الموسيقى القرآنية والفتاة الانحليزية

كنت مرة اسوق سيارة اجرة في لندن وكانت معى في السيارة فتاة انجليزية. وكنت قبل ان أغادر البيت  أخبرت ابني ان يتصل بي بعد ان يحفظ القران كي اسمع منه. وبينا انا اسوق السيارة، فاذا بهاتفي يرنّ وبدأ ابني قراءة سورة الشمس ومكرفون هاتفي متصل بمكرفون راديو سيارتي، واذا بصوت ابني يقرأ القران قد دوّى في ارجاء السيارة كدوي الرعد في السحاب في ليلة ماطرة حالكة الجلباب غدافية الإهاب.
وكانت تلك الايام قد اشتدت وتيرة الاعمال الإرهابية في مدينة لندن، والناس في حذر من كل ما يمتّ الى العرب والعربية بصلة، دع عنك القران وما له علاقة بالإسلام، فارتعت وسقط في يدي فخفت ان تلقى الفتاة نفسها من السيارة جزعا ورعبا. فقلت لابني: يابني، انني اسوق الان فاتصل بي بعد عشرة دقايق. وما ان انتهيت من قولي هذا حتى سمعت ما لم اكن اتوقعه، اذ قالت الفتاة الانحليزية بهدوء: اتركه يقرا. ولما لاحظت ان ابني توقف عن القراءة وبدا يصغى لنقاشنا وجهت اليه الكلام مباشرة فقالت له: هيا ماذا تنتظر، استمر في القراءة! فاستأنف ابني قراءته حتى اكمل السورة ثم ودعته بكلمات الثناء.
وما ان أنهى ابني قراءته حتى سمعت القناة قائلة: واووو ! واووو ! ما احلى هذه الأغنية! لقد طربت من روعة هذا الإيقاع الموسيقي! فقلت لها: هذا قران ( الكتاب المقدس للمسلمين) وليس أغنية. فقالت حقا، ولكن ما هذا الشعور الموسيقي الذي كنت اشعر به في صوت ابنك وهو يقرا؟ فقلت لها: انت على حق، للقران رنة ونغمة موسيقية في حروفه والغاظه وإيقاعه في أخريات اياته، يعرف ذلك كل من له علم باللغة العربية وبلاغتها وأساليب البيان العربي. ولكن ما اعجبني حقا هو ان تدرك ذلك وانت لم تدرس هذه اللغة ولم تقف على جمال ألفاظها ورشاقة تراكيبها وحسن نظمها. فقالت: لا ادري، اشعر وكأنني اسمع كلاما لذيذا سلسا موزونا مثل الموسيقى. ثم وصلنا الى المحل الذي كانت تقصده فنزلت مبتسمة مودعة. فقلت في نفسي: والله لا ادري أيهما أعجب؟ أمن سماحة الفتاة ودماثة خلقها وحسن إنسانيتها، ام من إحساسها المرهف بالموسيقى القرانية وطربها لإيقاعه الفريد طربها لإيقاع الاغاني الحديثة؟.
تذكرت شهادة الوليد بن المغيرة بعذوبة القران وبلاغته حين قال في القصة المشهورة “والله، إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى”. ولقد شهد الوليد بن المغيرة للقران هذه الشهادة قبل هذه الحسناء بخمسة عشر قرنا مع ما بينهما من التفاوت في الفهم والتقدير. فان الوليد كان فصيحا خبيرا في اللغة وأسرارها عارفا مواقع القول مدركا وجوه التصرف في كلام العرب، ولكن العجب كل العجب هو ان بهزّ القران هذه الفتاة الانحليزية بعذوبة ألفاظه ورونق أسلوبه وحزالة ألفاظه ودقة تراكيبه وترتيب نظمه وإيقاعه الموسيقى في حروفه وكلماته مع جهلها الأحرف العربية الهجائية بله الاطلاع الواسع والتعمق فيها. وهذا من دلايل اعجاز هذا الكتاب الذي هزّ نفوس العرب الفصحاء في مكة واطربهم وتحداهم ان ياتوا حتى بعشر سور مثله مفتريات، كما هزّ قلب هذه الفتاة الانحليزية الحسناء في عقر ذراها في لندن وأطربها وملك عليها قلبها وسمعها.

عبد الواحد عبد الله شافعي

كاتب صومالي من مواليد بلدوين ومقيم في بريطانيا. حصل على درجة الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من كلية الدعوة في ليبيا في عام ١٩٩٤. نال دبلوم ماجستير في اللغة العربية وآدابها من الكلية نفسها في عام ١٩٩٦. حصل على ماجستير في اللغويات وتعليم اللغات الأجنبية من جامعة لندن متروبولتان في بريطانيا في عام ٢٠١٦. يعمل في خدمة الجاليات المسلمة في بريطانيا. له مقالات وبحوث فكرية وسياسية منشورة في الصحف والمواقع العربية. يهتم بقضايا الفكر الاسلامي السياسي
زر الذهاب إلى الأعلى