مركز السنة وجامعة الإحسان الإسلامية يتألقان في السماء

في صباحٍ من صباحات الوفاء للعلم، ومساءٍ من مساءات العزّ للدين، ازدانت ربوع مدينة مقديشو – عاصمة الصومال – بموكبٍ مهيبٍ من العلماء والمشايخ الكرام، وطلاب العلم والطالبات، والتجّار والوجهاء، يتقدّمهم وزير التربية والتعليم الصومالي فارح عبدالقادر، ليشهدوا يومًا من أيام النور والعلم، يومَ تخرّج دفعةٍ جديدة من طلاب مركز السنة وجامعة الإحسان الإسلامية؛ المؤسستين اللتين امتزج فيهما الإخلاص بالعلم، والجدّ بالسُّنّة، فكانتا شاهدتين على أن العمل الصادق لا يضيع أثره، وأن بذور العلم لا تُثمر إلا في أرضٍ سُقيت بماء الإخلاص.

يقع مركز السنة في قرية توكل بمحافظة شبيلي السفلى، حيث النسيم العليل والسماء الصافية، وحيث تشهد الأرض قيام طلاب العلم وسجودهم في حلقاتٍ لا تنقطع ليلًا أو نهارًا. تأسس المركز عام 1434هـ / 2013م، فكان شعلة أملٍ في زمنٍ قلّ فيه النور، وصوتًا للحق في مرحلةٍ اختلطت فيها الأصوات.
يُدرَّس فيه القرآن الكريم، والحديث الشريف، والفقه، والعقيدة، واللغة العربية، ويشرف على تدريسه نخبةٌ من العلماء والمربين الذين وهبوا أنفسهم لخدمة العلم ونشر السنّة.

ولم يكن للرجال وحدهم نصيبٌ من هذا الخير، بل خُصص للنساء مسجدٌ مستقلّ تُقام فيه حلقات تحفيظ القرآن والمتون العلمية، في بيئةٍ آمنةٍ طاهرةٍ تُربّي على العفّة والحياء قبل الفقه والبيان، ليغدو المركز نموذجًا فريدًا يجمع بين العلم والتربية، والأصالة والحصانة الأخلاقية.

ومن رحم هذا المركز المبارك وُلدت جامعة الإحسان الإسلامية عام 1437هـ / 2016م، وافتُتحت رسميًا في 1440هـ / 2018م، لتكون صرحًا أكاديميًا متينًا يُكمل رسالة المركز في نشر العلم على منهج السلف الصالح.
جمعت الجامعة بين أصالة المضمون ورصانة المنهج، وبين التلقّي على أيدي العلماء الراسخين والتنظيم الأكاديمي الحديث، فأصبحت منارة علمٍ وإصلاحٍ في أرض الصومال، ومهوى أفئدة طلابٍ يسعون إلى طلب العلم الشرعي المنضبط بروح العصر.

وفي يوم التخرّج المشهود، امتلأت القاعة بالحضور، وارتفعت أصوات التكبير، وتلألأت الوجوه فرحًا بما آتاها الله من فضله.
افتُتح الحفل بتلاوةٍ عطرةٍ من الذكر الحكيم، تلتها كلمات العلماء والمشايخ التي تحدّثت عن عظمة العلم وفضل الصبر في طلبه، وعن مركزٍ وجامعةٍ جمعا بين المنهج القويم والتأسيس المتين.
ثم ألقى وزير التربية والتعليم الصومالي فارح عبدالقادر كلمةً مؤثرةً أشاد فيها بجهود المركز والجامعة، ودعا إلى دعم هذا المشروع العلمي والدعوي الذي يجمع بين التربية والتعليم، والأصالة والتجديد.
كما عبّر التجّار وأهل الخير عن دعمهم لهذا العمل المبارك، في مشهدٍ يجسد تكافل المجتمع حول رسالة العلم والدعوة، وحرصه على رعاية مسيرة الإصلاح.

واختُتم الحفل بتوزيع الشهادات على الخريجين، والدموع تترقرق في عيون المعلمين والطلاب؛ فقد كانت تلك اللحظة ثمرةَ أعوامٍ من السهر والمثابرة والدعاء، ونهايةَ رحلةٍ حافلةٍ بالبذل والعطاء، وبدايةَ مسيرةٍ جديدةٍ من خدمة الدين والعلم.

غير أن هذا التخرّج لم يكن نهاية الطريق، بل بدايةُ عهدٍ جديدٍ من العمل والتأثير.
فقد انطلق خريجو مركز السنة وجامعة الإحسان إلى القرى والمدن، خطباءَ ومدرّسين ودعاة، يحملون العلم إلى الناس، فيحيون السنن، وينيرون العقول، ويعيدون للمساجد دورها التربوي، وللخطاب الدعوي صفاءه ونقاءه.
لقد أحيا خريجوها مساجدَ كانت خامدة، ونهضوا بمدارسَ كانت متعثّرة، وأسهموا في نشر العلم الصحيح في ربوع البلاد، حتى غدت الجامعة والمركز معًا منارتين مشعتين في سماء الصومال.

وهكذا تجسّد في جامعة الإحسان ومركز السنة معنى التكامل بين العلم والعمل، والمنهج والخلق، والدعوة والعصر، وأثبتا أن الصومال قادرةٌ على إنشاء مؤسساتٍ تعليميةٍ رصينةٍ تجمع بين روح الإسلام ومتطلبات العصر الحديث، وتقدّم نموذجًا وطنيًا رائدًا في الإصلاح العلمي والدعوي.

وفي ختام ذلك اليوم المشرق، ارتفعت الأكفُّ إلى السماء حمدًا لله على تمام النعمة؛ فقد كان يومًا من أيام الصومال المضيئة، ارتفعت فيه راية السنة، وسُطّر فيه في سجل الدعوة سطرٌ من ذهب.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تُبنى الجامعات، وبهداه تُقام المراكز والدورات.
نسأله سبحانه أن يُديم على هذا الصرح المبارك نوره، وأن يجزي القائمين عليه خير الجزاء، وأن يجعل مركز السنة وجامعة الإحسان الإسلامية… منارات علمٍ تُضيء سماء الصومال الى يوم الظبن.

بقلم: الشيخ الأستاذ عبدالرحمن ديريه شيخ حسين

زر الذهاب إلى الأعلى