الداخل قبل الشروع في القيام بأي عمل آخر.

  فمهمة بناء الوزارة تبدأ بتجنيد شخصيات ذات كفاءة وإخلاص تتولي المناصب المختلفة فيها وتوزيعها بصورة تمكنهم من تنفيذ مهامهم بالوجه المطلوب. وكتابة القوانين واللوائح التي تنظم أعمال الوزارة أو تفعيلها إن كانت موجودة هي المهمة الثاثنة بعد التجنيد خاصة عندما نتحدث عن بلد مثل الصومال الذي كان يترنح تحت وطأة الفوضي في العقدين الماضيين.

حتي إذا اتفقنا أن الحكومة الصومالية نجحت في بناء الهياكل الإدارية للوزارات وكتابة القواننن التي تنظمها فإنها لا تعتبر إنجازا من وجهة نظري المتواضعة للأسباب التالية:

أولا: القوانين والنظم الإدارية الموجودة في وزارات الحكومة الصومالية هي قوانين ونظم مجمدة وغير فعالة تم نسيانها في غياهب دواليب مكاتب مسؤولي الوزارات ولا أحد يلتزم بها وبالتالي لا تلعب أي دور في تحسين أداء مؤسسات الحكومة. فالنظام السائد في المؤسسات الحكومية هو نظام (من فضلك-fadlan)- كما جاء في تقرير لجنة مراقبة عقوبات السلاح المفروضة علي الصومال وإريتريا- وهو تنفيد الأعمال عن طريق العلاقة والمعرفة الشخصية بدلا من القنوات الإدارية الرسمية.

ثانيا: كتابة القوانين وبناء الهياكل الإدارية للوزارات، لا تعتير انجازا؛ لأنها ليست الأهداف التي من أجلها أسست الوزارة، بل هي وسائل الإنتاج التي تستخدمها الوزارة كمدخلات لإنتاج الخدمة التي يحتاجها المواطن الصومالي.

هنا مربط الفرس، رئيس الوزراء الصومالي عبدي شردون يريد أن يقنعنا أن حكومته حققت إنجازات لأنها تمكنت من كتابة القوانين التي تنظم أعمال وزارات الحكومة. أقول: مهلا يا سعادة رئيس الوزراء تلك الأعمال ليست انجازات؛ لأ نها هي أحد أبسط الشروط المطلوبة توفرها لدى كل من يتولي مسؤولية قيادية في أي مؤسسة في العالم. الفشل في القيام بهذه المهمة يعني، أنك أو وزراء حكومتك لا يستحقون البقاء في مناصبهم ولو بلحظة واحدة.

عدم حدوث خلافات بين ثلاثي الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان

تعدد آراء المسؤولين في أي مؤسسة حول كيفية انجاز أعمالهم هي ظاهرة صحية؛ لأنها تتيح للجميع الفرصة المواتية للمساهمة في بلورة القضايا موضع النقاش بغرض الوصول الي أحسن النتائج، بشرط أن لا يتطور هذا الإختلاف في الرؤي الي خلافات شخصية تعيق عمل المؤسسة، وأن التزام المسؤولين في الحكومة الصومالية بما فيهم القيادة العليا بالقوانين واللوائح وإعلاء المصلحة العليا للوطن علي المصالح الشخصية هي الكفيلة دون تحول الإختلاف في الرؤي الي خلافات شخصية تعرقل عمل الحكومة. ولكن في الحكومة الصومالية الحالية نري أن القيادة العليا جعلت عدم نشوء الخلافات بينهم هدفا رئيسيا، وهو ما أدي الي تنازل رئيس الوزراء معظم صلاحياته لصالح الرئيس واختفاء مساهمته في صنع القررات المهمة للحكومة.

ومما يدل علي أن بعض المسؤولين في الحكومة الصومالية تنازلوا عن صلاحياتهم، أن البرلمان الصومالي ارسل قبل فترة الي مكتب الرئيس مشروع قانون حول تشكيل الإدارات الإقليميةوالذي أعدته الوزارة الدخلية- بعد تصديقه، مازال هذا المشروع في مكتب الرئيس في فترة تتجاوز ثلاثة أشهر دون أن يقوم الرئيس بتصديقه أوإعادته الي البرلمان.

 هذا التصرف من الرئاسة يتعارض مع القوانين، لكن يبدو أن رئيس البرلمان نبا عن اجبار الرئيس على إحترام القواننن، وقرر التريث وعدم المواجهة، ربما خوفا من نشوب الخلاف بينهما. هذه الواقعة تدل علي أن عدم حدوث الخلافات بين القيادة العليا للدولة، جاء علي حساب المصلحة العليا للوطن ولم يات في ظل جو تسوده المناقشة والإحتكاك والإختلاف في الرؤي بغية الوصول الي احسن القرارات التي تخدم مصالح المواطنين.

إعتراف دول العالم بالحكومة الصومالية

 عملية إعادة الأمل”  كانت أولي محاولة من المجتمع الدولي خاصة أمريكا للتدخل لإنهاء الخلافات بين الفرقاء الصوماليين بعد سقوط حكومة سياد بري. لم تكلل هذه التجربة بالنجاح وانسحبت القوات الأجنبية من الصومال في 1995م، إثر مواجهات دامية بينها وبين مؤيدي محمد فارح عيديد. بعد هذا الانسحاب لم تعترف الولايات المتحدة كل الحكومات التي تشكلت في الصومال و مع ذلك كانت تتعامل معهم بتحفظ مثل حكومات عبدي قاسم وعبدالله يوسف وشريف شيخ أحمد. السبب الأول وراء عدم اعتراف الولايات المتحدة بالحكومات الصومالية السابقة هو أنها لم تكن حكومات توافقية تحظي بإجماع معظم الزعماء الصومالين في الساحة السياسية الصومالية وقبائل صومالية ذات ثقل كبير.

 كان السبب الثاني، أن تلك الحكومات كانت حكومات إنتقالية منقوصة الصلاحيات فضلا عن قلق الحكومة الأمريكية وقوع المساعدات التي تعطيها لتلك الحكومات الي أيادي خاطئة قد تستخدمها لتهديد مصالحها. ولكن جاء اعتراف الحكومة الأمريكية بالحكومة الصومالية الحالية في وقت انتهي دور زعماء الحرب واتفقت جميع القيادات المؤثرة في الساحة الصومالية علي خارطة طريق تمخضت عنها الحكومة التي يترأسها حسن شيخ محمود. جاء الإعتراف أيضا في وقت اثبتت قوات حفظ السلام الإفريقية “أميصوم” قدرتها علي التعامل مع ميليشات الشباب وقامت بطردهم من المدن الرئيسية في جنوب الصومال.

 السؤال المهم هو: ماذا عملت الحكومة الصومالية بقيادة حسن شيخ محمود لكي تنتزع الإعتراف من الحكومة الإمريكية؟.  الجواب هو:لا يوجد أي عمل ذات معني سياسي قدمتها الحكومة الصومالية الحالية للصوماليين والعالم للإعتراف بها. فالحكومة الأمريكية كانت مستعدة للإعتراف بأي حكومة ستتشكل بعد تنفيذ خارطة الطريق بسبب كونها حكومة غير انتقالية، واصبحت حكومة حسن شيخ محمود الحكومة التي افرزتها خارطة الطريق. أعني هنا أن الأعتراف الأمريكي ليس له علاقة بأداء الحكومة الصومالية ولو علي الصعيد الدبلوماسي- لأنه جاء في شهر يناير الماضي في وقت كان عمر الحكومة أقل من أربعة اشهر فقط.

محمد إبراهيم عبدي

كاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى