التفاهمات السياسية في الصومال بين الرئاسة والمعارضة: مناورة تكتيكية أم شراكة حقيقية؟

تمثل سلسلة الاتفاقات غير المتوازية التي يقودها الرئيس حسن شيخ محمود سيفًا ذو حدّين؛ فهي من جهة تعكس قدرته على المناورة وامتلاكه أدوات متعددة للضغط السياسي، لكنها من جهة أخرى قد تفتح الباب أمام توترات داخل حزبه، بما يعرقل مساعيه لتكريس حضوره وترسيخ مشروعه في المرحلة المقبلة. وتكشف هذه التفاهمات عن إدراك الرئيس لتعقيدات المشهد الصومالي، وسعيه لإعادة خلط الأوراق بمرونة، متنقلاً بين استخدام المال كوسيلة لتعزيز النفوذ، وتوزيع المناصب لاحتواء الخصوم، واستثمار النقاشات المحتدمة حول الدستور والفيدرالية لإقناع المجتمع الدولي بأنه لاعب لا يمكن تجاوزه.

ورغم ما يتيحه هذا النهج البراغماتي من مكاسب آنية، فإنه يظل محفوفًا بمخاطر سياسية عميقة. فقد وجدت بعض الأطراف المعارضة في ملف تعديلات الدستور مجالًا للمناورة، إذ أعلنت دعمًا مبدئيًا دون التزام باستكمال التعديلات وفق رؤية الرئيس، وهو ما يضعف موقف المعارضة بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد.

وفي المقابل، قد تخلّف التفاهمات المبرمة مع شريف حسن وعمر عبد الرشيد ارتدادات سياسية واسعة، تجعل أي توافق عرضة للتأويل والمراجعة عند كل محطة مفصلية.

ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: هل ستنجح هذه المقاربة في ترسيخ الاستقرار، أم أنها ستعيد إنتاج دوامة الخلافات التي ظهرت سابقًا في التفاهمات مع ولايتي الجنوب الغربي والشمال الشرقي المتحالفتان حاليا مع الحزب الحاكم ومع الرئيس الحالي، ولا سيما التفاهات المبرمة مع شريف حسن وعمر عبد الرشيد؟

لا تقتصر هذه التفاهمات على بعدها السياسي المباشر، بل تنعكس كذلك على موقع رئيس الوزراء الحالي، حمزة، المنتمي إلى عشيرة “أوغادين”. إذ تسعى العشيرة إلى ترسيخ تقليد جديد يقوم على احتفاظها بمنصب رئيس الوزراء، خلافًا لما كان مألوفًا حين كان المنصب غالبًا من نصيب شخصيات من “المجيرتين”، القبيلة ذات الوزن المكافئ في معادلة المحاصصة.

وهنا يطرح السؤال: كيف ستمكن عشيرة “أوغادين” من تثبيت موقعها إلى جانب عمر عبد الرشيد، بعد هذه التفاهمات؟ أليس في ذلك ما يعيد رسم موازين القوى العشائرية؟ كما أن هذه التفاهمات تثير امتعاضًا مكتومًا في الشمال الشرقي، حيث قد تُفسَّر كانتقاص من حصتها في السلطة التنفيذية. ومثل هذا الصراع الصامت، إن خرج إلى العلن، قد يفتح جبهة جديدة من التوتر العشائري والسياسي داخل الصومال.

ويُعدّ الاتفاق مع شريف حسن، الرئيس السابق لولاية الجنوب الغربي، من أكثر الملفات حساسية وتأثيرًا. فالعلاقة بين قيادة الجنوب الغربي الحالية والرئاسة اتسمت تاريخيًا بالحذر والتوجس، وهو ما يجعل هذا التفاهم محاطًا بالشكوك. إذ قد تنظر قيادة الولاية إليه كخيانة سياسية تهدد توازناتها الداخلية وتنسف التفاهمات التي دفعتها سابقًا إلى الاصطفاف بجانب الحزب الحاكم. ومن شأن ذلك أن يفتح الباب أمام خلافات جديدة مع الرئاسة، ويجعل مستقبل العلاقة عرضة للانهيار عند أول اختبار حقيقي. وإذا تفاقمت هذه التناقضات، فإن الاتفاق لن ينجح في تهدئة الأوضاع، بل قد يتحول إلى مصدر لانقسامات أوسع، سواء بين الحزب الحاكم وقيادة الجنوب الغربي أو داخل الحزب نفسه، بما يضعف تماسكه الداخلي.

أما التفاهمات مع طاهر غيلي ومرسل، فتبدو شبه خالية من أي وزن سياسي حقيقي، لغياب قاعدة نفوذ مؤثرة لهما في المشهد الوطني خاليا. فهي أقرب إلى تفاهمات رمزية يُراد توظيفها إعلاميًا أكثر من كونها قادرة على إحداث تحولات في موازين القوى، خصوصًا في ظل هيمنة الرئيس الحالي ونفوذ شريف حسن المنشق عن التحالف المعارض، ما يجعل أثرها محدودًا ومحصورًا في الإطار الدعائي.

في المحصلة، تبدو هذه التفاهمات مكاسب تكتيكية للرئيس وحزبه، لكنها قد تتحول سريعًا إلى عبء داخلي يهدد وحدة الحزب الحاكم، ويضعف الثقة بقدرة الرئيس على إدارة المرحلة. وإذا لم تُترجم هذه التفاهمات إلى تحالفات مستقرة أو ترتيبات دستورية واضحة، فإن مشروع حسن شيخ محمود سيظل هشًّا، ومعرّضًا لتقلبات الولاءات وصراعات النفوذ. وهو ما يعيد إلى الواجهة المعضلة التاريخية للسياسة الصومالية: العجز عن تحويل التفاهمات اللحظية إلى استقرار طويل الأمد قادر على ترسيخ الدولة وتجنبها دوامة الأزمات المتكررة.

بقلم: علي أحمد محمد المقدشي

زر الذهاب إلى الأعلى