مر الصراع بين حكومة الصومال الفيدرالية واقليم أرض الصومال المطالب بالانفصال منذ عام 1991 على مراحل متعددة تتراوح ما بين القطيعة والتفاوض عبر وساطات اقليمية ودولية، لكن اليوم تبرز معطيات جديدة تجعل حصول الاقليم على اعتراف أقرب من أي وقت مضى.
حتى مطلع عام 2023، كان المجتمع الدولي يرى قضية أرض الصومال بأنها شان داخلي ، وكان يطالب بايجاد حل لها عبر التفاهم بين الطرفين، واستئناف المفاوضات ، لكن اليوم الأمر مختلف وسنشرح ذلك في السطور التالية.
أكد المجتمع الدولي خلال مشاركة اقليم أرض الصومال في مؤتمر لندن حول الصومال عام 2012 على دعمه لأي حوار مباشر بين الطرفين. وبالفعل عقد أول اجتماع مباشر بينهما في العام التالي بالعاصمة التركية أنقره ، وصدر عنه ما بات يعرف بوثيقة أنقرة التي ركزت على التعاون الأمني ومكافحة الارهاب. وعقد اجتماع آخر في اسطنبول في يوليو عام 2013، ثم جيبوتي عام 2015 الا أن تلك المفاوضات توقفت وسط أجواء متوترة وتبادل بالتهديدات، ولم يستأنف بشكل رسمي الا عام 2023 في جيبوتي ، واتفق الجانبان على استمرار المسار التفاوضي ، غير أن هذا الاتفاق انهار بعد أقل من 48 ساعة وذلك إثر توقيع اقليم أرض الصومال مذكرة تفاهم مع إثيوبيا لمنحها شريط ساحلي على خليج عدن ما أثار غضب الحكومة الصومالية في مقديشو.
منذ ذلك الحين أخذ الصراع، يسير تدريجيا نحو مسارات جديدة تدفع القضية إلى مربع جديد، وبدأ الطرفان يعملان في الخفاء ويستنفدان طاقاتهما من أجل حسم القضية عبر معارك سياسية محفوفة بالمخاطر.
ثلاثة معطيات جديدة أمام قضية اقليم أرض الصومال
أولا: الحكومة الصومالية وورقة العشائر الأخرى في أرض الصومال
بدأت الحكومة الصومالية في مقديشو باللعب بما يمكن تسميته بورقة العشائر الأخرى القاطنة في مناطق شمال الصومال غير المنتمية إلى عشيرة اسحاق المشكلة أغلبية سكان الاقليم لفرض حقائق جديدة على الارض، وتحقيق هدفين من وراء ذلك، الهدف الأول هو ممارسة الضغوط على إدارة الاقليم ودفعها نحو العودة إلى مائدة المفاوضات ووفق شروط مقديشو، والهدف الثاني هو سحب ممبرات الاعتراف وتوريطها في قضايا لطالما رفعتها هي من أجل المطالبة بالانفصال والإستقلال ، مثل قضية إرادة الشعب الذي وافق بأغلبة ساحقة في الاستفتاء على دستور الانفصال عام 2001 . وعندما تظهر أجزاء من اقليم أرض الصومال تطالب بعدم الانفصال وإبقاء الصومال موحدة فإن إدارة أرض الصومال تشعر بالحرج أمام الرأى العام العالمي أو اللاعبيين الإقليميين و الدوليين المهتمين بشؤون الاقليم.
لقد تم طبخ هذه الخطة على نار هادئة، وبدأت بشكل دراماتي عقب اندلاع المواجهات بين قوات أرض الصومال ومليشيات من عشيرة دوبلهانتي. هذه العشيرة انسحبت من إدارة أرض الصومال وسيطرت أجزاء من مناطق الاقليم ، وشكلت هذه الخطوة المدعومة من قبل مقديشو ضربة قاسية على طموحات الاقليم وتطلعاته إلى الحصول على الاعتراف الاقليمي أو الدولي.
لم تكتف الحكومة الصومالية عند هذا الحد وأنما تخطط في الوقت الحالي من أجل التأثير على العشائر الأخرى في الاقليم ، ولاسيما عشريتي عيسى وسمرون ، وأن بوادر هذا المخطط يلوح في الأفق بشكل باهت، ويمكن أن يتجلى بشكل أكثر وضوحا خلال الشهور المقبلة، وخصوصا بعد انتشار معلومات عن وجود تنسيق بين الحكومة الصومالية والحكومة الجيبوتية حول إنشاء إدرة مستقلة في اقليم أودل غرب أرض الصومال( شمال غرب الصومال) معقل عشائر عيسى وسمرون.
وفي المقابل، هناك أنباء تتحدث عن وجود تحركات من إدارة أرض الصومال للحصول على موطئ قدم لها في المناطق القريبة من العاصمة مقديشو لتتمكن من التأثير في قرارات مقديشو، وإثارة قضايا قد تخفف عنها الضغوط وتشغل حكومة مقديشو عن سعيها في انشاء ولايات اقليمية في أرض الصومال.
ثانيا: الدور الصيني والأمريكي في النزاع بين الصومال وأرض الصومال
في السنوات الأخيرة، دخل الصين على الخط، ردا على التقارب السياسي بين أرض الصومال والتايوان من جهة وطمعا في الثروة المعدنية في الاقليم من نحو آخر، وبدأ بدعم الحكومة الصومالية في مساعيها لمنع حصول الاقليم على اعتراف دولي، وهناك معلومات شبه مؤكدة تشير إلى تقديم الصين دعما ماليا يصل إلى أكثر من مليوني دولار للصومال لهزيمة اقليم أرض الصومال في منطقتي سول وسناغ، وإنشاء حكومة اقليمية في تلك المنطقة.
لم تقف إدارة الرئيس عبد الرحمن عيرو مكتوفة الايدي أمام هذا المخطط، وشرعت في إعداد حبكة سياسية لتغير مسار القضية والسماح بدخول لاعب جديد منافس للصين، الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بطرح ملف أرض الصومال في المحافل الاقليمية والدولية ، كما دخلت دولة قطر نيابة عن الولايات المتحدة على الخط واستضافت رئيس أرض الصومال عبد الرحمن عيرو في بلادها في شهر يوليو الماضي، معلنة انفتاحها على جميع المكونات الصومالية بما فيها اقليم أرض الصومال، وتلك كانت خطوة لم تقم بها الحكومة القطرية في السنوات الماضية، رغم دورها المؤثر في الشأن الصومالي.
لا شك أن الدور القطري الجديد جاء بتشجيع ومباركة من إدارة الرئيس ترامب التي تضم شخصيات داعمة لإدارة أرض الصومال ومطالبها ، وتحاول أنهاء النزاع بين مقديشو وهرجيسا ليكون هذا الانجاز ضمن “مسار ترمب للسلام والازدهار الدولي”.
ثالثا : الدور الإسرائيلي وقضية تهجير سكان غزة
منذ شهور، بزر اسم أرض الصومال ضمن الدول التي تنقل وسائل الاعلام الإسرائيلية بأنها مستعدة لاستقبال سكان غزة الذين يتعرضون لأسوء إبادة في التاريخ الحديث، ويعتقد البعض أن إدارة أرض الصومال التي وضعت الاعتراف ضمن أولوياتها القصوى رأت في عرض اسرائيل فرصة للحصول على الاعتراف أو على الأقل اعتراف اسرائيل والولايات المتحدة ، ولذلك لا يمكن استبعاد وجود مفاوضات مباشرة بين أرض الصومال واسرائيل حول تهجير الفلسطيين، وأن هذه المفاوضات فيما يبدو قطعت شوطا كبيرا، وبالتالي فدخول اسرائيل على الخط يعتبر مسارا جديدا وخطيرا في الصراع بين مقديشو وهرجيسا يمكن أن يقود الأمور إلى نقطة لا عودة إو إلى صراع مسلح بين الطرفين.
هل سيحصل اقليم أرض الصومال على اعتراف خلال السنوات القليلة المقبلة ؟
لا يمكن استبعاد ذلك في ظل ما تشهده الساحة الصومالية من تطورات مثيرة للجدل ، ونظرا للجهود التي تبذلها الإدارة الجديدة برئاسة عبد الرحمن عيرو، بالإضافة إلى رغبة أطراف دولية مؤثرة في حدوث ذلك، مثل الولايات المتحدة الامريكية ، وبريطانيا، واسرائيل.
رغم تقليل الحكومة الصومالية من شأن هذه التطورات، ووصفها بتحركات فردية غير مؤثرة ، لكن من يتابع سلسلة التصريحات التي يدليها مسؤولون في الولايات المتحدة ، وكان آخرها رسالة السناتور الأمريكي عن ولاية تأكساس وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي تيد كروس إلى الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال عند سؤاله عن إمكانية تغيير السياسة الأميركية التي تعترف بوحدة الأراضي الصومالية، “نحن ندرس هذا الأمر حاليًا” ، بالإضافة إلى الاستعدادات الجارية للزيارة المرتقبة للرئيس عيرو إلى الولايات المتحدة ، يتحقق أن موقف أمريكا في ظل رئاسة ترامب تجاه وحدة الصومال بدأ يتغير لصالح أرض الصومال، وأن هناك خطة أمريكية تهدف إلى تحريك هذه القضية ودفعها نحو الواجهة ليتحقق اختراق ربما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بالاقليم.
وفي موازاة ذلك، لا توجد خطة صومالية واضحة على الصعيد الخارجي لمواجهة هذه التحركات وتراهن الحكومة الصومالية الحالية على الدور الصيني والتركي .