مستقبل العلاقات بين جيبوتي وصوماللاند في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية

على ضوء التدهور الجديد في العلاقات الثنائية بين جيبوتي وصوماللاند المستمر منذ مطلع مايو الماضي، والذي أفرزجملة من الـإشكاليات الملحة حول طبيعة العلاقات الثنائية ومستقبلها وذلك في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية الراهنة.

ومع أن الأمر لم يفاجئ المتابعين لـمسار العلاقات الثنائية إلا أن هذا التطور بات يشغل الرأي العام في كلا البلدين.

حيث سكب حبر كثير خلال الأيام الماضية، حول الأزمة الدبلوماسية وتداعياتها المستقبلية. إلا أن القاسم المشترك في معظم المحاولات (الإعلامية) كان تركيزها على الأعراض دون تشخيص طبيعة الأزمة وأسبابها الحقيقية بشكل علمي وموضوعي.

وإنطلاقا من فرضية أن العلاقات الثنائية بين دول الجوار لم تعد مرتكزة على المصالح المشتركة فقط، بل على التفاعل مع صراع السلطة من جهة ومع الاستراتيجيات الدولية والإقليمية من جهة أخرى.

فإننا نحاول من خلال هذه الورقة فهم طبيعة العلاقات والأسس التي قامت عليها منذ نشأتها إضافة إلى العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها لـتحديد مسار تلك العلاقات ومستقبلها خلال المرحلة القادمة.

حيث نناقش عددًا من المحاور الأساسية من أهمها:

  • الأبعاد الجيوسياسية لـلمنطقة:
  • طبيعة العلاقات الثنائية وجذورها التاريخية:
  • المتغيرات المحلية والإقليمية الراهنة:
  • رؤية تحليلية لمستقبل العلاقات:
  • أولاً ـ الأبعاد الجيوساسية لـمنطقة القرن الإفريقي:

يقع القرن الإفريقي في المنطقة الشمالية الشرقية من قارة إفريقيا ويحده المحيط الهندي جنوبا والبحر الأحمر شمالا.

وبالرغم من تعدد التعريفات واختلاف العلماء حول مفهوم منطقة القرن الإفريقي وحدودها الجغرافية والسياسية إلا أن هذه الاختلافات انتهت إلى نتيجة واحدة لا خلاف حولها وهي أهمية القرن الإفريقي[1].

ولـلمنطقة أهمية استراتيجية متزايدة تتخطى الأبعاد المحلّية والإقليمية إلى البعد الدولي، وتكتسب تلك الأهمية نظراً للخصائص الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية إضافة إلى موقعها الجيواستراتيجي الفريدالمطل على مضيق باب المندب الممر الملاحي الذي يعبر منه أكثر من 45% من التجارة الدولية، إلى جانب قربها من مصادر الطاقة في الخليج[2].

  • ثانيا ـ التداخل السكاني وعلاقات الجوار:

التداخل السكاني يعني وجود عنصر واحد من السكان بين دولتين مجاورتين، وهذا العنصر يمكن أن يشترك في العرق واللغة والثقافة باعتباره قبيلة واحدة أو بأن يكون قبائل مختلفة ذات عرق وثقافة مشتركة.

ويحدث التداخل السكاني آثارا مختلفة في العلاقات الدولية بين الدول المجاورة، فمرة يعين على ترسيخ علاقات التعاون والتكامل، ومرة يكون حجر عثرة أمام تطور العلاقات وتنميتها إن لم يكن سببا في توترها وتأزيمها.

وطبيعة الإقليم الحدودي بين جيبوتي وصوماللاند إقليم ذو جغرافية متشابهة، وسكانه من أصل واحد، وعدة قبائل تتداخل مصاهرة من ناحية، وحركة نزوح من ناحية أخرى. وعلى الرغم من هذا التداخل، جاءت الحدود السياسية كفاصل مصطنع بين أبناء القبيلة الواحدة.

ويتضح من خلال الاستعراض لـلأحداث، أن التداخل السكاني بين جيبوتي وصوماللاند قد عانى من تبعات الاستغلال السياسي، ولعب دوراً كبيرا في توتر العلاقات وعدم الاستقرار.

ومع ذلك فإنّ التداخل السكاني إذا ما تم توظيفه بشكل صحيح ـ يمكن أن يكون جسرا بين الدولتين لتطوير علاقات إيجابية ومميزة تمهد الطريق للتعاون الوثيق الذي يعقبه التقارب ثم الاندماج.

إلّا أنّ القيادة الجيبوتية تعاملت في علاقاتها مع صوماللاند في الإطار الأمني فقط، بـاعتباره قضية أمنية ترتبط بـأمن النظام واستقراره.

ونتيجة للهواجس الأمنية لدى السلطات الجيبوتية بأن تصبح المناطق الحدودية ساحة مفتوحة لـلعناصر المتمردة. بدأت الحكومة منذ أوآخر التسعينات من القرن الماضي، بـتوقيع عديد من الاتفاقيات الأمنية مع حكومة صوماللاند، تضمنت بعض القضايا الأساسية من بينها:

  • تعزيز التعاون الأمني ونبذ الخلافات وتطبيع العلاقات.
  • التمسك بحسن الجوار وقف الحملات الدعائية المعادية.
  • تكثيف الجهود لوقف أي نشاط معاد ومحاربة كل العناصر المناوئة لـجيبوتي في داخل صوماللاند.
  • فتح المنافذ الحدودية أمام المواطنين ونقل البضائع التجارية.
  • السماح للقوات الأمنية الجيبوتية بملاحقة التمرد في داخل صوماللاند.

وفي ظل غياب رؤية سياسية جادة لـدى الجانبين في تطوير العلاقات الثنائية وتعزيزها وفق أسس سياسية سليمة تراعي المصالح المشتركة، لم تكن هذه الاتفاقيات الأمنية وحدها كفيلة بحل كافة المشاكل القائمة بين البلدين.

ويرى المفكر الإسلامي الشيخ عبد الرحمن سليمان بشير بـأنه ليس هناك ما يفرق بين الشعبين الشقيقين  في   (جيبوتي ـ وصوماللاند). فهما شعبان من جذور وأصول واحدة ولكن من حيث الجغرافيا فهما شعبان مختلفان.

وفي هذا السياق يؤكد أنه ليس بين الشعبين ما من شأنه إثارة التوتر والخلاف، إلا أن النظامين السياسيين يحاولان دائما خلق وزرع الأزمات ـ لأغراض سياسية معينة[3].

حيث توظف الحكومة الجيبوتية في بعض الأحيان (ورقة القبيلة) من أجل أن يكون لها رأي في السياسة الداخلية في صوماللاند، كما تستخدم قضية الاعتراف كورقة ضغط على النظام السياسي[4].

بينما يوجد لـصوماللاند لوبي قويّ وفاعل في مفاصل الحكومة الجيبوتيّة، ولها تأثير بشكل أو بآخر في السياسة الداخلية لجيبوتي.

ولذلك نجد عادة أزمات تندلع فجأة بين النظامين ثم تطوى لاحقا دون أن يتم معالجتها بشكل صحيح ونهائي ودون أن تعرف أسبابها ودواعيها.

  • ثالثاً ـ طبيعة العلاقات الثنائية وجذورها:

تعود جذور العلاقات الثنائية بين جيبوتي وحكومة أرض الصومال إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي، عقب إعلان الأخيرة عن انفصالها من الصومال من جانب واحد في عام 1991م.

ومع أن هناك خصوصيّة لـلعلاقات الجيبوتية الصوماللاندية مستمدة من الروابط التاريخية والقومية والثقافية إضافة إلى المصالح المشتركة، إلا أن هذه العلاقات تميزت في مجمل الأوقات بقدر كبير من التقلب وعدم الاستقرار حيث ظلت تشهد من حين لآخر  توترا متكررا ينعكس سلبا على تطور العلاقات السياسية والأمنية إضافة إلى التبادل التجاري بين البلدين.

لأنها لم تـؤسس منذ بدايتها بأسس سليمة واستراتيجية واضحة تقوم على المصالح المشتركة لـلشعبين الشقيقين بقدر ما اعتمد الجانبان على المصالح الآنية الضيقة لـلنظامين.

ومن خلال تسلسل الأحداث التاريخية نجد أن العلاقات الثنائية بين البلدين ظلت بين مد وجزر في أغلب الأحيان.

وعلى الرغم من بعض التطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات خلال فترة الرئيس الراحل حسن جوليد أبتدون، إلا أنها دخلت منحى عكسيا منذ تولي الرئيس إسماعيل عمر جيله لـلسلطة وإعلانه عن مبادرته للمصالحة في الصومال.

وخلال مؤتمر عرتا شهدت العلاقات مزيداً من التأزم نتيجة لتعارض المواقف السياسية بين الطرفين تجاه الأزمة الصومالية. خاصة عقب انضمام الرئيس محمد إبراهيم عجال إلى قيادات الحرب الصوماليين الذين رفضوا المشاركة في مؤتمر عرتا وأعلنوا عدم اعترافيهم بـمخرجات الحوار.

وفي خطوة تعكس تدهور العلاقات بين البلدين أعلنت السلطات الجيبوتية في أبريل عام 2001م، إغلاق حدودها المشتركة مع صوماللاند ووقف علاقاتها التجارية معها بشكل كامل ردًّا على استيلاء حكومة صوماللاند على شحنة من السجائر مستوردة لـصالح رجل الأعمال الجيبوتي السيد/ عبد الرحمن بوري.

وبعد توليه لـلحكم وفي مايو 2002م،قام الرئيس طاهر رياليه كاهن بزيارة رسمية إلى جيبوتي بحث خلالها مع الرئيس عمر جيله في إمكانية احتواء الأزمة وتطبيع العلاقات بين البلدين.

ومع أن العلاقات شهدت تطوراً ملحوظا خلال السنوات الماضية خاصة في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.

إلا أنّ الوضع تفجر من جديد في منتصف مارس الماضي، وذلك بعد حدوث اشتباكات مسلّحة بين قوات خفر السواحل الجيبوتية وعناصر من قوات الحرس تابع لـصوماللاند أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

وفي الـ19 مارس الماضي، أعلن الطرفان عن إنهاء التوتر والخلاف بينهما وتوقيع اتفاق أمني جديد أكّد فيه الطرفان ما يلي:

  • تأكيد الجانبين على أهمية العلاقات المشتركة بين البلدين.
  • تفعيل اتفاق التعاون الأمني السابق.
  • تأكيد إنهاء الخلاف والتوتر الذي نشب بينهما على خلفية عملية نفذتها قوات خفر السواحل في المياه الإقليمية لـصوماللاند، وأسفرت عن مقتل جنديّ وإصابة آخر في جانب صوماللاند، إضافة إلى إصابة عنصر من قوات خفر السواحل الجيبوتية.
  • تشكيل لجنة مشتركة لـحصر وتحديد كافة الخسائر الناجمة عن العملية.
  • تعهد الجانبان على عدم تكرار الحادثة في المستقبل.

إلا أن شكل الاستقبال لـرئيس صوماللاند خلال مشاركته في حفل تنصيب الرئيس جيله في الـ8 مايو الجاري، قد أثار حفيظة السلطات في صوماللاند وفجر أزمة سياسية ما زالت تتصاعد بين البلدين.

ثالثا ـ المتغيرات المحلية والإقليمية الراهنة:

وتمر منطقة القرن الإفريقي حالياً بـإرهاصات خطيرة وأزمات متكررة وتشهد معظم دول المنطقة صراعات داخلية محتدمة بين الشعوب والأنظمة السياسية الحاكمة منذ عقود، والتي تقاعست عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتخلفت عن ركب الأمم في مسيرة التحول الديمقراطي والتداول السلمي لـلسلطة.

وتشير كل المعطيات إلى أن المنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة قد تكون قاسية على الشعوب والأنظمة في ظل تصاعد احتجاجات الجماهير في مواجهة الدولة الوطنية العنيفة.

وفي الوقت الراهن تعيش جيبوتي بحالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي غير مسبوق، وتواجه تعقيدات سياسية كبيرة في علاقتها الدبلوماسية.

يشكل التهميش السياسي والاقتصادي من أهم المهددات الأمنية التي تشكل خطرا مميتا لـمجمل المنظومة الأمنية في المنطقة.

كما أن حالات من الحرمان والظلم التي تعاني منها بعض الشرائح الاجتماعية، تساعد في إذكاء الصراعات والحروب الأهلية بين مختلف الجماعات.

التقارب السياسي الذي أزعج السلطات الجيبوتية:

وفيما يرى بعض المحللين أن سبب الأزمة الراهنة يرجع إلى التقارب السياسي الجديد بين الإمارات العربية وحكومة صوماللاند والذي توج مؤخرا بتوقيع شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية تاريخية مع صوماللاند تقوم بموجبها الشركة على تطوير وإدارة ميناء بربرا.

وهذا ما يعتبره الشيخ عبد الرحمن بشير قراءة سطحية ومعكوسة للأحداث، ويرى أن الأزمة الحالية ليست طارئة بل إنها جاءت في إطار تطور أزمة عميقة ومتراكمة.

وفي هذا السياق يؤكد أن التقارب بين الإمارات وصوماللاند لا يشكل خطرا على الاقتصاد الجيبوتي بل إن غياب التخطيط الاستراتيجي لدى الحكومة هو الذي يبعث الخوف في المستقبل السياسي والاقتصادي في البلاد.

  • رابعا ـ العلاقات الثنائية وآفاق المستقبل:

ومن الصعوبة بـمكان استشراف مستقبل العلاقات بين جيبوتي وصوماللاند بعيدا عن المتغيرات المحلية والإقليمية السابقة الذكر، خاصة في ظل الأزمة السياسية والاحتقان الاجتماعي الذي تعيشها جيبوتي حاليا والذي يمكن أن تمتد تداعياته إلى دول الجوار.

وليس هناك أفق لمستقبل العلاقات نظرا لوجود تحديات حقيقية وصعبة تعوق تطور العلاقات بين البلدين، وتتمثل في الـآتي:

  • غياب رؤية وجدية سياسية لإيجاد حلول جذرية للأزمة .
  • تعامل السلطات الجيبوتية مع هذا الملف المعقد في الإطار الأمني يرتبط باللحظة الراهنة بعيدا عن استراتيجة سياسية شاملة.

المراجع

[1]الأستاذ عمر يحي أحمد، الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي،

[2] عبد الله الفاتح،

[3] عبد الرحمن سليمان بشير، جيبوتي ودول الجوار أزمة في العلاقات أم تطور في الأزمة، الصفحة الخاصة للشيخ بشير، 18 مايو 2016م.

[4] مرجع السابق

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم. يعمل محرر ومترجم في الوكالة الجيبوتية للأخبار.
زر الذهاب إلى الأعلى