هل إحياء مشروع “حلفاء الشرق” هو إلزام سوداني أم إختيار صومالي؟!

يتداول الساسة وبعض القيادات الأمنية الإفريقية القديمة واقعة حدثت في ثمانينات القرن الماضي مفادها أن هناك اجتماعاً خاصاً جمع وزير الأمن الوطني الصومالي في ذلك الوقت “أحمد سليمان عبد الله ” مع وزير الداخلية السوداني الأسبق الفريق “عبد الرحمن فرح” الذي بادر بحديثه “توصم الصحافة الامريكية العلاقة بين الخرطوم ومقديشو بالتوتر الغير معلن وأرى أنهم بحاجة إلى تحري الدقة في ذلك؟ فقال يوسف “تربطكم بواشنطن علاقات متميزة واستفساركم منها حول ما تخطه صحافتهم يبدو سهلًا! إلا إذا قررتم أن تلتفتون شرقاً؟، فأجابه “عبد الرحمن” فلنطرح إختلاف انتماءاتنا الأيديولوجية جانباً ونواصل السير حول ما نسعى لتحقيقه في الإقليم فهل أنتم جاهزون؟ فرد عليه “يوسف” قائلاً “الصومال جاهزاً اذا إقتنع السودان أن مربط أمنه يستدعي تشاوراً مع مقديشو” .

نقل الرسالة الفريق “عبد الرحمن” إلى قيادته في الخرطوم   والتي كان على رأسها في ذلك الوقت الرئيس “جعفر النميري” والذي رغم حرصه الكبير على إنجاح مشروع “حلفاء الشرق” إلا أن الضغوط التي وجهت إلى الخرطوم لإجهاض ذلك المشروع كانت أكبر من أن تتحملها القيادة السودانية التي كانت تواجه ما أطلقت عليه المخا برات الفرنسية “Déséquilibre politique”  وتعني باللغة العربية “إختلال الميزان السياسي” وأجبر بعدها “النميري” على التنحي.

جاءت زيارة مدير جهاز المخابرات السودانية الفريق أول “أحمد إبراهيم على مفضل” إلى جمهورية الصومال الفيدرالية مؤخراً لتعكس أبعاداً أمنيه و سياسية، وتأتي في سياق عودة زمام مؤسسات الدولة السودانية بيد قادتها، فبسبب تعدد الوجهات المساهمة في إيصال العتاد العسكري لمليشيا الدعم السريع، برزت منطقة “بونتلاند” الصومالية كواحدة من أبرز وجهات الإمداد الجديدة للمليشيا، وهذا ما يفرض على سودان ما بعد الحرب “طرح التوجهات، وصياغة الرؤى، وتنوع الأليات، وتحقيق الهدف”  

مثلما تدرك كافة دول الجوار الإقليمي للسودان أن إنتصارالجيش السوداني في هذه الحرب المتعددة الجنسيات، والتوجهات، والإمداد كان له أثره الإستراتيجي والأمني والسياسي على أمنها القومي فهي تدرك أيضاً تواضع مستوى صمود مؤسساتها الوطنية في حال تعرضها لذات المأزق الذي تعرض له الجيش السوداني، وهذا يعني أنها باتت على علم تام  أن هناك “ميزان قوى” جديد بدأ يتشكل ويلوح في الأفق وهذا ما يجب أن تعمل عليه الخرطوم اليوم.

تدرك الخرطوم بأن إدارة الدولة الصومالية في الوقت الراهن لا تمتلك القدرة الكافية لردع  عمليات الإمداد العسكري لمليشيا الدعم السريع القادمة من أراضيها وهذه فرصة الخرطوم لإعادة إحياء برنامج “حلفاء الشرق” الذي طرحته القيادة السودانية في حقبة الثمانينات وتم تجميده “لأسباب سياسية”

بعد نجاح المؤسسة العسكرية السودانبة من دحر التمرد وإسترداد الدولة هناك نقاط لابد للخرطوم من التركيز عليها وتعزيز كافة السبل لترجمتها إلى إستراتيجية تعزز بها الأمن الوطني والإقليمي:

  • تدرك دول الجوار الإقليمي للسودان أن هناك “ميزان قوى” جديد بدأ يتشكل في الشرق الإفريقي ومن الأفضل العمل معه، والتعاون والتنسيق بما يخدم المصلحة الوطنية، فنجاح القوات المسلحة السودانية في إدارة هذه الحرب المتعددة “الجنسيات، والتوجهات، والإمداد” له أثره الإستراتيجي والأمني والسياسي على كافة دول الجوار الإقليمي التي تدرك تماماً تواضع مستوى صمود مؤسساتها في حال تعرضها لذات المأزق الذي تعرض له الجيش السوداني، وهذا بحد ذاته كفيلاً بفرض هيبة الدولة السودانية ومؤسساتها الأمنية، التي باتت هي الجهة الأولى والأخيرة والوحيدة القادرة على فرض الإجماع الشعبي حولها وبكامل إرادته، ولتعزيز ذلك يقترح الأتي:
  • تأسيس مركز إقليمي للتدريب التكتيكي يكون مقره في الخرطوم، ويضم دول القرن الإفريقي ودول منطقة البحيرات، تتلخص مهمة هذا المركز في تبادل الخبرات الأمنية والعسكرية في كافة المجالات، ووضع أليات عملية لتعزيز البيئة الأمنية لكافة الدول الأعضاء، وتطوير الإستراتيجيات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة المقوضة لسيادة الدولة الوطنية، وتنظيم محاضرات وورش عمل للباحثين والمختصين في الشؤون الأمنية والسياسية.
  • مراقبة عملية المد والجزر “الأمني” بين إثيوبيا والصومال والتي لو نجحت الخرطوم في إحتواء تقلباتها يمكن بعد ذلك الحديث عن تجفيف منابع الإمداد العسكري لمليشيا الدعم السريع، وعليه لابد من التعرف على “شرطة ليو” وهي مجموعة شبة عسكرية تابعة لولاية الصومال الأثيوبية، تم تأسيسها بالإتفاق والتنسيق بين رئيس منطقة الصومال الأثيوبي السابق “عبدي محمود عمر” المعروف بــ”عبدي إيلاي” وجهاز الأمن الأثيوبي للقضاء على نشاط جبهة أوغادين، ومع تدهور العلاقات الصومالية الأثيوبية أنضمت مجموعة من “شرطة ليو” إلى إدارة منطقة جوبالاند الصومالية وتبعهم أعضاء من جبهة تحرير أوغادين “ONLF”،رغم توقيعهم إتفاق سلام مع الحكومة الأثيوبية عام 2018 إلا إنهم وفقاً لتصريحاتهم لم يجدوا فوائد ملموسة من هذا الإتفاق فغادروا إلى جوبالاند للقتال ضد حركة الشباب مقابل أجور مادية، وهذا ما يفسر تعيين العقيد “خالد شيخ عمر” قائداً لقوات المشاة التابعة للجيش الصومالي في نوفمبر2024 ، وذلك بسبب عمله السابق كرئيس لجهاز إستخبارات جوبالاند، ولكونه عضو سابق في “شرطة ليو”، وهذا ما دفع أديس أبابا إلى نقل قوات الدفاع الأثيوبية من مدينة هرر الشمالية إلى القيادة الشرقية “Gode “، وهدف إدارة رئيس الوزراء الأثيوبي “أبي أحمد” هو إظهار قدرة إدارته على حماية حدودها ضد التهديد المتمثل في إرسال القوات المصرية كجزء من بعثة الإتحاد الافريقي لدعم وإستقرار الصومال “AUSSOM” ، وإستمرار تلك الأوضاع في الحدود الصومالية الأثيوبية هي ما تسهل فرص عمليات تهريب الأسلحة من وإلى تلك المنطقة.

أرى أن فرص إحياء مشروع “حلفاء الشرق” رغم ضبابية مداه إلا أنه أقرب للتطبيق في ظل التطورات الأمنية والسياسية التي تحيط بمنطقة القرن الإفريقي والسودان، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار التقارب السوداني الأرتري، والأرتري الصومالي، والتأرجح الأثيوبي الذي سيأتي مدفوعاً بحس الوجود وحس الإستدراك .

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى