في صباحٍ يفيض بأنفاس العلم، ويلوح فيه فجرٌ يبشر بميلاد وعيٍ جديد، شهدت مدينة عدادو في ولاية جلمدغ أمس الخميس افتتاح دار الإمام الشافعي؛ صرحًا علميًا راسخًا، ومَعْلَمًا تربويًا واعدًا، ولبنةً جديدة في بناء جيلٍ يستمسك بالهدى ويستنير بأنوار الدليل الشرعي.
رعاية مباركة… من جمعية لها قدم صدق في المجال
وقد جاء هذا المشروع الباذخ تحت إشراف جمعية الفرقان؛ تلك المؤسسة التي حفرت حضورها عبر أكثر من ثلاثين عامًا في ميادين الدعوة والتعليم والإغاثة، حتى غدت شاهدًا على صدق البذل ورسوخ العطاء.
وبفضل خبرتها الطويلة، قامت الجمعية بإنشاء الدار على أسسٍ متينة، وهيأتها بسكنٍ داخلي متكامل، وإعاشة منتظمة، وبيئة تربوية تُعين على الفهم، وتحتضن روح الطالب قبل فكره.
ولم تقف الجهود عند حدود البناء، بل امتدت لتشمل تأهيل مساحات واسعة حول الدار في مناطق يقطنها مئات الأسر، ليكون عمرانها رديفًا لعمران العلم، وحاضنًا لنموّ هذا المشروع المبارك.
يومٌ ازدانت فيه عدادو… واجتمعت فيه القلوب على كلمة سواء
كان يوم الافتتاح لوحةً بديعة من الألفة والاجتماع؛ توافد إليه مئات الزائرين من عدادو ومختلف مناطق الصومال وخارجه، يتقدمهم مسؤولو الدولة، ورجال الأعمال، ومشايخ القبائل، ونخبة من العلماء والدعاة.
وكان المشهد مهيبًا… تختلط فيه مهابة العلم بفرح الإنجاز، وترتفع فيه الأكف بالدعاء أن تكون هذه الدار منارةً تُشِعّ نورها في كل بيتٍ وقرية.
من ساحات النزاع إلى رحاب الهداية
لقد جاء تأسيس هذا المعهد في منطقة أنهكته الخصومات القبلية، وتعددت فيه الرايات والعصبيات، حتى غدت ساحاته شاهدًا على سنواتٍ من القتال الشرس بين شباب القبائل وشيبانها، تتجدد فيه الثارات، وتُروى فيه صفحات الألم جيلاً بعد جيل. وكان أهل المنطقة – وهم يرون أبناءهم وقودًا للصراع – في حاجة ماسّة إلى صرحٍ علمي يغيّر المعادلة، ويحوّل مسار النفوس من ساحة النزاع إلى ميدان الهداية. ومن هنا تُرجى لدار الإمام الشافعي أن تكون جسرًا من نور ينتقل به الناس من دماء الثأر إلى أخوة الإيمان، ومن ضيق العصبية إلى سعة الشرع، لتنهض المنطقة برجالٍ يجتمعون على كلمة سواء، ويستبدلون خصومات الأمس بروابط المودة والهدى.
اختيار موفّق… وقيادة تبعث الطمأنينة
وقد ازداد المشروع نورًا أن أُسندت إدارته إلى فضيلة الشيخ أحمد حرس أفرح؛ أحد أعلام الدعوة، ورجلٌ خبّر ميادينها سنين طويلة، عُرف بحسن تدبيره، ورجاحة رأيه، وابتسامةٍ تجمع بين هيبة العالم ولُطف الداعية.
إن اختيار هذا الشيخ ليس قرارًا إداريًا فحسب، بل هو رسالة اطمئنانٍ واضحة، بأن الدار مُقبلة على مرحلة من الانضباط والرسوخ، ستثمر بإذن الله رجالًا يحملون رسالة الحق، ويكونون امتدادًا لميراث النبوة، المستضيء بنور فهم سلف هذه الأمة؛ ذلك الميراث الذي كان من رجالاته الإمام الفذ والفرد العلم إمامُنا الشافعي عليه رحمات الله، المشهود له برجاحة عقله، وسموّ فهمه، وبيانه الذي جمع بين قوة الحجة وروح الهداية وأصالة التمسك.
ختامًا…
إن افتتاح دار الإمام الشافعي في عدادو حدثٌ يتجاوز حدود المكان؛ إنه منعطفٌ علمي مبارك في تاريخ المنطقة، وخطوة راسخة نحو بناء مجتمع يعتز بدينه، ويستمد وعيه من نصوص الشرع، ويتهيأ ليحمل أبناءه إلى الغاية التي خُلقوا لها.
ولولا عزائم الرجال، وصدق النيات، وتوفيق الله قبل ذلك وبعده، ما كان لهذا الصرح أن يرى النور.
نسأل الله أن يجعل هذه الدار مباركةً في بنيانها، مباركةً في رسالتها، مباركةً في عطائها، وأن يجعلها غرسًا طيبًا يؤتي أُكله كل حين بإذن ربها.
عبد الرحمن ديرية حسين
٧ / ٦ / ١٤٤٧هـ
الموافق ٢٨ / ١١ / ٢٠٢٥م





