الأيديولوجيات الإرهابية وأضرارها المباشرة على المجتمع الصومالي بالمنظور الأمني

عقب إنهيار لأي نظام في دولة ما يورث أهلها ويلات متعددة، مثل: الحروب، وانتشار المجاعة والأمراض، وانعدام الخدمات الإجتماعية إلا أن أضرار الأيدولوجيات الإرهابية تمثل أخطر تلك التداعيات على أي مجتمع يعاني من غياب القانون والنظام.

منذ الإطاحة بالنظام المركزي  برئاسة اللواء- محمد زياد بري، وانهيار مؤسسات الدولة، ظل المجتمع الصومالي عرضة لحروب متعددة الدوافع والأهداف، وإن الإرهاب بات يهدده بأيدولوجية وأفكار دخيلة لا تقل خطورة عن الأسلحة التي يستخدمها من رشاشة، وقنابل، وألغام، وقذائف.

تغلغلت  الأيدولوجية الارهابية  في شرائح من المجتمع الصومالي لخلق جيل متطرف ينفرد بأفكاره الإرهابية وعقيدته الفاسدة،  الأمر الذي انعكس سلبا على حياة الصوماليين تقليديا وعقديا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، إضافة إلى تأثيره السلبي المباشر في مسار التعاون المشترك والمتبادل بين المجتمع الصومالي والشعوب الأخرى.

ولمواصلة موضوعنا  علينا الوقوف حول مفهوم الإرهاب وماهيته وأضراره.

 مفهوم الإرهاب

ليس هناك إجماع عالمي على تعريف الإرهاب، إذ تستخدم العديد من الأنظمة القانونية والوكالات الحكومية تعاريف متغايرة الألفاظ، وكانت لدى الحكومات ممانعة لتكوين تعريف متوافق عليه ومترابط قانونيا؛ لأن المصطح أصبح مشحونا سياسيا وعاطفيا. وربما يؤكد ذلك قول(أنغوس مارتين) الذي هو عضو في البرلمان الأسترالي في بحثه المختصر حول هذا الموضوع ” أن المجتمع الدولي لم ينجح أبدا في تطوير تعريف مقبول ومفهوم للإرهاب “

ولم تنجح محاولات أجريت من قبل جمعية الأمم المتحدة لوضع تعريف مناسب ومتوافق عليه، ونذكر من تلك المحاولات: إتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب،  إثر إجتماع انعقد في نيويورك في 9/كانون الأول/ ديسيمبر/ 1999/م والدي  أكد فيه أغلب الأعضاء على أن الإرهاب هو: كل عمل يهدف الى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر، أو إصابته بجروح بدنية جسيمة، أوتخويفه، عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح.

وبما أن ذلك لم يكن تعريفا رسميا حصل على ملازماته القانونية فإنه كان أقرب تعريف مطابق لمعنى الإرهاب.

وقد تعرف بعض الأنظمة على الإرهاب: تخويف السكان أوالحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف، وقد يؤدي إلى الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن،  لأجل النيل عن أغراض دينية أو سياسية أو إقتصادية.

الإرهاب وأضراره على المجتمع

أولا: المجال العقدي

لقد نشط الإرهاب في قطاع الدعوة والتعليم في الصومال دون فصل بين المساجد والمدارس الأساسية والثانوية وخلاوي القرآنية، وسلب إداراتها بقوة السلاح، واستخدمها كمراكز لعملياته المتطرفة، وفرض على المجتمع تطبيق مقرراته الدراسية المؤيدة لأفكاره المنحرفة، وتأليب المسائل الخلافية لتمزيق وحدة المجتمع إسلاميا، وهز الثقة بين مكونات المجتمع، إلى جانب تجنيده الإجباري للصغار، بينما الآخرون ينضمون إلى معسكراته بدافع اليأس، معتقدين أن الجماعات المسلحة تقدم أفضل فرص لهم للبقاء أحياء.

وبينما يعتبر الجانب الديني العمود الفقري الذي يعتمد عليه المجتمع الصومالي، فقد صار أهم مدخل إستغل الإرهاب منه للإستيلاء على المجتمع الصومالي أيدولوجيا.

ومما لا غبار عليه أن الإرهاب بادر لتهديد الجانب الصحي والإحتكاك بخدماته الشحيحة، فقتل أفرادا من الأطباء من بينهم أجانب، وطرد كثيرا من المنظمات الصحية المحلية والعالمية، كما فرض على المستشفيات والعيادات الأهلية عقوبات مالية يصعب سدادها.

وهذه التصرفات الفجة وللأخلاقية التي يمارسها الإرهاب أدت إلي التسرب المدرسي والانقطاع التعليمي، وترك العلماء عن مهامهم الأساسي لبيان الحق، إثر تعرضهم لقتل عشوائي وتهديد لحياتهم. كما أسفر ذلك عن إنحلال الرابط العقدي بين المجتمع الصومالي، مما آل أخيرا إلى إنهيار القطاعات الدعوية والتعليمية والصحية في المناطق التي تخضع لسيطرته.

ثانيا: العادات والتقاليد

قبل التطرق إلى هذه الفقرة،  ينبغي الإشارة إلى أن المجتمع الصومالي كانت له عادات وتقاليد وراثية يتميز بها عن غيره من المجتمعات عبر التاريخ، إذ كانت تحدد تلك العادات والتقاليد أهم أساليب الحياة للمجتمع، من بينها الضيافة، والزواج، وعلاقات حسن الجوار، والحفاظ على التعايش السلمي وتبادل الإحترام.

وبعد وصول الإسلام للصومال والإعتناق به، أعطى المجتمع الصومالي أولويته لتعاليم الإسلام وترك كل ما يتعارض بمبادئ الإسلام من العادات والتقاليد. ومما يجدر بالذكر أن شيوخ العشائر كانو يتمتعون بشعبية كبيرة لدى المجتمع الصومالي في السيادة والمواقف.

وفور ظهور الإرهاب في الصومال طفق ينتهز من هذه المهمة ، وبدأ يستهدف شيوخ العشائر عبر تقويض مهامهم، وإلحاق الضرر بهم ، وتركهم ما بين قتيل ومعذب في السجون، ومطرود من مناطقه، لفرض العشائر على  أيدولوجياته وأفكاره الفتاكة. علاوة على تنصيب نقباء إنتهازيين حاملين أفكارهم المنحرفة لسيادة المجتمع ما أدى إلى الإلتباس في دور الأعيان والإنفصام لقيم المجتمع.

ثالثا: في المجال السياسي

لقد تشكلت الجماعات الإرهابية في الصومال في وقت كان يمر الشعب الصومالي بظروف قاسية، وينشغل المجتمع الدولي ومنظمة الإتحاد الإفريقي في إنهاء هذه الظروف عبر تنظيم مؤتمرات المصالحة الوطنية، وبناء الدولة ومؤسساتها وهيئاتها، إلا أن أفكار الإرهاب أصبحت حاجزا أمام الجهود والمساعي الدولية، وذلك ما أدى إلى نشوب حروب طاحنة بين الشعب الصومالي والقوات الوطنية المدعومة من قبل بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام من جهة؛ والعصابات الإرهابية من جهة أخرى.

 ورغم الجهود الهائلة التي تقوم بها المؤسسات الحكومية لإنفاذ النظام والقانون وإيصال الخدمات الحكومية إلى جميع مناطق الصومال إلا أن  الإرهاب لا يزال يمارس سياسات تتنافى مع قيم المجتمع الصومالي ويحاول إبقاء المناطق التي تخضع لسيطرته في براثين الجهل والفوضى، وهذا دليل واضح بأنه يرغب في استمرار الحروب والأزمات التي يعاني منها المجتمع الصومالي؛ لأن أفكاره تحتم عليه ذلك.

رابعا: في المجال الإقتصادي

أن الشعب الصومالي كان يعيش في إنحلال شامل خلال ربع القرن الأخير فأكثر، إلا أنه مع ذلك لم يزل يعتمد على الاقتصاد المحلي من رعي المواشي والتجارة والزراعة والتنقيب عن الذهب، إلى درجة تصل صادرات البلاد من هذه الأصناف إلى العديد من  البلدان في العالم .

ومع أنني ألقي الضوء على هذا الأمر بأسلوب أمني، فإن العناصر الإرهابية بدأت سرعان ظهورها تبتز أموال الشعب بكل طريقة وبشكل عشوائي الأمر الذي أعاق المجهودات الشعبية في المجال الاقتصادي.

 ومن أهم أساليبهم الواضعة لإيقاع أموال المجتمع في أيادهم ما ادعو (بالزكوات ) التي لا تمت للإسلام الا بالإسم ، وقد أوضح العلماء أن هذه الخطة مناهضة للشريعة الإسلامية وما هي إلا إستراتيجية تهدف لاستباحة أموال المجتمع. ولم يكتف الإرهاب باستلاب أموال المواطنين بهذه الخطة فحسب، بل فرض على شركات الإتصالات، والمنشآت النقدية للصرافة والحوالات، ومؤسسات الطاقة الكهرباء، والمحلات التجارية الكبرى، والبضائع المتنقلة بين المناطق، وسائل النقل، وحتى الممتلكات العقارية، مثل المباني السكنية،والمزارع، والأراضي، غرامات مالية، شهرية وسنوية، إلى جانب مؤاخذات حتمية على رؤوس الأفراد والأسر، مع العلم  أن هذه الغرامات خارجة عن الطاقة والإمكان.

النقيب: علي حسن بيحي

عسكري صومالي وباحث في الشؤون الأمنية

Biixi.023@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى