ظاهرة عودة المنشقين إلى حركة الشباب الصومالية ” الأسباب والحلول”

  • ملخص الدراسة
  • موجز عن تاريخ حركة الشباب الصومالية
  • دوافع الانشقاق عن الحركة
  • لماذا يعيد بعض المنشقين الانضمام من جديد إلى صف حركة الشباب؟
  • الحلول لهذه الأزمة

مخلص الدراسة:
تشكل حركة الشباب الصومالية إحدى أبرز التنظيمات الجهادية التي أثرت على أمن واستقرار الصومال والمنطقة بشكل عام. ومع تصاعد العمليات العسكرية ومبادرات السلام، ظهرت ظاهرة الانشقاق عن الحركة، حيث يقرر بعض الأفراد مغادرتها والانخراط في برنامج إعادة التأهيل والدمج المجتمعي.
إلا أن هذه الظاهرة لم تكن نهائية، إذ لوحظت عودة بعض المنشقين إلى صفوف الحركة مرة أخرى، مما أثار تساؤلات متعددة حول الدوافع التي تدفع هولاء الأفراد للارتداد رغم المخاطر والعقوبات.
تكتسب دراسة ( ظاهرة عودة المنشقين إلى حركة الشباب الصومالية ” الأسباب والحلول”) أهمية بالغة، نظرا لتأثيرها المباشر على فعالية برامج مكافحة التطرف والتصدي للإرهاب، وكذلك على استقرار الأمن الوطني والأقليمي.
ويسعى هذا المقال إلى التعرف على الأسباب التي دفعت عودة هولاء المنشقين إلى صفوفها مجدد، والهدف من الدراسة هو الوصول إلى فهم شامل يمكن من خلاله اقتراح حلول أكثر فعالية في مجابهة هذه التحديات.
موجز عن تاريخ الحركة:
تشكلت بداية ظاهرة الحركات الجهادية العنفية الصومالية منها وغير الصومالية في إطار التفاعلات الأيديولوجية والفكرية والتنظيمية للجماعات والحركات الجهادية العالمية في أفغانستان في الثمانينيات القرن الماضي، والتي نجحت في تجميع واستقطاب المتطوعين من جميع أنحاء العالم بسبب الدعم السياسي والمالي والإعلامي الذي وفرته بعض الدول الغربية والإسلامية آنذاك، فقد ظهر في الساحة الأفغانية ما كان يعرف بظاهرة (الأفغان العرب وأفغان القرن الأفريقي) الذين شاركوا في المقاومة الأفغانية ضد الاحتلال السوفيتي، وشكل هولاء مصدر الهام لجميع التيارات الإسلامية العنيفة منها والمعتدلة لإحياء الفريضة الدينية الغائبة (الجهاد) في أفغانستان. ومما لاشك فيه أن منابع الفكر الجهادي العنفي تنطلق جذورها من اجتهادات وتفسيرات سيد قطب وغيره من أعلام الفكر الإسلامي الإحيائي، إلا أن جماعات العنف في العالم الإسلامي طوّرت رؤيتها عبرإعادة انتاج واستكشاف وقراءة نصوص ( سيد قطب ) في بعض انجازاته الفكرية، وتوطيفها السياسي والعسكري ذلك لتوليد فلسفة تبرر ممارسة العنف المسلح ضذ النظم والمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية ( ).
وتعرف الكتابات الغربية الحركة على أنها مجموعة إسلامية متشددة لها صلات وثيقة بالقاعدة، سيطرت على أجزاء من جنوب ووسط الصومال، ولديها معسكرات تدريب للمسلحين، وتتكون من المسلحين الصوماليين والوافدين إليها من خارج الصومال، كما تصنفها بأنها: ” عضو في التنظيمات الجهادية السلفية العالمية”، وتستغل حركة الشباب شبكة الانترنت لنشر بياناتها وتسجيلاتها المصورة التي توجد في أغلب الأحيان في مواقع ذات صلة سلفية جهادية( ).
يتفق الباحثون على أن النشأة العلانية لحركة الشباب وإعلانها عن نفسها كحركة مستقلة كانت عام 2007م إثر إعلانها الانشقاق عن اتحاد المحاكم الإسلامية بعد أن كانت الجناح العسكري له، إلا أنهم اختلفو حول التوقيت التي بدأت فيه الحركة عملها، فهناك من أشار إلى أنها نشأت:
1/ عام 1996م حينما أسس الجهادي الصومالي ” مختار ربو علي أبو منصور” معسكر الهدى في منطقة بكول لتدريب المجاهدين، ويعد هذا المعسكر بمثابة الانطلاق للحركة بعد ذلك، وتعتبر الحركة امتداد ل( الاتحاد الإسلامي)، حيث اختارت مواصلة حمل السلاح رافضة قرار مراجعات الاتحاد الإسلامي بتجميد أنشطته المسلحة في تسعينيات القرن الماضي.
2/ وهناك من يشير إلى أن بداية التكوين كانت في عام 2001م، حينما عقد أحمد غودني، وآدم حاشي عيرو، وعمر طيري اجتماعهم الأول لمناقشة فكرة إنشاء الحركة، في مقديشو بعد أسابيع من اعتداءات11 سبتمبر، وكان الهدف من هذا الاجتماع السري نقل أفكارهم إلى الشيخ حسن طاهر أويس، ودعوته إلى إقناع زملائه السلفيين، بحاجة الصومال إلى إنشاء حركة مسلحة إسلامية( ).
3/ وقد استغرقت فكرة التأسيس وقتا طويلا ومناقشات بين شباب الحركة وقادة السلفية في الصومال، وأشار البعض إلى أن حسن طاهر أويس ذهب والتقى بأسامة بن لادن في أفغانستان، وتباحث معه حول مسألة الدعم لحركتهم المنتظرة، ولكن بن لادن رفض ما لم تكن الحركة الوليدة تابعة له رسميا، وبعد عودة أويس ووفده ذهب الشباب أصحاب فكرة التنظيم إلى الشيخ حسن تركي ولكن الأخير اشترط عليهم أن تتم مناقشة كل الإسلاميين على الساحة الصومالية وهو مالم يتم فاندفع الشباب بعد ذلك إلى تحقيق مشروعهم الجهادي بمعزل عن أويس وتركي.
4/ والبعض يعتقد أن الحركة تشكلت عام 2004م، واتخذت من معسكر صلاح الدين مقرا لها، وكانت مندرجة تحت لواء الاتحاد الإسلامي، ثم انتقلت إلى كيان اتحاد المحاكم الإسلامية( ).
ويرجح الدارس الرأي الذي يشير إلى أن نشأة حركة الشباب يرجع إلى 1996م لأنها كانت امتداد للاتحاد الإسلامي الموجود منذ الثمانينيات، والذي اضطر إلى عمل مراجعات في التسعينيات وقد رفض عدد من أعضائه هذه المراجعات واستمروا في نهجهم المتشدد وكانوا نواة هذه الحركة.
وتعد الحركة أقوى فصيل مسلح في الصومال في الفترة من 2008م وحتى 2011م وكانت تسيطر على مناطق شاسعة، وأكدت في بياناتها ثباتها على مبادئها الجهادية، وسعيها لإقامة الدولة الإسلامية في منطقة القرن الأفريقي، واستمرارها في قتال القوات الحكومية والحركات التي لا تتفق مع أيديولوجيتها، والقوات الأجنبية الموجودة في الصومال.
وجعلت هذه التداعيات الولات المتحدة تضعها على قائمة الحركات الإرهابية العالمية في 29 فبراير 2008م واتهمتها بالارتباط بالقاعدة، بيد أن الحركة رحبت بهذا الوصف مشيرة أن واشطن تلصق هذه الاتهامات بمن لايرضخ لأهدافها، وأنها ماضية في استراتيجيتها الجهادية ولن تتراجع.
ومنذ عام 2010م كانت بوادر الانشقاق كامنة في نسيج الحركة بوجود صراع مكتوم بين قادة الحركة، مما أدى إلى نشوب مواجهات عنيفة بين هذه الأطراف، وهذا بدوره سبب إلى انشقاق بعض الأفراد عن الحركة.
دواعي انشقاق بعض الأفراد عن الحركة:
رغم أن العديد من الأفراد يقررون الانشقاق عن حركة الشباب الصومالية نتيجة خيبة الأمل، أو الشعور بالخوف، أو الرفض للأيديولوجيا والممارسات العنيفة، إلا أن البعض منهم يعود مرة أخرى إلى صفوف الحركة، وهناك مجموعة من العوامل والدوافع التي تؤدي إلى انشقاق بعض الأفراد عن حركة الشباب، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1/ الخوف من القتل:
رغم أن الانضمام إلى حركة الشباب عادة ما يتم بسرعة، فإن عملية مغادرتها غالبا ما تكون طويلة وصعبة، سواء من ناحية اتخاد القرار النهائي أو العثور على فرصة آمنة للمغادرة والشجاعة للقيام بذلك فالخوف، والقلق من المستقبل كلها عوامل تمنع المغادرة، والذي ارتبط بالخوف والرعب هو القتل غير المبرر على أساس اتهامات كاذبة.
2/ الطروف المعيشية القاسية التي كان عبئا على الأعضاء تحملها سببا شائعا للمغادرة، فالجوع، ونقص الرعاية الطبية كلها أثرت سلبا على المعنويات.
3/ الارهاق من الحرب: إن أعضاء حركة الشباب بدأوا يتساءلون متى وكيف ستنتهي الحرب؟، وكثير منهم خصوصا من هم دون سن الأربعين، لم يعرفوا في حياتهم سوى الفوضى وعدم الاستقرار، ولذا هم يريدون حياة طبيعية، والتواصل مع العائلة، وكثير منهم يتركون من أجل الزواج، التعليم أو الحياة المستقرة.
4/ تأثير الأسرة وشيوخ العشائر
تلعب الأسرة دورًا محوريًا في إقناع الأعضاء بترك الحركة، كما أن لشيوخ العشائر تأثيرًا اجتماعيًا ودينيًا قويًا، ما يجعلهم أدوات مهمة في جهود فك الارتباط مع الحركة.
5/ الممارسات القمعية والانتهاكات الإنسانية
استخدام السجون السرية، وتعذيب السجناء، وإجبار الأفراد على القيام بأعمال عنف كلها ممارسات أدت إلى شعور بالذنب والصدمة النفسية لدى البعض، مما دفعهم للانشقاق، وكثير من المنشقين أشاروا إلى خيانة الحركة لمبادئ العدل الإسلامي، والكذب بشأن أهدافها الحقيقية( ).

لماذا يعيد بعض المنشقين عن حركة الشباب الانضمام إليها من جديد؟
رغم أن العديد من الأفراد ينشقون عن حركة الشباب لأسباب متعددة مثل الانتهاكات، والظلم، وسوء الظروف المعيشية، إلا أن بعضهم يعود مجددًا إلى صفوف الحركة، وتشير الدراسات إلى وجود عدد من العوامل النفسية والاجتماعية التي تفسر هذا السلوك ومنها:
1/ التهديد والترهيب من قِبل الحركة
بعض المنشقين يتعرضون لتهديدات مباشرة أو غير مباشرة من قبل أعضاء الحركة، سواء لأنهم يُعتبرون “خونة”، أو لأنهم يعرفون معلومات حساسة، وفي هذه الحالة، قد يفضل البعض العودة للحركة حفاظًا على حياتهم أو سلامة أسرهم.
2/ الارتباط الأيديولوجي
بعض الأفراد يظلون مؤمنين جزئيًا بفكر الحركة أو يشعرون أن مغادرتهم كانت ضعفًا مؤقتًا، وليس رفضًا تامًا للفكر، في أوقات الأزمات أو الضعف، قد يعود هؤلاء بدافع “التوبة” أو استعادة الشعور بالانتماء.
3/ انعدام البدائل الواقعية بعد الانشقاق
كثير من المنشقين يواجهون صعوبات شديدة في الاندماج في المجتمع بعد مغادرة الحركة، حيث يفتقرون إلى الوظائف، السكن، أو الدعم النفسي والاجتماعي، فالحكومة أو المجتمع المحلي قد لا يوفرون الحماية الكافية أو فرص إعادة التأهيل، مما يجعل العودة إلى حركة الشباب خيارًا أقل سوءًا من البقاء في الهامش( ).
4/ الإغراءات المالية
في بعض الحالات، قد تقوم الحركة بمحاولة إغراء المنشقين السابقين بإعطائهم وعودًا بمواقع قيادية، أو رواتب، أو حماية مقابل العودة.
5/ فشل برامج نزع التطرف وإعادة الدمج
بعض برامج “المصالحة” أو إعادة الإدماج تكون غير فعالة، ولا تلبي احتياجات العائدين للحياة المدنية، فغياب المتابعة النفسية والاجتماعية يؤدي إلى انتكاسة وعودة البعض إلى صفوف الحركة.
6/ الضغوط العائلية أو القبلية
في بعض الحالات، قد يُجبر الفرد على العودة إذا كانت عائلته أو عشيرته مرتبطة بالحركة، أوتقوم الحركة بإجبار العائلة على إعادة ابنها المنشق إلى صفوفها.

الحلول المقترحة:
إن عودة بعض المنشقين إلى حركة الشباب الصومالية لا تعني بالضرورة اقتناعهم مجددًا بأيديولوجيتها، بل غالبًا ما تكون نتيجة الخيارات المحدودة، أو الخوف، أو الفشل في توفير بدائل حقيقية لهم بعد الانفصال، لذلك نجاح جهود مكافحة التطرف لا يعتمد فقط على إخراج الناس من الحركة، بل على ضمان عدم عودتهم إليها من خلال دعم نفسي، اجتماعي، واقتصادي فعال،
و لمعالجة هذه الظاهرة والحد من تكرارها يجب تبني هذه الاستراتيجية:
1/ إشراك العلماء في تعزيز خطاب ديني معتدل يفضح انحراف الحركة
2/ تعزيز برامج إعادة التأهيل، وتوفير برامج تعليمية ودينية معتدلة، وكذلك تدريبهم على مهارات تساعدهم في الحياة العملية.
3/ التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص عمل ومشاريع صغيرة، بالإضافة إلى تقديم حوافز العائدين للاندماج في المجتمع.
4/ حملات إعلامية مضادة لكشف زيف الحركة، وعرض قصص واقعية لأشخاص ندموا على العودة أو واجهوا العواقب بعد الرجوع.
قائمة المصادر والمراجع:
1/ عبد الرحمن أبوبكر أحمد، دور حركة الشباب المجاهدين في زعزعة استقرار الصومال (2007-2014م)، بحث تكميلي لنيل درجة الدبلوم العالي، المركز القومي للدراسات الدبلوماسية، الخرطوم-السودان، 2014م
2/ مايكل كيتنغ و مات ولد مان، الحرب والسلام في الصومال المظالم الوطنية، الصراعات المحلية، وحركة الشباب، جامعة أكسفورد، الولايات المتحدة الأمريكية، 2018م
3/ مقابلة مع إدريس محمد شيخ محمد نور– والي ولاية شبيلى الوسطى سابقا- لحركة الشباب الصومالية في مقديشو بتاريخ 24/8/ 2024م
4/ نرمين محمد توفيق، حركة الشباب المجاهدين بالصومال والعلاقة بالقاعدة النشأة والأفكار وسيناريوهات المستقبل، المكتب العربي للمعارف، ط1، 2015م
5/ نبيل البكري، تنظيم الشباب والقاعدة: حقيقة العلاقة، الإسلاميون في الصومال، دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، الكتاب الثاني والأربعون، ط1، 2010م

بقلم/ نور عبد الرحمن أبوبكر

زر الذهاب إلى الأعلى