داعش في الصومال .. إلى يتجه التنظيم؟

ملخص المقال
تعد الدولة الإسلامية النتاج الأهم لتنظيم القاعدة والخصم الأكبر في الوقت ذاته، نشأت الدولة الإسلامية من تنظيم القاعدة في العراق، حيث كان كلّ من الأهداف والأعداء والتكتيكات الحربية لكلتا المجموعتين جزءًا من الحركة الجهادية الأوسع التي سعى تنظيم القاعدة منذ وقت طويل إلى توحيدها وقيادتها في الوقت نفسه، انفصل تنظيم الدولة الإسلامية بعنف عن تنظيم القاعدة في أواخر عام 2013م، منافسين بذلك تنظيم القاعدة حول قيادة القضية الجهادية وممارسين لبعض التكتيكات التي قد تأتي بنتائج عكسية على الحركة ككل، يقدم هذا المقال نظرة تحليلية مختصرة حول وضع تنظيم داعش في الصومال، من حيث النشأة، والانتشار والعوامل المؤثرة على مستقبل التنظيم، مع استعراض السيناريوهات المحتملة التي قد يتجه إليها خلال السنوات المقبلة.

مختصر عن تاريخ الدولة الإسلامية

الدولة الإسلامية أو باسمه السابق الدولة الإسلامية في العراق والشام أو باختصار داعش، هو تنظيم مسلح يتبع الفكر السلفي الجهادي، تأسس في العراق عام 2003م على يد الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي تحت اسم “جماعة التوحيد والجهاد” وتطور لاحقا ليعرف ب “الدولة الإسلامية في العراق والشام”
لقد أعطى بن لادن الزرقاوي أموالا مبدئية ليؤسس تنظيمه، لكن الزرقاوي في البداية رفض أن يقسم بالولاء لبن لادن، حيث أنه شارك بن لادن في بعض الأهداف فقط وأراد أن يبقى مستقلا، وبعد أشهر من المفاوضات أعلن الزرقاوي الولاء لأسامة بن لادن، وفي عام 2004م اتخذت مجموعته اسم القاعدة في العراق للدلالة على هذا الارتباط بذلك، حصل بن لادن على منظمة فرعية في أكثر مسارح الجهاد أهمية وخلال الوقت الذي كان فيه جوهر تنظيم القاعدة على وشك السقوط، حيث تلقى الزرقاوي احترام القاعدة وتوصياتها لتعزيز شرعيته( ).
على الرغم من ذلك تخاصمت جماعة الزرقاوي في أيامها الأولى مع قيادة تنظيم القاعدة، ودفع الظواهري وبن لادن إلى التركيز على الأهداف الأمريكية، في حين أكّد الزرقاوي على الحرب الطائفية والهجمات على المسلمين السنة الذين اعتبروهم مرتدين، مثل أولئك الذين تعاونو مع النظام العراقي الذي يقوده الشيعة، وانتقذ الظواهري ذلك التصرف في مراسلات سرية استولت عليها القوات الأمريكية: حيث سأل الزرقاوي ” ماهو سبب قتل الشيعة العاديين باعتبارهم مغفور لهم بسبب جهلهم”؟، وأشار إلى أن هذا كان يصرف الانتباه عن استهداف الإمريكيين( ).
لقد تصرف الزرقاوي وأتباعه أيضا بوحشية لاتصدق، وضعوا اسما لهم بنشر مقاطع فيديو لقطع الرؤوس – وهو تكتيك تستخدمه المنظمة اللاحقة أيضا لتوليد الصدمة ونشر الدعاية – على الرغم من شكوك الظواهري، بدأت استراتيجية الزرقاوي تعمل بشكل جيد، حيث شن تنظيم القاعدة في العراق تمردا واسعا وسيطر لعدة سنوات على بعض المناطق السنية هناك.
أخيرا، وعلى الرغم من أن العنف العشوائي لتنظيم القاعدة في العراق ضد السنة العراقيين قد دفعهم إلى الاستياء والخوف من المجموعة، مما أدى إلى رد فعل عنيف، عندما اقترن بزيادة القوات الأمريكية في العراق التي بدأت في عام 2006م بهجوم شديد ضد تنظيم القاعدة في العراق، عندما اندلع النزاع السوري في عام 2011م، عمل الظواهري وغيره على حث الجهاديين العراقيين على المشاركة في هذا الصراع، وأرسل البغدادي في البداية أعدادًا صغيرة من المقاتلين إلى سوريا لبناء منظمة هناك، كان أحد هئولاء المقاتلين يدعى أبو محمد الجولاني، الذي سينتهي به المطاف إلى تأسيس حبهة النصرة وهي مجموعة بدأت كحليف للبغدادي لكن انتهى بها الأمر بالانقلاب ضده( ).
كانت سوريا في حالة من الفوضى مما ساعد الجهاديين العراقيين على انشاء قواعد آمنة للعمليات هناك، وبدأو بجمع الأموال وكسب المجندين الجدد لقضيتهم، كان وضع الأساس أمرًا سهلا، لأن الحكومة السورية سمحت للجهاديين بالعبور وفي بعض الأحيان تمركزهم على الأراضي السورية كوسيلة لدعم التمرد المناهض للولايات المتحدة في العراق في العقد السابق بالفعل خلال حرب العراق عام 2003م.
ربما كانت سوريا أهم نقطة عبور للمقاتلين الأجانب الذين يدخلون العراق، تطورت طموحات الجهاديين إلى جانب تنظيمهم حيث توسعت لتشمل سوريا والعراق، واجهت قوات تنظيم القاعدة في العراق التي تطلق على نفسها الآن اسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ضغوطا أقل في العراق مع رحيل القوات الأمريكية في نهاية 2011م، وفي الوقت نفسه وضعت عراق سلسلة من السياسات الكارثية لتعزيز الدعم بين قاعدته الشعبية الشيعية، مستخدما خطابا طائفيا متطرفا ومستبعدا العراقيين السنة بصورة منهجية من السلطة تطاهر العديد من السنة، مما أدى إلى حملة عنيفة من قبل الحكومة التي زادت من نفوذ المجتمع السني، وهكذا تلقت منظمة البغدادي بثبات الدعم الشعبي واستعادت شرعيتها في العراق وجدّدت صفوفها كما زادت من هجماتها على الأهداف الحكومية وقوات الأمن وكثفت عمليات الاغتيال على وجه الخصوص، كما قامت بالعديد من العمليات الهامة لتحرير السجناء مما زاد في إهانة الحكومة العراقية وحرر العديد من كادر الجماعة الأكثر خبرة في بداية عام 2014م، أرسلت المجموعة قوات إلى العراق بدعوى أنها كانت تدافع عن السنة المحليين واستفادت وجودها في مدن مثل الفلوجة، في سوريا استولت المجموعة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية مستفيدة من تركيز النظام السوري على استهداف الجماعات الأكثر اعتدالا بينما بقيت المعارضة السورية منقسمة ككل( ).


ظهور داعش في الصومال

تنظيم داعش في الصومال هو فرع من تنظيم الدولة الإسلامية ينشط في مناطق جبلية من أرض بونتلاند، ويعتبر عبد القادر مؤمن المنحدر من عشيرة مجيرتين شخصية محورية في نشأة تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، وقد اكتسب مؤمن شهرة واسعة كخطيب مفوه كما تشير تقارير إعلامية إلى أن له علاقات بشخصيات بارزة في تنظيم الدولة في الخارج، وهذا ما يؤرجح تأثيره بالفكر الجهادي العالمي.
بعد عودته إلى الصومال عام 2011م انضم إلى حركة الشباب وتدرج في صفوفها حتى تولى قيادتها عام 2014م، إلا أن طموحاته تجاوزت الأهداف المحلية للحركة ففي عام 2015م أعلن انشقاقه ومبايعته لتنظيم الدولة وانتقل مع مجموعته إلى مرتفعات علمسكاد، ويمثل انشقاق عبد القادر مؤمن عن حركة الشباب حدثا مفصليا أثر على المشهد الجهادي في القرن الأفريقي وتتعدد الدوافع التي تفسر هذا الانقسام( ).
في 25 أبريل 2016م نفذت المجموعة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال هجومها الأول ضد القوات الحكومية، وهي قافلة تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في مقديشو، وفي أكتوبر 2016م شنَ التنظيم أول عملية كبرى له استهدفت مدينة قندلة الساحلية، والتي سيطر عليها التنظيم حتى 3 سبتمبر من ذلك العام، خلال عامي 2016 و 2017م عانى التنظيم من عدة خسائر في عمليات مكافحة الارهاب، كما صنفته الولايات المتحدة على أنه منظمة ارهابية عالمية، كرد فعل أعلن التنظيم أن فرعه في الصومال أصبح “ولاية” وأصدر مقطع فيديو دعائيا من الصومال يظهر ثلاثة مقاتلين من المجموعة التي يقودها مؤمن يهددون بشن هجمات على الدول الغربية ويدعو المسلمين – خاصة في شرق أفريقيا- للانضمام إلى التنظيم.
في عام 2018م عززت ولاية الصومال صفوفها بمنشقين آخرين عن حركة الشباب، ونفذت عدة هجمات في بونتلاند وامتدت إلى مقديشو وجنوب البلاد وبدأت في تحصيل الضرائب في المناطق التي سيطرت عليها( ).


الفرق بين تنظيم داعش مع جركة الشباب


يكمن الفرق الرئيسي بين حركة الشباب وتنظيم الدولة في عدة جوانب منها النشأة والانتشار والقدرة على التغلغل في المجتمع، فحركة الشباب بدأت كحركة محلية، ثم بايعت تنظيم القاعدة، وتم الاعلان عنها في فترة شهدت غضبا شعبيا عاما نتيجة دخول القوات الإثيوبية إلى مقديشو، وكان ذلك الدخول الذي كرس انتهاك الجيش الإثيوبي للسيادة الصومالية سببا دفع بالعديد من الشباب، وخاصة طلاب الثانويات والجامعات، للا نضمام إلى صفوفها كما أن أغلب مؤسسيها وقادتها كانوا من الذين يطلق عليهم ” مجاهدي الأفغان”، وعلى عكس ذلك ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في بونتلاند التي تتمتع بأمن نسبي، مما جعل عملية تجنيد الشباب المحلي صعبة، فاعتمد التنظيم بشكل كبير على مقاتلين أجانب.
أما الفرق الآخر فيكمن في القدرة على التغلغل داخل المجتمع الصومالي، فقد نجحت حركة الشباب في اختراق مختلف فئات المجتمع، بمن فيهم مشايخ العشائر والمدرسون وموطفو القطاع العام، وحتى ضباط الجيش والشرطة وهوما سهل عليها تجاوز نقاط التفتيش وتنفيذ عمليات تفجير في شوارع المدن الرئيسية.
في المقابل، فشلت الحركة وتنظيم الدولة في بونتلاند في تحقيق نفس النجاح، وذلك بسبب عمق الروابط العشائرية بين أبناء قبائل ولاية بونتلاند، هذه الروابط العشائرية القوية شكلت حاجزًا أمام انتشار التنظيمات الإرهابية على عكس الوضع في وسط الصومال وجنوبه حيث تضعف الروابط العشائرية والمصالح الأسرية، مما يسمح بحدوث انقسامات داخلية حادة، تصل أحيانا إلى حد قتل الأخ لأخيه بناءً على أوامر من قيادات تصمه بالكفر، بسبب عمله في القطاع الحكومي.
وإلى جانب هذه الفروق بين حركة الشباب وتنظيم الدولة في الصومال، فإن استراتيجية مواجهتهما من طرف الحكومة الفيدرالية أو بونتلاند كانت هي الأخرى مختلفة فبينما اختارت الحكومة الاعتماد على تسليح المليشيات العشائرية والمجازفة بامكانية اندلاع نزاعات عشائرية لمكافحة حركة الشباب، اعتمدت بونتلاندعلى قواتها النظامية، وتجنيد الشباب واشراكهم في التدريبات العسكرية لتجهيزها دون السماح بتسليح المليشيات العشائرية والحيلولة دون اندلاع صراعات تشتت القوات النظامية عن هدف القضاء على تنظيم الدولة، وعد انقطاع المعارك عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
كما رجّحت الحكومة التعبئة الشعبية تجاه القضايا السياسية المختلف عنها، بدلا من التركيز على نزع أنياب حركة الشباب على عكس حكومة بونتلاند التي عبأت الشعب تجاه مكافحة القوى الإسلامية المعادية للدولة، وهذا أمر متفق عليه، ويسهل دحرهم إذا اتفقت مصلحة الحكومة مع المصالح العام.


السيناريوهات المستقبلية المحتملة


وفي هذا السياق، هناك سيناريوهات ممكنة الحصول وتتمثل فيما يلي:
التمدد المحدود: قد يتمكن التنظيم من تعزيز مواقعه في مرتفعات علمسكاد، وزيادة وتيرة هجماته ضد قوات الأمن والمدنيين. وقد يشمل ذلك تنفيذ عمليات نوعية، مثل الهجمات الانتحارية والتفجيرات، والاغتيالات، وزعزعة الاستقرار في مناطق أخرى من بونتلاند، وهذا السيناريو يبدو واقعياً فقط في حال توقف قوات الدفاع عن التقدم كما يحصل في الحرب ضد حركة الشباب.
احتواء التنظيم وتقويض قدراته: في هذا السيناريو، قد تنجح قوات الأمن في بونتلاند، بدعم من الحكومة الفيدرالية والمجتمع الدولي، في احتواء التنظيم وتقويض قدراته. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي، وتشديد الرقابة على الحدود، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف، مثل الفقر والبطالة، وهذا يعني حربا طويلة ومستمرة، وحملات توعوية طويلة المدى.
تحول التنظيم إلى خلايا نائمة: في هذا السيناريو، قد يتعرض التنظيم لضغوط عسكرية كبيرة، مما قد يضطره إلى تقليل نشاطه الظاهر والتحول إلى خلايا نائمة. وقد تحتفظ هذه الخلايا بقدرتها على تنفيذ هجمات محدودة، أو قد تسعى لإعادة تجميع صفوفها في المستقبل، أو حتى الانضمام إلى حركة الشباب المُعسكرة في عَلْمَدُو في الجانب الغربي من سلسلة جبال غولس.
التحول إلى تنظيم مالي: بسبب صعوبة التوسع العسكري، قد يركز داعش على التمويل بدل السيطرة، و الانخراط في تهريب البشر، والأسلحة، وكذلك فرض إتاوات محلية في بونتلاند، والتعاون المؤقت مع شبكات تهريب لا علاقة لها بالأيديولوجيا.


الخاتمة


في المحصلة، يقف داعش في الصومال عند مفترق طرق بين طموح التمدد وواقع التقييد، فبين تضييق حركة الشباب عليه جنوباً، والضغط الأمني في بونتلاند شمالاً، وتراجع موارده البشرية والمالية، يبدو أن التنظيم يتجه نحو البقاء ككيان صغير ذي تأثير محدود، يعوّض ضعف نفوذه بعمليات متفرقة واقتصاد ظل يعتمد على التهريب والإتاوات، ومع أن احتمالات صعوده الواسع تبقى ضعيفة في المدى المنظور، إلا أن استمرار هشاشة الدولة وتداخل الصراعات الإقليمية يمنحانه فرصة للبقاء وإعادة التموضع، ما يجعل مراقبة تحوّلاته ضرورة أمنية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
المراجع:
1/ موسوعة ويكيبيديا
2/ رسالة الظواهري إلى لزرقاوي
3/ دانيال بايمن، القاعدة والدولة الإسلامية وحركة الجهاد العالمية ” ما يحتاجه الجميع إلى معرفته”، مركز الرافدين للحوار، ط1، بيروت-لبنان، 2021م
4/ سمية شيخ محمود، بونتلاند: الحرب على الدولة الإسلامية والسيناريوهات المستقبلية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 مارس 2025م
5/ المركز العربي لدراسات التطرف، تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال

نور عبد الرحمن أبوبكر

كاتب مهتم في شئون الجماعات الجهادية في الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى