قبل كل شيء، قد يتساءل القارئ عن الفرق بين “الاستقلال” و”الحرية”. بعد أن نذكر تعريفهما وفروقهما، سنتطرق إلى صلب المقال.
أولاً: الحرية والاستقلال مصطلحان متقاربان لكنهما ليسا مترادفين. الحرية تعني قدرة الفرد على اتخاذ قراره الخاص دون قيود. بينما الاستقلال يتعلق بقدرة الدولة أو الكيان على العقل والتنفيذ دون تبعية للخارج. وهذا هو الفرق الجوهري.
الصومال، من هذه الزاوية، تتمتع بحرية شكلية يُحتفى بها كل عام، لكنها منذ سقوط الدولة المركزية فقدت استقلاليتها الحقيقية وأصبحت تحت وصاية الخارج التي “لا تُسمن ولا تُغني من جوع”. حتى أن المرء ليصدق أن لا مسؤول في الانتخابات الرئاسية إلا وراءه دولة أجنبية تدعمه.
وقد أجاد الشاعر الصومالي المعروف مصطفى شيخ علمي في وصف هذا الواقع بمقولته الساخرة:
“Maslaxaddeeni ajnabi haddii maanta laga sugaan uun ismaamuli karin baa nahayee wallee magaciin ba’yee waleen magaceen ba'”
ومعناها:”إذا انتظرنا أن يبني لنا الأجنبي مستقبلنا، فقد ضعنا وفقدنا هيبتنا، ولم يبق لنا سوى الاسم فقط”.
الصومال، ذلك البلد في القارة الأفريقية والمطل على القرن الأفريقي، يعاني من أزمات متلاحقة منذ حصوله على الاستقلال الشكلي عام 1960. فهل الاستقلال حقيقة واقعة أم هو وهمٌ كبير؟
سأحاول الإجابة على هذا السؤال. كل سنة نحتفل بما يسمى”أسبوع الاستقلال” في جميع أرجاء الصومال في شهري يونيو ويوليو، تتعالى فيه الأناشيد الوطنية ويهنئ الناس بعضهم بعضًا. ولكن أين هي الحرية والاستقلال الحقيقيان؟ وما هي الحرية أصلاً؟
تقول الكاتبة فاطمة مشعلة: “الحرية هي قدرة الفرد دون إجباره على اتخاذ قرار… هي التحرر من الضغوط والقيود”. انطلاقًا من هذا التعريف، ليست في الصومال استقلالية كاملة، والواقع المؤلم يرفض ذلك الاحتفال.
وهناك حكمة تقول: “من لا يملك قوته لا يملك قراره”. وأنا أقول: “من لا يملك قراره لا يملك استقلالية تامة”. والاستقلال التام يتطلب تحررًا كاملاً في كل مجالات الحياة: أمنًا واقتصادًا، سياسة وحكمًا، ثقافة وتعليمًا، صحة ونهضة. ولا يمكن تفصيل كل هذه الأمور في مقال واحد، لكن الواقع المرير الذي نعيشه منذ ربع قرن يثبت عكس ذلك.
وإليك بعض النقاط في جانب الأمن والسياسة التي تثبت فقدان الاستقلال:
- لا توجد قوة عسكرية موحدة قادرة على حماية البلاد.
- يوجد بدلاً من ذلك جيوش أجنبية تحت مسمى “بعثة حفظ السلام” التابعة للاتحاد الأفريقي.
- المجتمع منقسم على أساس قبلي.
- انعدام الأمن بمختلف أنواعه، بما في ذلك الأمن الغذائي.
- سيادة الوطن ليست بيد قادته، بل تحت سيطرة القوى الأجنبية.
- غياب سياسة ثابتة تُسهم في ازدهار الوطن.
- إقتتال داخلي بسبب النعرات القبلية.
- دور المثقفين والمصلحين معدوم في الساحة السياسية بسبب هيمنة النظام القبلي والفساد والمحسوبية.
أما اقتصادياً، فمع أن البلاد غنية بثرواتها الطبيعية من بحار وأنهار، إلا أن الشعب يعيش تحت خط الفقر نتيجة سوء إدارة الثروات وغياب العدالة.
الخلاصة: الشعب الصومالي يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة من ماء وطعام وصحة وتعليم.
فأين الحرية والاستقلال إذن؟! هل نحتاج إلى تحرير أنفسنا ووطننا مرة أخرى؟ أم أننا نعيش استقلالاً تامًا لا نحتاج معه إلى تحرير؟ أترك الجواب للقارئ الألمعي.
✍✍عبدالرحمن معلم عبدالله دلحر