ثنائية الضحك والعبوس: قراءة في تناقضات الطبقات الاجتماعية

الضحك والعبوس هما أكثر تعابيرنا الإنسانية بدائية وشمولية؛ هما لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. لكن، هل يمكن أن تكون هذه التعابير، ببساطتها الظاهرية، مرآة تعكس أعمق انقسامات مجتمعنا؟ إنّ نظرة سريعة إلى واقع الحال تكشف عن ثنائية قاسية: وجوه تتجعد بالضحك والبهجة، وأخرى تثقلها علامات العبوس والهم. ليست هذه الثنائية مجرد صدفة، بل هي قراءة في تناقضات الطبقات الاجتماعية، حيث يصبح الضحك امتيازاً، والعبوس مصيراً.
عبوسٌ يحمل عبء الحياة
العبوس ليس مجرد حالة مزاجية عابرة للفقير، بل هو نتيجة تراكمية لضغوط يومية لا تنتهي. إنه تعبير عن القلق المستمر بشأن لقمة العيش، وعن الإرهاق الجسدي والنفسي من العمل الشاق والمكافأة الزهيدة. إنه انعكاس لغياب الأمان، والخوف من المستقبل المجهول، والإحباط من الفرص الضائعة التي تمنح للآخرين بسهولة. هذا العبوس ليس فقط على الوجوه، بل يتغلغل في طريقة الكلام، وحركة الجسد، وفي نظرة العيون التي تحمل قصصاً من المعاناة والألم. إنه عبوس يجسد الصراع من أجل البقاء، حيث لا يوجد متسع للرفاهية العاطفية أو السعادة المجردة.
ضحكٌ يعكس الامتياز
في المقابل، يمثل ضحك الشرفاء والطبقة الميسورة رمزاً للحرية والأمان. هو ضحك نابع من الطمأنينة الاقتصادية، من المعرفة بأنّ المستقبل مؤمن، وأنّ الأزمات يمكن تجاوزها بفضل الدعم المادي والاجتماعي. إنه ضحك يعكس القدرة على الاستمتاع بالحياة، والسفر، والتعليم، والتخلص من ضغوط البقاء التي تنهك الآخرين. هذا الضحك، رغم أنه قد يكون صادقاً، إلا أنه أحياناً يكون ضحكاً من موقع القوة، ضحكاً لا يعي الظروف التي تجعل الابتسامة أمراً صعب المنال لدى من هم خارج دائرته.
التناقض الذي يمزق النسيج الاجتماعي
هذه الثنائية ليست مجرد تباين في المشاعر، بل هي جوهر التناقض الاجتماعي. إنها تكشف عن عالمين مختلفين يفصل بينهما حاجز غير مرئي من الامتياز والحرمان. ففي الوقت الذي ينفق فيه أحدهم المال بسخاء على الترفيه الذي يجلب له الضحك، يعبس آخر لأنه لا يملك ثمن الغذاء. إنّ هذا التباين يثير تساؤلات عميقة حول العدالة والمساواة، ويجعل من الضحك والعبوس مؤشراً ملموساً على فشل المجتمعات في توزيع مواردها وثرواتها بشكل عادل. عندما يصبح الفقر مصدرًا للحزن الدائم، وتصبح الثروة جواز سفر للسعادة، فإن النسيج الاجتماعي يتآكل.
في الختام، إنّ دراسة هذه الثنائية لا تهدف إلى إصدار أحكام، بل إلى فهم الواقع المعقد الذي نعيشه. إنها دعوة للتأمل في كيف أن ظروفنا المادية تشكل وتلون مشاعرنا وتعبيرنا عنها. إنّ الأمل في مستقبل أكثر عدلاً يكمن في سعينا المستمر لكسر هذه الثنائية، وأن نؤمن بأنّ لكل إنسان الحق في الضحك، وأنّ عبوس أي إنسان هو مسؤولية مجتمع بأكمله.

إسحاق آدم إسحاق

باحث وكاتب في الشؤون التربوية مقيد ومحضر دكتوراه بجامعة مقديشو
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى