إن الإحتفال بالمولد الشريف شعار إسلامي تأثر به العديد من الأجيال، توارثا عن مدارس تميزت عن غيرها بمنهجها، وطريقة تدريسها إلى درجة كادت أن تتحول إلى مذهب عقدي قائم بذاته، إلا أن بلادنا ينتمي فقها وعقيدة إلى المذهب الشافعي الجليل، وأئمة السلف المحدثين.
قد يرى البعض الإحتفال بمولد نبي الأنام شعارا إسلاميا يهدف إلى تأدية العبودية والتفاعل الشعبي في آن واحد، مما يسهم في ترسيخ الأمن والإستقرار وإفشاء السلام والمودة بين أبناء الشعوب والأمم. وآخرون يرمونه في سلة المهملات باعتباره بدعة لا أساس لها في الاسلام الصحيح .
احتدم الخلاف بين أتباع المشايخ المعاصرين؛ لاسيما في بلادنا التي تدعي كل طريقة إنتماءها إلى مذهب الإمام الشافعي، ولم يوجد لهذا الخلاف حل، يذيب الثلج بين الأنصار، بل إتسعت رقعته إلى القطاعات الإجتماعية مثل المساجد ، والحلقات العلمية، والمدارس الإسلامية ، والخلاوي القرآنية، ما جعل المجتمع شيعا متفرقة تعطي كل فئة الولاء والإنقياد لطريقة متدينة خاصة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما استشرى الخلاف في صفوف الأسر والأفراد، ولشدة تنافس الطرق والجماعات المتدينة لتسارع كل منها لفرض سيطرتها العقدية على المجتمع؛ ظهر جيل ينفرد بعقائد عدائية ، ويجرأ على كبار العلماء والمشايخ، عاريا عن القيم والأخلاق، مما أسفر عن فراغ التوقير التقليدي والأخلاقي، وأبرز نوعا من الخمول والتناثر المجتمعي وفقدان الريادة العامة، ولا يخفى على أحد أن الأمر تطور في نهاية المطاف إلى أن يلجأ كل طرف إلى منطق القوة واستخدام السلاح الناري ما أدى إلي سقوط المئات من الضحايا مابين قتيل وجريح، وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة، بالإضافة إلى تشريد أكثر من مليون من المواطنين الإبرياء إلى شتى الأوطان الإفريقية وأقصى القارات عبر البحار الهالكة وحدود الدول المتلاحقة دون أي تأشيرات ووثائق معتمدة، تاركين وراءهم ممتلكاتهم وأهاليهم ،في حين تعلن كل الأطراف المتناطحة في البلاد تكبيرة الجهاد لنيل أغراض دنيوية تحت غطاء شعار أناني لا صلة له من الإسلام.
سلبيات الإحتفال في صفوف الجيش
لم يجد الجيش الوطني الصومالي تدريبات متكاملة تجعل أفراده ذوي كفاءة وجدارة حيال مهنته العسكرية، وبما أن القطاع العام يحتوي على مكاتب عديدة تتمتع كل منها على ميزانية هائلة إلا أن القيادات التي تمثل القلب النابض لحسن سيرورة الخدمة العسكرية يبدو وجودها ديدان السراب.
فقيادة التدريب والتنسيق: لم تعط إهتماما للأفراد الملتحقين بالكليات التمرينية سوى كونهم شبابا في سنهم الباكر، ومواطنين لهم حق دستوري في الحصول على حق العمل والوظيفة، كما لهم حق الإختيار للإنضمام إلى الخدمة العسكرية ذودا عن البلاد من الإعتداءات الخارجية.
لم يضعف هذا التباطؤ ثمن هذه المهنة العظيمة فحسب، بل عمل في اسهام الإنخفاض للروح المعنوية لعدم وجود فارق الإنتقاء بينهم بمؤأهلاتهم العلمية والحرفية الشخصية، كما أن القيادة لم تنجح في ترسيخ المبادئ الأخلاقية والعسكرية والوطنية في أرواح الأفراد العسكريين أثناء تدريبهم فضلا عن الغرس في نفوسهم عقيدة عسكرية ثابتة تميز عن غيرهم من المؤسسات المدنية، مما يعني عن غياب كلي (للنزعة العسكرية)”Militarism”، عن ساحة الجيش الوطني الصومالي، الأمر الذي أدى إلى التداخل بين الأنشطة الدينية المدنية وأفراد الجيش إزاء شعائر تعبدية فرعية قد استشرى بأشرس أنماطه بين العلماء. ثم انعكس الأمر سلبا على الربط والضبط في صفوف الجيش الوطني لآثاره الهزلية.
وبينما جيشنا ينتمي إلى مجتمع قبلي وعاطفي تارة؛ وديني ينطلق من نخب متدينة ساد الخلاف بينهم في أبسط المسائل الفرعية تارة أخرى، فإن الأمر يجعله سريع التأثر بكل الأعمال المرتبطة بتلك المذكورة، وكان الأمر يستدعي التحاشي عن كل ما يثير ها؛ إلا أن بعض الضباط عالي الرتب تعودو على التعصب ب مذاهبهم والإحتفال في مقرات العسكرية الرئيسية وفي القواعد الأمامية النائية وعلى بزاتهم العسكرية برتبها السامية، لتحقيق أغراض نفعية دنيئة، وترويج أفكار مجموعة معينة.
هذه الظاهرة : لعبت دورها السلبي فور انتشارها في صفوف أعضاء الجيش، فأدت إلى افتقاد التضامن والترابط بين الكتائب والوحدات، فصيرت الفرق والفيالق عرضة لرماح الإنتهازيين الجهلة، إضافة إلى تقويض اليمين العسكري والواجبات واجهاض العمليات القتالية التي هي أسمى المسؤوليات الملقاة على عاتق جيشنا الباسل العزيز.
لم يكتف استشراء هذه الظاهرة بذلك فحسب؛ وإنما اتسعت رقعتها إلى تشويه ثقة المجتمع الصومالي بجيشه الحبيب، حيث كان الشعب الصومالي لطالما يعاني من حروب أهلية مزمنة، وانقسامات عشائرية، إلى جانب الأزمة الإرهابية التي أكلت الأخضر واليابس.
تجشد الظاهرة عجز قيادة الأركان عن الحفاظ على السلوك العسكري والمبادئ العامة، وتطبيق ( قانون السلوك العسكري وتعليمات الإنضباط )” Milatry code of Conduct ” في أفراد الجيش بداء من الحظائر ووصولا إلى الفيالق، وذلك إما عن جهلهم وعدم الكفاءة المهنية والعلمية؛ أو عن ضعف الشخصية وعندم القدرة على الإمتلاك بالمقاليد القيادية وتفيذ متطلباتها بصرامة نحو جسر العبور.
لم تقتصر الآثار الناجمة عن إستشراء الإحتفال بالمولد الشريف في صفوف الجيش وتقويض عملياته وتلويث صورة الثقة بين الشعب وجيشه الذي أدى يمينه للدفاع عن استقلال أرض الجمهورية، والحفاظ على كينونة المجتمع الصومالي ببذل النفس والنفيس، وبصرف النظر عن الشيع العقدية المحلية فحسب، وإنما عملت في مخالفة الدستور الإنتقالي للجمهورية الفيدرالية الصومالية، حيث تنص المادة 127 منه على وجوب صون المهنة العسكرية والسلوك الوطني. كما تحتم الفقرة الثانبة والثالثة من المادة: الحفاظ على القانون الوطني والإنقياد له والاعتراف على سموه، بينما تنص الفقرة الخامسة من نفس المادة بوضوح على وجوب اتسام الجيس الوطني الصومالي بالحياد، ما يضمن التعزب عن الملاسنات القبلية والعقدية وكل ما يثير عواطف أنصار موالية لنخبة مؤثرة خاصة.
وتأييدا لذلك تستنكر المادة الثالة والأربعون من (مدونة قواعد السلوك العسكرية الصومالية) وبشدة الإعتراض على انخراط الجيش في الأنشطة المدنية خارج إطار المهام العسكري، في أحيان الحرب والسلم والحياد.
يقول تشي غيفارا: “الحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه سيبقى باطلا في شرع السياسة”.