العلاقات التجارية بين الصومال ومصر

تربط الصومال بمصر بعلاقات أصيلة ضاربة في جذور الزمن، بدأت في عهد الفراعنة وهو ما يعني أن تاريخ هذه المنطقة موغل في القدم ، وبلغت العلاقات ذروتها في العصر الحديث أثناء الحكم المصري للصومال في عهد الخديو إسماعيل. بعد افتتاح قناة السويس الذي دام فترة قصيرة انتهى بالاحتلال البريطاني للبلدين.

وعندما استقلت مصر بدأت تساند حركات التحرر الوطني الصومالي، خصوصا بعد ميلاد ثورة يوليو 1952، فكانت مصر الطرف الرئيسي الراعي لمصالح الشعب الصومالي، والمدافع عن حقوقه، كما كانت مصر الوكيل المعتمد للشعب الصومالي في المحافل الدولية، ومبلغ صوته إلى الأمم المتحدة، وكانت إحدى الدول الثلاث التي أشرفت على الإدارة الإيطالية الوصية على الصومال، فقامت بدور الحارس الأمين للحقوق الصومالية من الأطماع الإيطالية والحبشية .

ولقد تعجب مندوب مصر في المجلس الاستشاري للأمم المتحدة في الصومال بمدى حب شعب الصومال وتقديرهم لمصر ولقائدها العظيم جمال عبد الناصر، وذلك في زيارة قام بها في المحافظات الصومالية، يقول المندوبوفي خلال هذه الزيارة جددت اتصالي بالأهالي وبالزعماء ورؤساء القبائل في داخلية البلاد، وتحدثت معهم في شئونهم ومستقبلهم والسياسة التي تتبعها الصومال مستقبلا، وأوضحت لهم مدى المساعدات التي قدمتها وتقدمها لهم مصر، ومقدار اهتمامها بمعاونة الصومال على تحقيق استقلاله بريئا من القيود والأغلال التي تريد الدول الكبرى أن تقيدها بها، وقد وجدت الشعب في داخلية البلاد أكثر شعورا وتقديرا للمساعدات التي تقدمها مصر للصومال من أهل العاصمة، ورأيت إجماعا على حب مصر والتعلق بها والسير وراءها، وأن اسم رئيس جمال عبد الناصر في كل قلب وعلى كل لسان، وأنه في موضع فخر الناس وأملهم في تحقيق مستقبل مشرق سعيد للشعوب الإسلامية، ولم يكن هذا الشعور الطيب قاصرا على فئة دون أخرى بل يشعر الجميع صبية، وشبانا، وشيوخا، ونساء عامة الشعب وشيوخ القبائل وسلاطينها

أما العلاقات التجارية بين البدلدين فقد بدأت في الأزمنة الغابرة خصوصا في عهد الملكة حتشبسوت عندما بعثب بعثة تجارية إلى بلاد بنت ( الصومال) ، وكان التبادل التجاري بين البلدين السمة البارزة في العلاقات الثنائية بين الشعبين ، وكانت مصر تستورد من الصومال البخور والعطور والحيوانات الحية التي كانت تشتهر بها الصومال ، ومنذ ذلك الحين كانت العلاقات التجارية بين البلدين متينة للغاية ، وقد بدأت العلاقات التجارية في العصر الحديث في وقت مبكر ، وكانت أول اتفاقية تجارية مبرمة بين البدين في عام 1961م ، حيث اتفقت الدولتان العمل على زيادة التبادل التجاري، كما عقدت الدولتان اتفاقية النقل الجوي  وتسيير الرحلات الجوية بين البلدين وقد تم ذلك في عام 1974م  ، كما أبرم عدد من الاتفاقيات التجارية  ومنها اتفاقية تجارية في عام 1978 ، واتفاقية  تعاون اقتصادي في عام 1982 واتفاقية ىشجيع وحماية الاستثمارات والتي تمت في نفس العام .

كل هذه الاتفاقيات تدل مدى الاهتمام المشترك بين الدولتين  في مجال التجارة والاقتصاد ، وقد أصبح التبادل التجاري بين البلدين مرتفعا إلى أن سقطت الدولة الصومالية في عام 1991 ، فانهار الاقتصاد الصومالي وتم تدمير المؤسسات التجارية ، ولكن في الآونة الأخيرة وبعد استتباب الأمن والاستقرار، هناك عودة قوية في المجال التجاري بين مصر والصومال ، وقد أكدت مصادر حكومية صومالية أن هناك تحسن في العلاقات التجارية بين البلدين خصوصا في مجال الأدوية حيث تستورد الصومال من مصر الأدوية الصحية بمختلف أنواعها وهناك إقبال كبير من جانب الصوماليين في شراء الأدوية المصرية لجودتها العالية وتكاليفها الرخيصة حيث تستطيع العوائل والأسر شراء الأدوية المصرية ونناولها .

وقد امتد التعاون بين البلدين إلى مجالات لها ارتباط وثيق بالمال والأعمال حيث استطاع البلدان عقد اتفاق  توءمة  بين مصلحتى الضرائب بين البلدين بهدف إستفادة الحكومة الصومالية من خبرة مصر فى هذا المجال.

جاء ذلك خلال لقاء  السيد حسين حالانى وزير المالية الصومالي  بنظيره المصري  قدرى دميان. وقد أكد وزير المالية المصري أن مصر ستقدم الدعم الفنى واللوجيستى للصومال فى كافة المجالات وكذلك استفادة الصومال من خبرة مصر فى البرامج التدريبية وبناء القدرات خاصة فى مجال السياسات الضريبية و الجمركية.

وقال الوزير أن مصر لديها تشريعات ضريبية تخاطب نظم الضرائب العالمية و تلقى أعلى مراتب التقدير من الجهات الدولية المختصة بالشأن الضريبي مؤكداً أن عدد من الدول العربية استعانت بقوانين الضرائب المصرية عند صياغة القوانين الخاصة بها.

ورحب دميان باستقبال وفود من مصلحتى الضرائب و الجمارك الصومالية ومشاركتهم فى كافة البرامج التدريبية التى تعقدها مصلحتى الضرائب و الجمارك المصرية خلال العام.

كما عرض دميان بحث عقد أتفاق توأمة بين مصلحتى الضرائب بين البلدين بهدف إستفادة الحكومة الصومالية من خبرة مصر فى هذا المجال.

وهناك عدد من التجار الصوماليين في القاهرة يتاجرون ويعملون في الحوالة ونقل الأموال من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وتسليمها للصوماليين القاطنين في مصر والصومال أحيانا ، وهناك بعض التجار الذين افتتحوا بعض المطاعم والمحلات التجارية  في القاهرة .

ومن أهم المجالات الرائجة في الظرف الراهن فيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين الدولتين مجال الثروة الحيوانية حيث تستورد مصر من  الصومال الثروة الحيوانية والمواشي على اختلاف أنواعها وأكثر ما تستورد مصر من الصومال الإبل والجمال ، ولتعزيز هذه التجارة وتنميتها وزيادة حجمها  وقعت وزارة الزراعة المصرية ووزارة الثروة الحيوانية والمراعى بالصومال، اتفاقية تجارية وبروتوكول تعاون لتنفيذ برنامج عمل استراتيجى مشترك لتنظيم عملية تصدير الماشية الصومالية، لاستيراد 5000 رأس ماشية شهريا.
وأكد الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، حسب بيان صدر من وزارة الزراعة المصرية ، على أهمية تنمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية المصرية الصومالية بشقيها التجارى والاستثمارى بما يعود بالنفع على مواطنى البلدين وتفعيلا لمذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الزراعة فى مصر ووزارة الثروة الحيوانية والمراعى والغابات بالصومال الفيدرالية.
يأتى ذلك فى إطار دعم أواصر الصداقة بين جمهورية مصر العربية والدول العربية والأفريقية الشقيقة وتفعيلا لمذكرات التفاهم الموقعة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصومال الفيدرالية فى مجالات الزراعة واستيراد وتصدير وعبور المواشى واللحوم، الاستزراع السمكى والصيد البحرى، وإنشاء مزرعة نموذجية مشترك.
وتم الاتفاق، أن تقوم مصر بوضع برنامج لتسمين الماشية الصومالية بإرسال الأعلاف المطلوبة من مصر إلى الصومال، كما سيتم بيع اللحوم الصومالية بأسعار وجودة مناسبة من خلال المنافذ المختلفة والمنتشرة بكافة المحافظات.

وهناك تبادل تجاري في مجال الكتب والمواد الدراسية حيث تستورد الصومال من مصر الكتب الدينية بمختلق الفنون سواء الفقه واللغة والتفسير والأحاديث ، وهناك مكتبات في العاصمة الصومالية مخصصة لبيع الكتب المصرية .

وفي مجال الإغاثة والتنمية يقوم الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا ومنذ فترة طويلة على تقديم المعونات الغذائية والدوائية إلى الشعب الصومالي بهدف إغاثة المتضررين من الفيضانات أو موجات الجفاف أو المنكوبين من جراء المعارك الدائرة على الأراضي الصومالية ، وفيما يلي أهم ما وفره الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا خلال الفترة الأخيرة :

إرسال معونة من المعلبات الغذائية والألبان المجففة إلى مقديشو في يوليو 2010 . توفير معونة غذائية للصةمال في ديسمبر 2009 تتكون من 100 طن من الدقيق و500 كرتونة من زيت الطعام . إرسال معونة دوائية مقدمة لدولة الصومال تزن 3.5 طن تقريبا في سبتمبر 2009. وذلك فضلا عن إيفاد الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا لعدد من الأطباء في تخصصات مختلفة للعمل بجمهورية الصومال ، كما نظم الصندوق دورات تدريبية لعدد 15 عنصرا من العناصر الدبلوماسية الصومالية بالتنسيق مع معهد الدراسات الدبلوماسية خلال الفترة من 16 إلى 27 مايو 2010 ، كما يقوم الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا بدعوة الجانب الصومالي للمشاركة  في الدورات التي ينظمها بصفة دورية في مجال الشرطة ، وفي هذا الإطار شارك العديد من ضباط الشرطة من الجانب الصومالي في تلك الدورات .

لا تزال مصر تلعب دوراً هاماً إلي اليوم في نشر الثقافة والتعليم في الصومال  من خلال إيفاد المدرسين التابعين لوزارة التربية والتعليم للتدريس بالمدارس الصومالية، أو المعلمين التابعين للأزهر الشريف، وكذا خبراء الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا الذين يقومون بنشر العلم في مؤسسات التعليم العالي.

عبدالله آدم موسى

محاضرفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة مقديشو ، حاصل على درجة الماجستير في التاريخ الحدديث والمعاصر من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة ، وحصل الليسانس من جامعة عين شمس عام 2007 م
زر الذهاب إلى الأعلى