قال تعالى: ﴿۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ﴾ [الروم: ٥٤].
فالشباب هو قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة. وما بكت العرب على شيء كما بكت على الشباب، حتى قال قائلهم:
ألا ليت الشباب يعود يوماً ** فأخبره بما فعل المشيب
فمرحلة الشباب فترة زمنية لها قيمتها ومكانتها في الحياة؛ فهي باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيب الثمار بواكيرها. وهي مرحلة الفتوة والنضارة. (من كلام الشيخ محمد إبراهيم السبر).
وقال تعالى: ﴿نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَیۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُمۡ هُدࣰى﴾ [الكهف: ١٣].
فهي مرحلة مهمة للغاية، وهي أفضل أوقات المرء في حياته، وأقواه جسمياً وعقلياً. وذكر الله في كتابه -كما في الآية السابقة- شباباً طُردوا من قومهم لأجل التوحيد والدعوة إلى الله، فلجؤوا إلى كهفٍ، فجعل الله قصتهم آية تُتلى إلى يوم الدين.
فالشباب والدعوة متلازمان؛ لأن الدعوة بدون الشباب لا تقوم، والشباب بدون دعوة لا يستقيم. فكل شاب مسلم داعٍ، شاء أم أبى، أدرك ذلك أم لم يدرك؛ إما أن يكون داعياً إلى الله ورسوله، أو داعياً إلى الشيطان وحزبه، ولا ثالث لهذين. وما أكثر الأخير وأقل الأول!
وعندما تسمع “الشباب والدعوة” تدرك أن رعيل الصحابة الأول كانوا شباباً، كان أكبرهم سناً في بداية الدعوة حول الأربعين أو دونها. وما من أمة إلا وكان شبابها هم من يغيرون مجرى تاريخها، ويبنون مستقبل أجيالها مستقبلاً مشرقاً. فالشباب قوة لا يُستهان بها..
الدعوة إلى الله رسالة كبرى ممتدة منذ خلق الله البشر، وهي مهمة قائمة إلى قيام الساعة. وشباب الصومال منغمس في الدعوة، وقد شهد تاريخ الصومال تيارات دينية متعددة. وإذا نظرنا إلى التاريخ القريب (القرن الأخير)، نجد أن الشباب الصومالي قدَّم الكثير للدعوة والدفاع عنها، حتى أيِس المستعمر الغربي من تنصير القلة القليلة من المجتمع الصومالي. وما قصة “درويش” وشيخ “بشير” وأصحابه وعلماء الطرق الصوفية عنا ببعيد، فلهم جميعاً دور بارز في إحياء الوعي الديني لدى الشباب عبر الزمن.
ومراحل الدعوة الصومالية تتغير مع مرور الزمن وتغير المكان، ومجتمع الصومال -ولله الحمد- ما زال يحترم كل ما له صلة بالدين.
والدعوة فن له علومه وآدابه وشروطه. قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ﴾ [النحل: ١٢٥].
هذه الآية عجيبة؛ فمن تدبرها وفهم معناها أدرك أن الداعي لابد أن يواجه أعداء أشداء، كعادة الأنبياء والرسل، بل أعداء يحرصون على قتله. لذا أمر الله تعالى بأن تكون المجادلة بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حتى عند مناقشة العدو والكافر، يجب على الداعي أن يختار أحسن الطرق لتوصيل الدعوة وإقامة الحجة، لا لطلب الغلبة والخصومة العقيمة.
هذه الآية الكريمة تحثنا على دعوة الناس بالحكمة البالغة، والموعظة الحسنة التي تؤثر في قلوبهم وعقولهم، بأسلوب نافع يقنع المدعو. والهداية بيد الله يهدي من يشاء.
على الداعي أن يتَّصِف ويتخَلَّق بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أنقذ الله به البشرية؛ لأنه يمثل الرسول ويحمل دعوته، وهو في خير كثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» (رواه البخاري).
ولهذا نرى هذه الأيام ردود أفعال واختلافات حادة بين بعض الدعاة الصوماليين، والأقبح من ذلك أن كلًّا يدَّعي أن حزبه وجماعته هم على الحق المبين دون سواهم. وهذا هو عين التعصب الديني. فترى أحدهم يكفِّر أو يبدِّع الآخر في مسألة فرعية يسوغ فيها الخلاف.
ولا بأس أن يتجمع الدعاة للخير والتعاون في مجال معين، وأن يطلقوا على أنفسهم اسماً، ولكن المشكلة الكبرى هي أن كل جماعة أو حزب يدَّعي أنه وحده على الحق، وأن جماعات المسلمين الأخرى على باطل! مع أن الصحابة والتابعين كانوا دعاة مع اختلاف آرائهم وفهمهم للنصوص.
لذا، على العلماء والدعاة الصوماليين أن يجعلوا اختلافهم اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
وبالمناسبة، فإن الصوماليين يظنون أن كل من وعظ وذكر آية هو “عالم” ويلقبونه بـ”الشيخ”. ولكن هناك فرق شاسع بين الدعاة والعلماء. فالعلماء هم أهل الاختصاص الذين يُرجع إليهم في المسائل الشرعية المعقدة، وهم المقصودون بقوله تعالى: ﴿فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]. أما الدعاة، فهم الذين يعظون الناس ويذكرونهم بالله تعالى. وكل عالم من الدعاة، وليس كل داعٍ من العلماء.
عبدالرحمن معلم عبدالله (دلجر)