الصومال في القرن العشرين ( الحلقة الحادي عشر)

المقاومة والثورات ضد الإستعمار:

قاوم الشعب الصومالي عموما الإستعمار وكان كل صومالي يرى أهمية هذا العمل وأنه واجبه الأول، فقامت ثورات ضد الإستعمار.  إلا أن أخلدها وأشدها وقعا على الإستعمار هي:

  • ثورة أهالى “مركة”*.

عندما وصلت إيطاليا إلى سواحل الصومال الجنوبية، بدأ أهالى “مركة” يظهرون عدواتهم ومعارضتهم الشديدة للإستعمار الإيطالي، وقد قاموا بعمليات ضد المستعمر الإيطالي كاغتيال بعض  أفراده، مما أدى إلى إطلاق الإيطاليين على هذه المدينة”بأنها مدينة إرهابية”[1]

ثم عقد الأهالى مؤتمرا شاركت فيه جميع العناصر الوطنية، وأجمعوا على محاربة الإيطاليين الذين  يحكمون البلاد بيد من حديد والذين يدنسون بلادهم بعقيدتهم الفاسدة، كما انضم إليهم متطوعون من المناطق الأخرى، فبدأ الثوار هجومهم على الإيطاليين المتمركزين على الساحل قرب قرية “ونات” التى تقع بين مركة ومقديشو، وقتل فى هذه المعركة عدد كبير من الإيطاليين، كما استشهد من الثوار حوالى 40 مجاهدا. واصل الثوار المجاهدون هجماتهم على الإيطاليين، وقد اتصلوا بالسيد محمد عبدالله حسن ودراويشه عند ما كان قويا، وحصلوا منه على بعض الأسلحة الحديثة ، مما ساعدهم على إحراز انتصارات عظيمة على الإستعمار. [2]

كان شيخ “عبدى ابيكر”* من القادة حيث كان ينظم الثوار ويحضهم على الجهاد، ولما اشتدت هجمات الثوار على الإيطاليين لجأت إيطاليا إلى مكيدة وخيانة ، لوقف الأسلحة التى يحصلون عليها من الدراويش، فحندت بعض العملاء وطلبت منهم ان ينضموا إلى الدراوييش ثم يأخذوا منهم بعض أسلحتهم، ففعلوا ذلك، وعندما حصلت إيطاليا على بعض الأسلحة التى كان الدراويش يستخدمونها أعادتها إليهم، قائلة لهم بأنها لا تحتاج إلى أسلحتهم، وعندما سالوا عن مصدر هذه الأسلحة زعموا أن أهالى مركة هم الذين يأتون إليها بهذه الأسلحة، بعدها عزم السيد محمد عبدالله حسن قائد الراويش قبل أن يتأكد من صحة هذا الخبر على عدم تقديم أية اسلحة لأهالى مركة، وبهذا انقطعت عنهم الإمدادات والأسلحة مما أضعف موقفهم. [3]

وتشير بعض المصادر إلى أن السيد رفض إمداد أسلحة لهؤلاء الثوار بسبب اتفاقية “إليج” فى 5 مارس 1905 التى عقدها مع المستعمرين والتى لم تدم طويلا. [4]

وأخيرا استطاعت إيطاليا أن تلحق بهم أضرارا جسيمة ، واستخدمت أساليب التدمير والقتل والتعذيب والنفى، رغم استبسال المجاهدين واستماتتهم. [5]

(ج) ثورة الشيخ حسن برسنى:

لقد كان الشيخ حسن برسنى يقود هذه الحركة ضدا لإيطاليين، وقد أخذت الحركة على عاتقها مسؤولية الدفاع عن إقليم بنادر الشمالي، والأوسط ضد الاستعمار الفاشى، وكان سببها المباشر أن أعلن الحاكم الإيطالي فى الصومال فى فبراير 1924م سياسة نزع السلاح، وأمر بتسليم الذخائر والأسلحة فى أربعين يوما، فثار الشيخ برسنى على ذلك، مما شكل بداية لحركة مسلحة، واستطاع الشيخ مقاومة الأعداء بعد ان عبأ أنصاره وأعدها لمواجهة الفاشية، إلا أنه بعد عدة مواجهات قبضت القوات الإيطالية عليه ووضعته فى سجن مقديشو وكان ذلك فى أبريل 1924. [6]

هذا وقد كان الشعب برمته يقاوم الإستعمار بأي وسيلة ،و لا يمكن حصر ما قام به الشعب فى صفحات، وقد نجح الشعب فى أعماله وكفاحه، إلا أن هناك بعض المناطق التى مازالت تحت وطأة الاحتلال.

6– الصراع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية:

لم يتأثر القرن الإفريقي والصومال خاصة بالحرب العالمية الأولى بشكل واسع أما الحرب العالمية الثانية فتأثرها كان قويا وبعض هذه المؤثرات ما زالت مستمرة، والسببب فى ذلك اختلاف الدول المستعمرة فى الصومال حيث وقفت بريطانيا وفرنسا أضف إلى حليفتهما  الإفريقية الحبشة فى جبهة واحدة، بينما كانت إيطاليا على طرف آخر مع ألمانيا.

وقد أدى ها التناقض إلى الإصطدام بين الطرفين فى كل مكان سواء فى أراضيهم الأوربية أوفى مستعمراتهم الإفريقية بما فى ذلك القرن الإفريقي المنطقة الأكثر تنازعا بين المستعمرين الأروبيين، فأصبح الشعب الصومالي ممزقا،  البعض يقاتل فى صف الحلفاء والبعض الأخر فى صف إيطاليا ودول المحور!

وكان لإيطاليا اليد العليا فى البداية حيث استطاعت أن تسيطر على معظم المناطق الصومالية، ومما سهل عليها هذه المهمة هى سيطرتها السابقة منذ 1936م على الإمبراطورية الإثيوبية حيث كانت أريتريا وإثيوبيا ومنطقة أوجادين والصومال الإيطالي فى يد إيطاليا قبل اندلاع الحرب، لذلك بعد مدة قصيرة من اندلاع الحرب العالمية الثانية استطاعت إيطاليا ان تسيطر على محمية الصومال البريطاني مما جعلها تسيطر على معظم المناطق الصومالية، ما عدا الصومال الفرنسي، ومنطقة أنفدى إلا أن هذه السيطرة لم تدم طويلا. [7]

مع بداية عام 1841م تعغير الوضع فاستطاعت بريطانيا أن تفرض سيطرتها على أنحاء المستعمر الإيطالية فى الصومال من “جوبا لاند” جنوبا وحتى رأس “جواردفوي” شمالا ، بجانب إقليم الأجادين والمحمية البريطانية، وأصبحت الأراضي الصوماليةكلها ولأول مرة تحت سيرة استعمارية واحدة (بريطانية) ما عدا المستعمرة الرنسية (جيبوتى). [8]

وعندما حلت بريطانا محل إيطاليا لم تدخل اية إصلاحات زراعية أو صناعية كما حدث فى بعض المستعمرات فى أفريقيا ولم تتخذ إجراءات ملحوظة لتطويرها باستثناء المظاهر السياسة، مثل تأسيس الأحزاب وذلك لتشجيع الحركات المعادية لإيطاليا، واستئصال جذور  إيطاليا من الصومال مهما كلفها من ثمن، من جهة، وكي تبرهن للناس عكس ما عرفوه فى حكم إيطاليا الديكتاتوري الفاشى من جهة ثانية، ولذا يمكن القول بأن الحركة السياسية التى نشات عقب استيلاء بريطانيا على الصومال كانت وليدة التناقض الدولى بوجه عام والتناقض الإيطالي البريطاني بوجه خاص. [9]

هذا  وتشير بعض المصادر الغربية، وخاصة البريطانية إلى أن البريطانيين قاموا بعد الحرب ببعض الإصلاحات المهمة فى البلادن فبالنسبة إلى الشمال حولوا العاصمة من بربرة إلى هرجيسا، وجعلوها مدينة مهمة ، كما قاموا بحفر بعض الآبار وفتح المدارس، وكذلك فتح محاكم شرعية مبنية على الشريعة الإسلامية، والعادات المحلية، إضافة إلى بعض القوانين البريطانية العامة، وكذلك إدخال التحسينات فى المجالات الصحية، والزراعية وخاصة فى (جبيلى – بورما) شمال الغرب من هرجيسا.[10]

وبالنسبة للجنوب كانت هناك تحسينات لأحوال العمال وخاصة فى الزراعة، وكذلك فتح المدارس وتعديلات فى مجال الإدارة، حيث استبدلت بريطانيا الشيوخ الذين عينتهم إيطاليا، فشكلت لجانا باختيار القبائل لإستشارتهم فى مجال الإارة، كما قاموا بتكوين مجالس محلية فى المناطق والمحافظات، إضافة إلى تأسيس الأحزاب السياسية. [11]

هذا وإن كانت هذه الإصلاحات  تبدو مهمة إلا أن أكثرها كان رمزيا، وأهم إنجاز يمكن الإشارة إليه هو ظهور الأحزاب السياسية فى البلاد فى عهدها حيث كان ذلك غير مسموح به فى عهد إيطاليا.

لقد كانت بعض الأقاليم الصومالية تحت الإستعمار البريطاني قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وعادت إليها بعد طرد إيطاليا من الصومال وهذه الأقاليم لم تستفد من عودة بريطانيا شيئا يذكر، أما الإقاليم التى لم تكن سابقا تحت سيطرة بريطانيا والتى كانت تستعمرها إيطاليا فقد رحب سكانها بقدوم بريطانيا وطرد إيطاليا منها، وذلك لشدة قساوة النظام الإيطالي وديكتاتوريته، إضاة إلى ذلك فإن الشعب الصومالي كان يتابع ويسمع المبادئ التى ينادى بها الحلفاء من حرية وحق تقرير المصير، ولذلك رحبوا بقدوم الحلفاء وخاصة بريطانيا. ولقد استفاد الشعب من وجود البريطانيين فى البلاد، حيث وجد قدرا من الحرية مما أدى إلى تكوين الأندية، وبدأ الناس يتكلمون فى كل مكان عن الحرية والإستقلال وحقوق الإنسان، وكانت الظروف تحتم على بريطانيا تنفيذ مطالبهم لأنها (أي هذه المطالب) تستند على ما فى أيدى الشعب من وثائق إنجليزية تعدهم بالحرية وتقرير المصير عقب طرد الإيطاليين من صوماليا، وتساءل الناس: لماذا لا ننال حريتنا؟ هل حل بنا استعمار بدل استعمار؟ نريد حقوقنا… وأمام مطالب الشعب الصومالي وأمام الشعور القومى المتدفق نحو الحرية و الإستقلال خضعت بريطانيا لمطالب الشعب بتكوين أندية ثقافية واجتماعية. [12]

كما أصدرت بريطانيا دستورا لتحكم البلاد حكما ديمقراطيا، وغيرت معاملتها السيئة والتى كانت تطبقها فى البداية، وسمحت بالنشاط السياسي الذى كان الصومال محروما منه، فتكونت الأحزاب التى كانت مفقودة فى عهد الإستعمار الإيطالي إذكان الصومالي لا يستطيع أن ينطق بما يخالف النظام الإيطالي. [13]

وهكذا كان للحرب تأثيرها  فى مجرى الأمور فى الصومال، ورغم أن البلاد تحولت من استعمار إلى استعمار إلا أنها خرجت من ديكتاتورية وكبت سياسي إلى الإنفتاح السياسي بسبب ما ظهرت بعد الحرب من مبادئ الحرية والمساواة، إضافة إلى ذلك كان من تأثيرها أن لفتت هذه الحرب أنظار العالم إلى الموقع الإستراتيجي سياسيا واقتصاديا وعسكريا لمنطقة القرن الإفريقي ومن ضمنها الصومال.

المراجع 

*  مركة مدينة قديمة ساحلية تقع قرب مقديشو من الجنوب.

[1] . عبدالله حسن سعيد، نضال شعب مركة، رسالة تخرج، (باللغة الصومالية) جامعة لفولى الوطنية، 1977م، مقديشو، ص: 16.

[2] . أحمد برخت ماح، المرجع السابق، ص:244 – 245.

*  ولد الشيخ عبد أبيكر في شبيلى السفلى عام 1852م، وقد حرص منذ الصغر على تعلم العلوم الدينية وحفظ القرآن، وعند قدوم المستعمرين كان الشيخ ممن أعلن الثورة ضدهم وقام بدعوة الجهاد، فلبى الصوماليون دعوته، وبهذا قاد الشيخ عبدي ابيكر الحركة البنادرية المسلحة ضد الاستعمار الإيطالي زهاء ربع قرن من الزمان (1888-1908) ورغم جهاده ومقاومته الشديدة إلا أن إيطاليا استطاعت القضاء على حركته ولم تتمكن مواصلة مقاومته، ثم توفي في قرية بكاد عام 1922م.

[3] . نفس المرجع، ص: 246.

[4] . عبد الله حسن سعيد، المرجع السابق، ص: 246.

[5] . أحمد برخت ماح، المرجع السابق، ص:  246.

[6] . محمد حاج مختار حسن ، المرجع السابق، ص:2.

[7] . Mohamed Farah Aided. Dr. Satya Pal Ruhela. Somali Civilization From Down To the Modern Times Kay-Kay printers Delhi, 1994, p: 67

[8]www.historyofnations.net/Africa/Somalia

[9] . محمد إبراهيم محمد (ليقليقتو)، المرجع السابق، ص: 99.

[10] أنظر. www.country-studies.com/somalia/british-militaryadministration.html:

[11] . ظر. www.country-studies.com/somalia/british-militaryadministration.html:

[12] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 271.

[13] . جامع عمر عيسى، المرجع السابق، ص: 205.

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى