عندما نستمع إلى أصوات بعض السياسيين، ونداءاتهم عبر وسائل الإعلام، يتسلل إلى قلوبنا شعور عميق من الحرقة، والقلق تجاه حال البلاد، ونعبر عن تصميمنا في أن نضع الحبر على الورقة لنؤكد أن مثل هذا الخطاب لا يلامس هموم الشعب اليومية، ولا يعكس الواقع المعاش، ولا يلبي تطلعات الأجيال الجديد.
في كل مرة تقترب الانتخابات في الصومال، يتكرر السيناريو الذي أصبح مألوفًا في أذهان الشعب، حيث تُرفع شعارات التفرقة بدلاً من الدعوة للوحدة الوطنية، وتتحول الخطابات السياسية إلى ساحة لزرع الانقسامات القبلية والفئوية. يزداد التوتر مع اقتراب موعد الانتخابات، ويجد المواطنون أنفسهم مجددًا أمام سياسات تركز على تعزيز المصالح الشخصية للسياسيين بدلاً من السعي نحو مصلحة الوطن والشعب. إذا كانت هناك محكمة دستورية في البلاد، لكان من الممكن محاسبة هؤلاء السياسيين الذين يعيثون في البلاد فرقة، ولكن في ظل غياب القضاء المستقل، يستمر السياسيون في ترسيخ الانقسامات على حساب وحدة الشعب.
تعيش الصومال في فترة انتقالية مستمرة منذ عقود. وتعاني البلاد من صراعات داخلية أثرت سلبا على استقرار النظام السياسي، وجعلت من الصعب بناء مؤسسات سياسية مستقلة وفعالة تضمن استقرار الدولة.
في هذا السياق، تتزايد المخاوف مع اقتراب الانتخابات، حيث يستغل السياسيون هذه الفرص لتحقيق مصالحهم الضيقة، دون مراعاة للمصلحة الوطنية، ورغم أن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون فرصة لبناء دولة قوية وديمقراطية، فإن الواقع يثبت العكس؛ يغيب الاهتمام بالوحدة الوطنية لصالح تكريس الفئوية والقبلية.
تستمر الانتخابات في الصومال كمجرد ساحة صراع على السلطة، بعيدًا عن إرادة الشعب وذلك لسببين رئيسين : الأول هو غياب المحكمة الدستورية . وفي ظل غياب المحكمة الدستورية المستقلة، تصبح القرارات السياسية عرضة للضغوط الشخصية والفئوية، ما يزيد من تآكل المؤسسات ويفاقم حالة عدم الاستقرار. وإن غياب الرقابة القضائية المستقلة يعني أن الشعب الصومالي يظل في حالة من الإحباط، وتبقى الوعود الانتخابية مجرد كلام فارغ، ولا تتحقق التغييرات التي طالما انتظرها.
أما السبب الثاني هو التيارات السياسية. فالسياسيون، بدلاً من التركيز على خدمة الوطن، ينشغلون بتحقيق مكاسب شخصية، ما يعمق الأزمة السياسية، ويقوض ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية، ويحول الانتخابات إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات الفئوية.
من أبرز التحديات التي تواجه البلاد اليوم هو غياب الثقة بين الفئة السياسية والمجتمع المدني، حيث تتعالى الأصوات الخائفة من أن تستخدم الانتخابات كأداة لتحقيق مكاسب شخصية بدلاً من أن تكون فرصة حقيقية للتغيير، هذا الوضع يجعل الانتخابات تتحول إلى مجرد صراع بين القوى السياسية، يعزز الانقسامات الداخلية بدلًا من توحيد الشعب. فالسياسيون يسعون لتكريس المحاصصة القبلية والتمسك بالسلطة بأي ثمن، وهذا الأمر يساهم في تعزيز الهيمنة السياسية على حساب الاستقرار الاجتماعي والعدالة.
وفي ظل هذه الأوضاع، لا بد أن يدرك السياسيون في الصومال أن التفرقة هي العدو الحقيقي للبلاد، وأن الدولة الضعيفة أفضل من أن تعيش البلاد في دوامة التفكك والانقسامات. لذا يجب أن تكون الأولوية للإصلاحات القضائية والسياسية، وخاصة بناء محكمة دستورية مستقلة، التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية وتحمي حقوق الشعب.
وفي ذات الوقت، لا يمكن أن نتجاهل التدخلات الخارجية التي تراقب الوضع الداخلي عن كثب. بعض القوى الأجنبية ترى في حالة الانقسام فرصة لتحقيق مصالحها الخاصة، والاستيلاء على ثروات البلاد الطبيعية، تلك القوى لا تكترث للانقسامات الداخلية بقدر ما تهمها الموارد التي يمكن نهبها إذا استمرت الصومال في حالة ضعف.
خلاصة القول: – إن الصومال لن تجد طريقها إلى الاستقرار والعدالة ما لم يتجاوز السياسيون مصالحهم الشخصية والفئوية، ولم يضعوا مصلحة الوطن والشعب في المقدمة. لا بد من إصلاحات حقيقية في النظام القضائي والسياسي لضمان نزاهة الانتخابات، وتعزيز الوحدة الوطنية. يجب أن يدرك السياسيون أن الصومال ليست فريسة لصراعات داخلية فحسب، بل هي أيضًا هدف لقوى خارجية تسعى إلى تقسيمها ونهب مواردها. الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد لحماية البلاد من هذا الاستغلال وضمان مستقبل آمن لشعبها.





