كشف تناقضات العقلانيين ٤

من أبرز سمات العقلاني رده للنصوص الشرعية بدون منهج علمي، بمعنى ليس له منهج نُحاسبه عليه، فتراه يرد حديثًا صحيحًا ويستدل بحديث موضوع أو ضعيف لأنها وافقت هواه؛ ورد النصوص الشرعية من أبرز سمات الخوارج، فإن ذا الخويصرة التميمي أصبح خارجيًا بمجرد رده على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقسيم الغنائم، فقال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، فهو لم يحمل سلاحًا ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا خرج عليه بنفسه، وإنما رد على رسول الله أمره، فأصبح بذلك مؤسس الخوارج. ترى من الأولى بحكم الخروج والمروق عن الدين: ذو الخويصرة الذي رد على الرسول في أمر واحد، أم العقلاني الذي رد جميع ما أُتي به الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ فقط ما يوافق عقله؟ لاح الجواب لمن له قلب وبصيرة!!

فتجد العقلاني يرد حديثًا ويأخذ حديثًا آخر في نفس السياق، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ترى العقلانيين يستدلون بهذا الحديث ويقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حليمًا يعفو ويصفح، وفي الحقيقة هذا الحديث ضعيف بعلل كثيرة، منها أنه مرسل، ومنها أنه ليس لدى الحديث إسناد ثابت، بينما يردون حديث الذين أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، مع أن الحديث صحيح وفي نفس الواقعة التي هي فتح مكة!!!

فهذا مثال على اختلال المنهج العلمي لدى العقلاني.

مثال آخر: الله تعالى قال ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، فيتقبلون هذه الآية بصدر رحب بدون مضايقة، فهذه الآية عندهم نص لا يحتمل الاجتهاد والتأويل، وليس في تفسيرها عندهم قولان، لكن هذه الرحمة هي حمله صلى الله عليه وسلم الرسالة وبشارته لمن يؤمن به، ونذيره لمن يكفر به. ويردون جميع الآيات التي تتحدث عن التغليظ بشأن من أبى هذه الرحمة التي أُرسل بها صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية لها أقوال وهي موطن نزاع وليست وفاقًا. وهذا من الخلل المنهجي عندهم، فإن سألتهم: لماذا أخذتم بهذه الآية ورددتم تلك الآيات؟ لا تجد جوابًا شافيًا إلا غمغمة وقرععة…

وأيضًا يردون حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: «بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله»، وفي نفس الوقت يأخذون ويستدلون بالحديث الضعيف الذي مفاده أن النبي أحسن إلى جاره اليهودي، مع أن إسناد هذا الحديث لا يخلو من ضعف…

ما هو الضابط الذي يسلكه العقلاني حين يرد حديثًا صحيحًا ويأخذ حديثًا ضعيفًا أو موضوعًا؟ إنه الهوى والتدليس والتلبيس…

وأيضًا يقبلون كلمات لأناس قبل آلاف السنين بدون شك، مثل أقوال أرسطو وسقراط وغيرهم، تراهم عندما ينقلون أقوالهم من شدة ثقتهم وكأنهم رووه مباشرة عن أرسطو الذي عاش قبل آلاف السنين. وإذا سألنا: ما الضابط الذي قبلتم به قول أرسطو الذي لا أحد يدري هل قاله أم لا؟ وإذا نقل عنه من نقل عنه؟ هل يمكن أن نقبل كلام رجل منسوب إليه في ورقات ومخطوطات تعود لعشرات القرون، بينما تشككون في الأحاديث التي لها أصول وقواعد محكمة وأسانيد قوية يُشترط في صحتها رواية عادل ضابط معتمد في نقله وضبطه؟

ثم إذا قال لك شخص: فلان يقول عنك كذا، فالمفروض أن تتأكد: هل فلان قال هذا عني؟ وليس من العقل أن تُحمّل الناقل مسئولية الكلام المنقول وحكمه. فالبخاري في صحيحه يقول: حدثنا فلان عن فلان، فالمفروض أن تبحثوا عن هذا الفلان: هل هو عدل ضابط أم فاسق؟ لكن بدل هذا، العقلاني حكم على البخاري بالكذب وبالشك، مع أن المنهج العلمي يقتضي التثبت من الشخص المنقول: هل قاله، لا الحكم على الشخص الناقل والطعن فيه.

محمد بن الحسن

كاتب وباحث صومالي ، خريج ماجستير في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى