المستشفيات العامة في مقديشو بين الواقع والطموح

حسين عبد القادر، طفل في الثانية من عمره، لكن من يرى حاله، لايكاد يصدق عينيه،  ولد في ظروف صحية غير جيده. يعاني من أمراض عديدة، شلت حركته، ومنعته حتى من الجلوس. لا ينام الا القليل، وصيحات بكائه لا تنقطع. ذهب به والده الي مستشفي الشفاء التركي لتلقي العلاج. فبذل الإطباء جهودا كبيرة، لمساعدة الطفل لكن لم تكلل تلك الجهود بالنجاح، وذلك بسبب نقص في الإمكانات، والكوادر المدربة، فقد عاد الأطباء الأتراك العاملين  في المستشفى الي بلادهم، عقب استهداف مقر السفارة التركية في العاصمة مقديشو، نهاية يوليو الماضي، ويأتون فقط لأوقات محددة، ومن أجل معالجة حالات معينة.

عبدالقادر والد الطفل المريض، لم ينتابه اليأس، بعدما عجز الأطباء في المستشفى التركي معالجة ولده، فذهب به الي مركز طبي آخر تابع لمنظمة الأطباء بلا حدود، غير أنه صدم بعد ما أخبر بتوقف خدمات المركز، وذلك بسبب إنهاء المنظمة أعمالها وبرامجها الطبية في البلاد، فقرر العودة بولده المريض من حيث أتى، أقاصي بادية شبيلي السفلى التي لا تتوفر فيها الرعاية الطبية. وليس من شك في أن مصير هذا الطفل سيكون في خطر.banaadir2

فقصة الطفل حسين، أبرز مثال للوضع الصحي في العاصمة مقديشو، وتعطي صورة عن  الآثار الكارثية التي تترتب  عن أخطاء بعض الجهات الصومالية التي لا تزال تعرقل نهضة البلاد، بعد عقدين من الحرب، وتمنع الصوماليين من التلمس سبل الخروج من الكارثة التي حلت بهم، وذلك من خلال استهدافهم لمقرات المنظمات الدولية، وتهديد العاملين في المجال الإنساني. وهذا الأمر، هو الذي دفع هيئات خيرية، وطواقم طبية أجنبية، لمغادرة الصومال، وتوقف عدد من المشاريع التنموية التي تهدف لتحسين المرافق الصحية في البلاد، وحال دون مساعدة الأطفال والنساء الذين تفتكهم الشدة والفاقة داخل معسكرات النازحين، وفي القرى والبوادي النائية.

فمغادرة منظمة الأطباء بلا حدود، وإنهاء برامجها الطبية في انحاء الصومال، كان أمرا صعبا، وخلف صدمة كبيرة في أوساط الصوماليين، حيث باتت حياة آلاف من الأطفال، والنساء في خطر.  فقد أغلق عشرات من المراكز والعيادات التي كانو يتلقون منها الرعاية الطبية ، كما أصبح مصير مستشفيات كبيرة كانوا يلجأون اليها في الحالات الخطيرة مجهولا، نتجية توقف الدعم والمساعدات التي  كانت تقدم منظمة أطباء بلاد حدود، وهيئات أخرى غادرت البلاد لتلك المستشفيات

اطباء بلاحدود مستشفى دينيلي يعد ضمن أكثر المستشفيات في العاصمة مقديشو، ازدحاماً. يستقبل كل يوم عشرات المرضى وخاصة، الأطفال والنساء المصابين بفقر الدم والأمراض المعدية الناتجة عن تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة. لكن بات اليوم مصيرهذه المستشفى على المحك. فالدعم الطبي الذي كان يحصل عليه من منظمة الأطباء بلاء حدود قد توقف، والمدة التي تعهدت المنظمة، بدفع رواتب العاملين فيه نتهي خلال هذا الشهر. ولا أحد يعرف ماذا بعد، وماذا يكون مستقبل المستشفى.

dayniile

ليس مستشفي دينيلي وحده من يطارده شبح الإغلاق، نتيجة غياب الدعم المحلي والعالمي، وإنما هناك مستشفيات أخري تساورها نفس القلق. ومن هذه المشافي، مستشفيى بنادر، وزمزم المصري.

فمستشفى بنادر هو أكبر المستشفيات المتخصصة لرعاية الأطفال والنساء في مقديشو، ويستقبل المرضى من النازحين في المخيمات، والأسر الفقيرة من سكان العاصمة. يشهد المستشفى هذه الأيام ازدحاما كبيرا، وذلك بعد استقباله عشرات من المرضي في العيادات والمراكز الصحية التي كانت ترعاها منظمة الأطباء بلا حدود. يأتي هذا الازدحام وسط شح في الأدوية ومستلزمات النساء والولادة في المستشفى، بعد توقف المساعدات التي كان يحصل عليها من جهات دولية، ووزارة الشؤون الإجتماعية للحكومة الصومالية. وأصبحت أعماله حاليا مقتصرة على الفحص الطبي المجاني، بيما يجب علي المرضى شراء الأدوية من خارج المستشفي. وهذا ما لا تطيقه أسر كثيرة تعتمد على خدمات المستشفى.

بنادر2أما مستشفى زمزم المصري الذي أنشأ بالتعاون مع مؤسسة زمزم أثناء المجاعة  التي ضربت الصومال عام 2011م، ويقدم للمرضى خدمات صحية شبه مجانية، تشمل الفحوصات والتحاليل الطبية وعمليات الجراحة الدقيقة، كما يعالج الأمراض المعدية التي تعد الأكثر انشارا في الصومال، كالإسهال. لكن الأزمة السورية، أثرت سلبا على عمل المستسفي، حيث بدأ كثير من الأطباء بنقل أعمالهم الي سوريا، وكادت خدمات المستشفى أن تتوقف، لولا تدخل خيرين ومسؤولين من الحكومة الذين أقنعوا إدارة المشروع، العدول عن قرار الإغلاق.

egyptian hospital 5

هذا الواقع المرير يقابله تفائل كبير. يعلق الصوماليون آمالا عريضة على وعي الحكومة الصومالية، وادراكها خطور الوضع الذي تشكله المجموعات المسلحة على المشاريع التي تهدف لإعادة بناء المرافق الحيوية ولا سيما القطاع الصحي منها في البلاد. كما أن الدفعات التي تتخرج من الجامعات والمعاهد الطبية في الداخل والخارج، بالإضافة الي المتدربين في المستشفيات التابعة للمنظمات العالمية، تبعث الأمل في نفوس شرائح كبيرة من المجتمع الصومالي التي لا تزال تعاني من سوء التغذية والأمراض المعدية والإصابات المتعلقة بالعنف.

 قبل أربعة شهور تقريبا، أعيد فتح أجزاء من مستشفى دكفير، أكبر المسشتفيات في العاصمة مقديشو، وذلك بعد إنتهاء عملية إعادة بنائها، وتجهيزها بأحدث التجهيزات الطبية. هذه الخطوة  فتحت نافذة أمل واعد للصوماليين، بل ولملايين من سكان منطقة القرن الأفريفي، وبحسب مسؤولين من الحكومة التركية التي تمول هذه المشروع، فإن المستشفى يعد ضمن أحدث المستشفيات في شرق أفريقيا، وتتوفر فيه جيمع التخصصات الطبية، والأجهزة اللازمة لمعالجة الأمراض الخطيرة، وسيكون قادرا على سد الفراغ الصحي في الصومال، وإغناء الصومالين عن العلاج المكلف في الخارج.  

digfeer

  وعلى عاتق الحكومة الصومالية مسؤولية كبيرة تجاه أمن المنظمات الخيرية التي تساعد الصوماليين، وتوفير الحماية اللازمة للقائمين على المشاريع الانمائية في البلاد، حتى على لا تتكرر الأسباب التي أجبرت منظمة أطباء بلاد حدود مغاردة البلاد، والتي قالت في ختام بيانها الذي أوضحت فيه إسباب إنهاء برامجها في الصومال ” وطالما لم يُظهر أصحاب السلطة والتأثير في الصومال احترامهم لمن يقدم الرعاية الطبية إلى السكان المتواجدين في مناطق سيطرتهم، وطالما لم يظهروا الاحترام لأولئك الذين يواجهون مخاطر شخصية عظيمة في سبيل تقديم تلك الرعاية، فإن منظمة أطباء بلا حدود لن تستطيع أبداً العودة إلى الصومال “.

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى