أهمية الصدقة والتحذير من الربا في سورة البقرة(1)

أعظم شيء في الكون كلام الله تعالى، وهو المنزل من عند العليم الخبير، الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الحاضر والغيب، وهو الذي تعبدنا بتلاوة كتابه الكريم، الذي فصَّل بين الحق والباطل تفصيلًا كافيًا، لا يزيغ عنه إلا هالك. وبعد:

أمرنا الله تعالى بتدبر القرآن والقراءة ترتيلاً وهناءة، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]. عجيب! هذا تحدي لكل من يدعي العلم والمعرفة من الكفار أن يبحثوا فيه عن أدنى اختلاف أو خلط، ضعف الطالب والمطلوب.
وقال ايضا (وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا ) [المزمل ٤]وما من كتاب في الكون سوى القرآن إلا ويوجد فيه أخطاء كثيرة، وإن زعم كاتبه أنه خالٍ من الأخطاء؛ لأن الكاتب إنسان، والإنسان ضعيف، قال تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨]. وكذلك الإنسان ضعيف مهما بلغ من قوة، أو ادعى ملكًا ورئاسة. وهذا أكبر طاغية في العالم قديمًا وحديثًا، الذي ادعى الألوهية، فرعون -عليه اللعنة- هُلك بالماء وغرق، ولم يستطع إنقاذ نفسه فضلًا عن غيره، رغم ادعائه الألوهية كاذبًا.

فلنرجع إلى الموضوع.

أعظم سورة في القرآن من حيث عدد الآيات هي سورة البقرة، وفيها أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي. وقد بين الله تعالى فيها مواضيع كثيرة، منها:

أولًا: صفات المؤمنين ومصيرهم.

ثانيًا:صفات الكفار ومصيرهم.

ثالثًا:صفات المنافقين ومصيرهم.

رابعًا:قصة قوم موسى عليه السلام في ذبح البقرة.

خامسًا:خلق آدم عليه السلام، وغيرهم من المواضيع المهمة جدًا.

ومن أهم الموضوعات التي تناولتها سورة البقرة هو موضوع الصدقة، والتحذير أشد تحذير من الربا والاقتراب منها. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على هذا الموضوع المهم جدًا.

كنت أقرأ القرآن، خاصة في سورة البقرة، وعندما وصلت إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧]، تعجبت من بيان القرآن لوصف ما يتصدق به الناس. وعندها تأملت هذه الآية وما يليها، فوجدت أن الإنفاق تكرر كثيرًا في السورة.

بداية من آية ٢٦١ إلى آية الدين، يتحدث الله تعالى عن أهمية الإنفاق وقبح الربا وأهله.

أولًا: أهمية الإنفاق

المال عمود فقري للحياة، ولا تستقيم الحياة إلا به، ولذا جعل الله الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام. ويؤلمني أن بعض العامة من العلمانيين وغيرهم يظنون أن الإسلام دين العبادة فقط: الصلاة والصوم، ولا علاقة له بالاقتصاد والسياسة والتجارة…

وقد كرر الله تعالى في هذه الآيات النداء إلى المؤمنين؛ لأن الخطاب موجه لمن آمن وصدق، ولتبيين أهمية الموضوع كرر الله تعالى النداء للمؤمنين.

وبدأ الله تعالى بـ :

  • التمثيل للإنفاق، فمثَّل الذي ينفق ماله في سبيل الله كمن زرع حبة فأنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء.
  • المنع من إيذاء الفقير أو إلحاق المنة به عند الصدقة، مراعاة لمشاعر المحتاجين؛ لأن مراعاة عرضهم وشرفهم خير من إعطائهم مع الإيذاء.
  • الإنفاق يجب أن يكون لوجه الله، لا لطلب ثناء الناس والشكر منهم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: ٩]
  • التحذير من الشح والبخل، وما يدعو إليهما من شياطين الإنس والجن.
  • الصدقة في الخفاء خير من الصدقة في العلانية، والصدقة سرًا أفضل للمحتاجين والمساكين، وكلاهما خير وفضل.
  • الاستمرار في الإنفاق والتصدق لجلب رضى الله، والتحرير من الخوف والحزن، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٤].

أما الربا فحدث ولا حرج، وقد أوضح الله لنا حكمه والفرق بينه وبين البيع، وسنفصله في مقال ثان إن شاء الله.

✍✍عبدالرحمن معلم عبدالله (دلجر)

زر الذهاب إلى الأعلى