قضية الهجرة من الوطن

الهجرة الدينية مشروعة حتى يوم القيامة، وهي الانتقال من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين. أما الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ: “لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا”،متفق عليه فمعناه عند أهل العلم: لا هجرة من مكة بعد فتحها، لأنها أصبحت دار إسلام، وليس المقصود نفي الهجرة مطلقًا. 

وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على هجرة الشباب (أو ما يُسمى بالتهريب)، دوافعها، وبعض الحلول المقترحة. 

لماذا يهاجر الشباب من بلد مسلم إلى بلد كافر؟ 

نحن أمام مفارقة عجيبة: 

– بلد مسلم 100% في قيادته وشعبه، لكنه لا يصلح للعيش؛ حيث ينعدم فيه الأمن، وتغيب فرص العمل والتعليم، وتتدنى الخدمات الصحية. 

– بلد كافر 100%، لكنه يوفّر حياة كريمة مع توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية المتطورة. 

فما السبب؟ 

يقول الله تعالى: 

{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ} [النجم: 39-40]. 

ويقول سبحانه: 

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. 

الله تعالى هو العادل الحكيم، والخير والشر بيده، لكن تدبير شؤون الدنيا موكول إلى البشر. فكما أن السائق الماهر يقود سيارته بسلام، فإن السائق الجاهل يعرّض نفسه والآخرين للخطر. 

أسباب هروب الشباب من أوطانهم 

معظم الدول الفقيرة (خاصة في أفريقيا) تعاني من: 

1. غياب الدولة الفاعلة: فالحكومة عاجزة عن توفير الأمن والصحة والتعليم، كما في الصومال. 

2. التقسيم القبلي والعنصري: الذي يحول دون الوحدة والتقدم. 

3. انخفاض الوعي المجتمعي: حيث يسيطر الجهل والعصبية على القرارات. 

4. فساد النخب: فالمسؤولون ينهبون المال العام ولا يشعرون بمسؤولية تجاه الشعب. 

5. تقصير العلماء والدعاة: بعضهم يهمل قضايا الوطن، بل يتهم من ينادي بالإصلاح بالكفر! 

6. النفاق في الخطاب: يتحدث البعض عن “حرمة الهجرة غير الشرعية”، لكنه يتجاهل الأسباب التي تدفع الناس إليها! 

7. المحسوبية في التوظيف: تُمنح الوظائف للأقارب والأتباع، لا للأكفاء. 

8. انعدام الأمن: خاصة في المناطق التي تنتشر فيها الصراعات. 

النتائج المأساوية 

– يهاجر الشباب المتعلم (مستقبل الأمة) إلى الغرب، بحثًا عن حياة كريمة. 

– تُترك البلاد في فراغ، بينما يُحاكم المهاجرون غير الشرعيين (الضحايا) بدل محاسبة الفاسدين! 

قصة العجوز الصومالية 

انتشر مقطع مؤلم لامرأة في ستينات من عمرها في محكمة بنادر، تشكو من نهب أموالها بعد محاولتها الهروب إلى جزيرة “مايوت” الفرنسية. فلماذا تخاطر هذه العجوز بحياتها؟ لأن وطنها لم يعد يوفر لها حتى الحد الأدنى من العيش الكريم! 

الخاتمة 

– لا حاجة للهجرة لو وُفرت حقوق المواطن الأساسية. 

– لا معنى للوطنية إذا انعدمت مقومات الحياة. 

والحل ليس في منع الهجرة، بل في إصلاح الأسباب التي تدفع الناس إليها. 

قال تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا  إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6]. 

والله غالب على أمره. 

✍ *عبدالرحمن معلم عبدالله (دلجر)*

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى