الشيخ  عبدي أبيكر غافلي : مسيرة حياته وكفاحه ضد الاستعمار الإيطالي(2)

الشيخ عبد أبيكر غافلي ينتقل إلى منطقة فيرفير في الحدود الصومالية الإثيوبية

بعد أن إزدادت وتيره غارات الاستعمار وملاحقاته للشخصيات التي تقود الإنتفاضة و الثورة ضده إلى جانب غياب الدعم العسكري للثوار،  قرر  الشيخ أبيكر غافلي الإنتقال  إلى مدينة فيرفير بالقرب من الحدود بين الصومال وإثيوبيا رغبة منه في العيش في مناطق تحضع لسيطرة السيد محمد عبد الله حسن الذي كان يقود الثورة ضد الاستعمار البريطاني في شمال الصومال أو على الأقل القريبة منها تمكنه من التواصل معه بسهولة، ولتوثيق عرى الصداقة معه بإعتباره أحد المنتمين إلى الطريقة الصالحية التي ينتمي إليها شيخ غافلي أيضا، وتزوج الشيخ فترة وجوده في فيرفير امرأة من عشيرة حوادلي، وأنجبت له ولده الوحيد الشيخ أحمد . وعاش الشيخ  غافلي في تلك المنطقة حوالي عاما ونيفا ثم عاد إلى اقليم شبيلي السفلى وقرر استئناف حربه ضد الاستعمار وذلك بعد حصوله على وعود من السيد محمد عبد الله حسن لدعم الثوار في جنوب الصومال، وتوفير الأسلحة لها، لكن الشيخ سافر بعد فترة وجيزة إلى المملكة العربية السعودية لإداء فريضة الحج.

رحلته إلى المملكة العربية السعودية

سافر الشيخ عبدي أبيكر غافلي إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج ، والتقى هناك مع عدد من العلماء المسلمين وأطلعهم على أوضاع المسلمين في الصومال وحركاتهم التحررية ضد الاستعمار الايطالي  والبريطاني ويقال أيضا أنه التقى في مكه بالمناضل الصومالي السيد محمد عبد الله حسن الا أني لم أعثر على مصادر موثوقة تؤكد ذلك .

ولما عاد الشيخ عبدي أبيكر غافلي إلى قريته عائدا من مكة رأى أن الوضع في اقليم شبيلي السفلى متوترا للغاية بسبب تصاعد غارات الاستعمار الإيطالي على عدد من المناطق بالإقليم ، وبدأ بتنظيم لقاءات مع القبائل الثائرة للبحث عن سبل توحيد القتال ضد الاستعمار. وفي المقابل بدأ الاستعمار الإيطالي باغراء القيادات التي كانت تقاتل وتحرض الشعب ضده وتهديدهم بالملاحقة والتصفية، ما دفع  بعض  شيوخ قبيلة بيمال إلى الرضوخ لتلك التهديدات والطمع في تلك الامتيازات وحثوا  الشيخ عبدي أبيكر غافلي على مغادرة منطقة بنادر والذهاب إلى الأراضي التي كانت تحت سيطرة  حركة الدراويش في الشمال بيد أن الشيخ رفض هذا العرض وأصر على البقاء في موطنه والقتال ضد الاستعمار الجاثم على صدر الشعب الصومالي ، وواصل حملته ضد الاستعمار الايطالي بوتير أعلى ، وبصورة أكثر تنظيما، وأطلق حملات لجمع المقاتلين وإرسالهم إلى جبهات القتال وخاصة إلى قرية داي صومني وكان يشجعهم بقصيدة تحريضية كان مطلعها باللغة الصومالية:

Yaa qaahiru yaa qaadirow quwadooda qamciyaa[1]  . ومعناها ياقاهر ياقادر أقمع قوتهم.

نظم الشيخ عبدي أبيكر غافلي العديد من اللقاءات والاجتماعات القبلية في عدد من القرى والبوادي شاركت فيهم معظم العشائر القاطنة في تلك المنطقة والمستعدة لمواجهة  الاستعمار وتحرير أراضيها، وكانت تلك اللقاءات الشرارة التي أشعلت الثورة الحقيقية لقبائل بنادر ضد  الاستعمار الإيطالي.

انتخاب الشيخ عبدي أبيكر غافلي قائدا لثوار قبائل بنادر

في    21 أكتوبر عام 1902، عقد في قرية  “هاريرلي” الواقعة في الطريق الساحلي ما بين مقديشو ومركه اجتماع قبلي شارك فيه شيوخ معظم القبائل في الإقليم، وتم اختيار الشيخ أبيكر غافلي قائدا للحرب ضد الاستعمار الإيطالي. وبعد ذلك اليوم شمر الشيخ  سواعده لتطوير طرق وأساليب القتال ضد الاستعمار والحصول على أسلحة نارية بعد أن كان معظم السلاح الذي كان بيد ثوار قبائل بنادر السلاح الأبيض، وبدأ الشيخ الاتصال بالدراويش والسيد  محمد عبد الله حسن بهدف الحصول على السلاح  أو الشراء منهم. نقل  المحامي والنائب السابق في برلمان 1964 محمد ابوبكر غيتانو في كتابه (Taariikhdii Duulaankii Gumeystaha iyo Iskacaabintii Soomaalida)  “أن قيادات القبائل البيمالية وعلى رأسهم الشيخ أبيكر غافلي لما رأوا أن العدو يصطادهم كل يوم في المعارك كالطيور ألمهّم ذلك ولم يضيعوا فرصة وأقاموا علاقة سرية بالسيد محمد عبد الله حسن الذي كان زميل القائد  في حلقات التعليم وطلبوا منه الأسلحة  وفي المقابل كان الشيخ أبيكر غافلي يرسل إليه  الملابس التقليدية وأموالا وجنودا الي السيد، وأصبح ممثله  في جنوب الصومال . وكان الشيخ أبيكر غافلي مستلهما  افكار السيد محمد عبد الله حسن ومستفيدا من خططه وتكتيكاته الهجومية لإضعاف شكيمة العدو، وكانت خطبه مليئة بالحديث عن الجهاد والوطنية  والسياسة”[2].

غيرت الأسلحة التي  حصل عليها  الشيخ عبدي أبيكر غافلي من الدراويش قواعد الاشتباك في المواجهة بين ثوار قبائل بنادر وقوات الاستعمار الايطالي،  وأحدثت نقلة في سير المعارك وساهمت في تصعيد القتال ضد الاستعمار وتسعير أواره ، وقاد  الشيخ  عبدي أبيكر  غافلي هجمات متلاحقة على قواعد عسكرية مختلفة للعدو المنتشر في ساحل منطقة بنادر وخاصة في القرى الواقعة على الساحل  الرابط بين مقديشو ومركه، وكاد الثوار أن يحاصروا مدينة مركه ويقطعوا  طريق الإمداد البري نحو العاصمة مقديشو، هذا التطور أثار قلق الإيطاليين وقرروا  وقف العلاقة المتزايدة بين ثوار الجنوب والدراويش والتقارب بين الشيخ عبدي أبيكر  والسيد محمد عبد الله حسن، وبدأوا مفاوضات مع السيد محمد عبد الله حسن والتي توج بتوقيع اتفاقية كانت إيطاليا طرفا منها في مدينة أيل شمال شرقي الصومال  في 5 مارس 1905  وذلك وفق رأي بعض المؤرخين من أجل  إيقاف التنسيق بين المناضلين في الجنوب  والسيد محمد عبد الله حسن لأن إيطاليا تولت في ذلك الوقت رسميا بإدارة منطقة بنادر انظر إلى كتاب تاريخ  الدراويش والسيد محمد عبد الله حسن 1895-1921 للمؤرخ الصومالي أوجامع عمر عيسي ص: 127 [3].  وأن العلاقة بين الشيخين بدأت عندما كان الشيح عبدي طالبا في مدينة مقديشو والتقى طلابا وعلماء من الطريقة الصالحية الذين  جاؤوا من المناطق الشمالية، وتوثقت علاقته مع السيد محمد عبد الله حسن الذي  بعث رسالة إلى قبائل بيمال يحثهم على القتال ضد الاستعمار وعدم الاستماع إلى أقوال العلماء الذين باعوا دينهم[4]    وحصل الشيخ أبيكر   من الدراويش على بنادق  ولم يساعده بالجنود بسبب إتفاقية “إليغ” بين حركة السيد والبريطانيين[5].


[1]  مقابلة مع الشيخ نور  جيلي مرجع سابق

[2]       Taariikhdii Duulaankii Gumeystaha iyo Iskacaabintii Soomaalida    المحامي محمد أبوبكر غيتانو. الطبع الأولى أبريل 2020  مقديشو

[3] تاريخ  الدراويش والسيد محمد عبد الله حسن 1895-1921 للمؤرخ الصومالي أوجامع عمر عيسي ص: 127

[4] كشف السدول على تاريخ الصومال ، مرجع سابق

[5]   سلسة مقالات بعنوان: الصومال في القرن العشرين الحلقة(11) د. حسن البصري  10 أكتوبر 2015  انظر موقع مركز مقديشو للبحوث والدراسات

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى