تدخلات إثيوبيا في الصومال.. جذور الخلافات وتطورات المشهد

أسماء عبد الفتاح

استياء عام يسود الصومال بعد توغل قوات إثيوبية داخل أراضي الدولة في مدينة بوهودلي بمحافظة صول شمال الصومال للقبض على معلم خلوة قرآنية في هذه المدينة، وأفادت الأنباء المتعلقة بهذا الأمر أن هذه القوات فشلت في محاولتهم للقبض على المعلم حيث فر من المدينة بعد دخولهم، وذكر عبد الرحمن عبد الله أحمد أفوينى من مسئولي ولاية بونت لاند في حديثه إلى إذاعة صوت أمريكا بأن القوات الإثيوبية كانت تستهدف معلم خلوة قرآنية في المدينة للقبض عليه.

هذه ليست المرة الأولى التي تتوغل فيها قوات إثيوبية إلى الأراضي الصومالية، حيث تدخل القوات الإثيوبية إلى الداخل الصومالي لتنفيذ العمليات التي تريد تحقيقها بدون أي تخوف من أي طرف كان، حيث أن الدور الإثيوبي في الصومال كان له محور خاص داخل الأراضي الصومالية منذ فترة بعيدة كانت تمارسه إثيوبيا على مؤسسات السلطة الاتحادية الانتقالية الصومالية، وعلى قادة الفصائل المسلحة، وهو النفوذ الذي يهدف بطبيعة الحال لتعزيز المصالح الإثيوبية في الصومال.

عبر هذه الوضعية عن حالة استثنائية في العلاقات الدولية، وهي حالة دولتين متجاورتين تتسم علاقاتهما بعداء تاريخي مستحكم بسبب النزاعات الحدودية والموروثات التاريخية، لاسيما النزاع على إقليم الأوجادين، إلا أن واحدة منهما (إثيوبيا) تستطيع أن تستغل ظروف الانهيار والفوضى في الأخرى (الصومال) لصالحها، بل ونجاح إثيوبيا في الحصول على اعتراف دولي وإقليمي لهذا الدور الذي تمارسه في الصومال، بزعم أن هذا الدور يصب لصالح تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد.

تعود جذور هذا الوضع إلى أن كلاً من الصومال وإثيوبيا عانتا من حرب أهلية ضارية في عقد الثمانينات من القرن الماضي، شكلت خلالها جماعات المعارضة المسلحة تهديداً جسيماً لنظامي الحكم في الدولتين آنذاك، وقام كل نظام منهما بتقديم الدعم لجماعات المعارضة المناوئة للآخر، إلا أن هذا الوضع انقلب تماماً بعدما تمكنت الجبهة الثورية لتحرير شعوب إثيوبيا بقيادة ميليس زيناوي من الإطاحة بنظام منجستو في مايو 1991، ونجحت في تثبيت سيطرتها على الحكم في إثيوبيا، بينما أنزلق الصومال إلى هوة الانهيار والفوضى عقب نجاح جماعات المعارضة في الإطاحة بنظام سياد بري في يناير 1991، مما خلق حالة من التباين الكلي في مسارات التطور السياسي في البلدين لصالح إثيوبيا

أدى اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، وانهيار الدولة بها عقب سقوط نظام سياد بري في عام 1991، إلى انعدام الاهتمام تماماً بمسألة الأوجادين في حركة التفاعلات السياسية الصومالية، بعدما بات الاهتمام منصباً على إنهاء الحرب الأهلية والحفاظ على كيان الدولة الصومالية ذاتها، بعدما أعلنت المناطق الشمالية استقلالها من جانب واحد عبر إعلان قيام ما يعرف بـ “جمهورية أرض الصومال” ، فضلاً عن إعلان مناطق أخرى داخل الصومال، مثل بلاد بونت وبلاد جوبا، الحكم الذاتي الإقليمي في إطار الدولة الصومالية، مما حول مسألة الأوجادين إلى قضية ثانوية أو قضية مؤجلة في قائمة اهتمامات الصوماليين.

 

 لا يعني ذلك بالضرورة أن قضية الأوجادين قد باتت في طي النسيان من جانب كافة القوى السياسية الصومالية، بل أنها على العكس برزت بقوة في فترة ما بعد بروز المحاكم الإسلامية كقوة رئيسية مهيمنة على الساحة الصومالية، ولكن التطور الأبرز جاء مع نشأة جماعة الاتحاد الإسلامى فى أوائل الثمانينات  كتنظيم سياسى ـ عسكرى يهدف إلى إقامة دولة إسلامية موحدة فى الصومال ومنطقة الأوجادين فى إثيوبيا، ولم تقتصر عمليات هذه الجماعة على الساحة الصومالية فقط، ولكنها امتدت إلى إثيوبيا، كما شاركت فى بعض العمليات التى أعدها ونفذها تنظيم القاعدة فى فترات لاحقة، وترى بعض التحليلات أن حركة الاتحاد الإسلامى لم تكن صومالية الأصل، وإنما تشكلت بالأساس من جانب بعض صوماليي إقليم الأوجادين، بهدف تحقيق الحلم التاريخي بإنشاء دولة الصومال الكبير، على أساس مرجعية إسلامية.

عتبر المصادر الإثيوبية جماعة الاتحاد الإسلامي تهديداً مباشراً لإثيوبيا، لأنها ـ أي الجماعة ـ تعتبر إثيوبيا مسئولة عن تمزيق الصومال الكبير، وتمثل عقبة أساسية فى سبيل تحقيق الوحدة بين الأقاليم الصومالية، وترى أن إيديولوجية الاتحاد الإسلامي تقوم على أن نظم الحكم العلمانية التي تولت السلطة في الصومال بعد الاستقلال ـ المدنية والعسكرية ـ فشلت في تحقيق الوحدة، بل وتسببت بسياساتها الفاشلة في تمزيق الدولة الصومالية ذاتها، التي تتألف من جزأين فقط من الأجزاء الخمسة للصومال الكبير، مما يعني ـ من وجهة نظرها ـ أن الإسلام وحده هو القادر على تجميع شتات الحركة الوطنية الصومالية، وهو الوحيد الذى يمكنه أن يوحد جهود الصوماليين حول هدف الوحدة وإقامة الصومال الكبير، كما اعتمدت السياسة الإثيوبية إزاء الصومال على نوعية محددة من الأدوات من أجل تحقيق أهدافها على الساحة الصومالية، تركزت بالأساس في الأداتين السياسية والعسكرية، وإن تباينت أشكال توظيف كل أداة من هاتين الأداتين، حسب تطور الأوضاع السياسية في الصومال، وحسب موقف حكومة أديس أبابا إزاء كل تطور من تلك التطورات.

اتسم الدور الإثيوبي إزاء المسألة الصومالية، من الناحية السياسية، بعدد من الخصائص المترابطة التي تصب جميعها في اتجاه الهيمنة الكاملة على حركة التفاعلات السياسية الصومالية، عبر التركيز على ثلاث عناصر رئيسية تتمثل في: التحكم في مخرجات عملية المصالحة الوطنية الصومالية، وتشجيع الحركات الانفصالية داخل الصومال، وضبط موازين القوى بين الفصائل الصومالية المتصارعة.

المصدر- موقع البديل

زر الذهاب إلى الأعلى