بالأمس جلست أمام شاشة الحاسوب المحمول وضغطت زر التشغيل، ثم وضعت سماعة “آيربودز” الأنيقة التي وصلتني مؤخرا هدية من صديق عزيز مع جهاز “ماك بوك” جديد. في تلك اللحظة بالذات، أدركت أن بعض الهدايا لا تقدر بثمن، لا لغلائها، بل لأنها تصل حين نكون في أمس الحاجة إليها.
كنت أبحث عن فيلم “الهاوي” (The Amateur)، حكاية رجل فقد زوجته في تفجير عابر، فتحول من موظف باهت إلى مطارد صامت في عالم تتشابك فيه الأسرار بالموت. قد تبدو الحكاية مألوفة، لكن التقديم كان كافيا ليشدني حتى النهاية.
رامي مالك لم يكن بطلا صاخبا، ولا وجها من ورق، بل رجلا مكسورا يقاتل على طريقته، ويمضي حيث يأخذه حزنه.
المواقع تتبدل، من باريس إلى مدريد إلى إسطنبول. الضوء خافت، والحوارات تتسلل مثل رسائل قديمة نسيتها الذاكرة. كل مشهد كان يهمس، والفيلم، بهدوئه الماكر، كان يطوقك دون أن يستأذنك.
لم أعد أبحث عن النهايات الكبرى ولا عن الانقلابات الدرامية. كل ما أريده الآن مشهد واحد صادق، يذكرني أنني لست وحدي في هذه الوكسة التي يسمونها الحياة.
صرت أبحث عن لحظة جديدة تحمل دفء الحاضر، لا برد الأمس، ولا صدى السنين التي مضت. لم أعد أرغب بالعودة إلى أفلام الأبيض والأسود، ولا بالغوص في أرشيف الثمانينات.
لا أحتمل إعادة المشهد ولا تكرار الحكاية. أبحث عن فيلم جديد كما يبحث العطشان عن قطرة ماء، أفر من الأرشيف، وأرتمي في حضن لحظة جديدة مهما كانت مشوشة أو ناقصة.
وهكذا، صار الرجل الذي كان يموت في أفلام الأبيض والأسود لا يرى نفسه إلا في الأفلام الأحدث، خصوصا تلك التي تحتفي بصدق اللحظة. الحياة لم تعد تمنحنا ترف الانتظار، والعبد لله في زمن كهذا لا يطلب سوى حياة بسيطة تختصرها شاشة صغيرة، وسماعة في الأذن، ونبض خافت يمرر رسائله إلى القلب مباشرة.
إلى اللقاء.