التنافس المغربي -الجزائري على الصومال

تحاول الصومال منذ سنوات، إقامة علاقات متوازنة مع كل من المغرب والجزائر اللتان تشهد علاقاتها توترا منذ عقود بسب منطقة الصحراء الغربية، لكنها تواجه تحديات كبيرة أمام تحقيق ذلك على أرض الواقع؛  لأن لدى كل من المغرب والجزائر  مطالب من الصعب أن تستجيب لها الصومال.

 فالمغرب تلح منذ سنوات في اعتراف الصومال بمشروع الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية، والإنضمام إلى الدول التي لها قنصليات عامة في مدينة الدخلة بأقصى الصحراء الغربية. عرضت المغرب للصومال إغراءات تشمل زيادة المنح الدراسية المقدمة للطلاب الصوماليين  ، ودعم السفارة الصومالية وقنصليتها في الدخلة ماليا، بالإضافة إلى رفع مستوى التعاون الاقتصادي،  والسياسي ، والأمني بين البلدين للقيام بهذه الخطوة التي لا شك تثير إنزعاج وغضب الجزائر الداعم الأكبر لجبهة بولساريو الساعية إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية  التي تعتبرها المغرب جزءا  لا يتجزأ من أراضيها.  فبعد أن كانت الدول التي اعترفت بمنطقة الصحراء الغربية في البداية 36  دولة من جميع قارات العالم، انخفض هذا العدد اليوم إلى 16 دولة فقط، أي ما يعادل حوالي 30% من دول القارة وذلك بسبب الدبلوماسية المغربية الحثيثة لكسب ود العديد من الدول التي اعترفت الصحراء الغربية عام  1979  وفي فترة الثورات الأفريقية ضد الاستعمار.

بدورها، بدأت الجزائر بإلقاء دلولها في الدلاء وتفعل كل ما وسعها لثني الصومال من القيام بهذه الخطوة أي فتح قنصلية في مدينة الدخلة ودعم مشروع المملكة المغربية تجاه منطقة الصحراء الغربية.

 زار الصومال خلال العامين الماضيين وزراء ومبعوثون ومسؤولون من الجزائر والمغرب بهدف كسب الحكومة الصومالية الحالية.

 اتخذت الصومال في عهد الرئيس محمد عبد الله فرماجو خطوة  دبلوماسية تهدف إلى تحسين العلاقات مع المغرب وتمتينها،  استجابة لإغراءات الأخيرة ، وقام وزير  الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الصومالي انذاك، أحمد عيسي عود  عام 2019  بزيارة إلى الرباط استمرت لعدة أيام،  أجرى خلالها مباحثات وصفت حينها بالناجحة والمهمة مع  نظيره المغربي ناصر بوريطة.  وأعرب وزيرا البلدين خلال المباحثات عن اعتزازهما بالمستوى الملحوظ للعلاقات الصومالية المغربية وأهمية توسيع التعاون في جميع المجالات والمحاور ، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية،  والأمنية ، والعسكرية ، والثقافية، والعلمية ، والقضائية،  والقنصلية،  والاجتماعية ، وكذلك التنسيق والتشاور حيال مواقف مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.

وعلى هامش هذه المباحثات، وقّع الوزيران ثلاث مذكرات تفاهم تشمل:

  1. تشكيل اللجنة العليا المشتركة المغربية الصومالية برئاسة وزيري خارجية البلدين بهدف تحقيق التشاور والتنسيق السياسي في القضايا الثنائية والعربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ودراسة وإعداد الوثائق والوسائل والآليات في مختلف مجالات التعاون الاقتصادي والمالي والتجاري والثقافي والعلمي والقضائي والقنصلي والاجتماعي، وكذلك اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، كما أنها تعمل على متابعة تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم وبرامج التعاون الموقعة بين البلدين.
  2. إنشاء آلية لمشاورات منتظمة وفعالة بين كبار مسؤولي وزارتي الخارجية الصومالية والمغربية. وأن يجتمع المسؤولون بانتظام بالتناوب في المغرب والصومال لعقد مشاورات بشأن العلاقات الثنائية، وكذا القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
  3. تأسيس وتوثيق التعاون في مجالات التكوين الدبلوماسي الأكاديمي والعملي لفائدة موظفي الطرفين، وكذا وضع إطار لتعاون ديناميكي ومستدام في مجالات تكوين الدبلوماسيين الشباب، وكذا تبادل التجارب والمعلومات وبرامج التدريب والدراسات والوثائق المرتبطة بالدبلوماسية والعلاقات الدولية، وذلك عبر تنظيم دورات تدريبية في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لفائدة دبلوماسيي كل طرف، وتبادل الدبلوماسيين المتدربين في سياق التدريب الأولي وتبادل المنشورات الصادرة عن كل طرف والوثائق ذات الاهتمام المشترك على أساس احترام تام لحقوق الملكية الفكرية وغيرها.

 خلال هذه الإجتماع أكدت الصومال على دعمها الثابت للوحدة الترابية الوطنية المغربية في جميع المنتديات الدولية ، في حين طالب  الحكومة المغربية من الصومال  فتح سفارتها في الرباط وقنصلية عامة في الدخلة ، متعهدة بدعم السفارة والقنصلية ماليا.

وبالفعل قامت  الصومال بإعادة فتح سفارتها في الرباط، وعينت سفيرا جديدا لها وعندما جاء السفير الصومالي إلى الرباط منحته الحكومة المغربية سيارة دبلوماسية، وبدأت بدفع إيجار مقر السفارة كما تم الاتفاق عليه في اجتماع عام 2019، بيد أن الصومال لم تفتح  حتى الآن وبعد مرور أكثر  من 5 سنوات قنصلية لها في مدينة الدخلة. كما لم تبد استعدادها بتنفيذ ما ورد في  مذكرات التفاٍهم الثلاثة الموقعة بين البلدين.

عادت وزارة الخارجية الصومالية في عهد الرئيس فرماجو  من هذه الإجتماع بإنطباع أنها حققت انجازا كبيرا وأنها تمكنت من الحصول على دعم مهم من دولة أفريقية- عربية وخاصة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية ،  لكن عقب انتخاب الرئيس حسن شيخ رئيسا للصومال عام 2022 تغيرت الأمور ، وقررت الصومال فيما يبدو تعليق الاتفاقيات بين البلدين، وخفض مستوى التطور الذي  كانت  تشهده العلاقات بين البلدين،  والدليل على ذلك لم تلب الحكومة الصومالية حتى الآن دعوات لزيارة وزير الشؤون الخارجية  والتعاون الدولي الصومالي إلى المغرب، وأرسلت بدلا منه وفودا  بمستوى منخفض من الوزارة إلى الرباط.

 في المقابل شهدت العلاقات بين الصومال والجزائر بعد مجيئ الرئيس الدكتور حسن شيخ إلى السلطة تطورا ملحوظا ولافتا. تبادل البلدان وفودا لتحسين العلاقات بينهما وتطويرها ، ، وعينت الصومال يوسف أحمد حسن سفيرا جديد لها لدى الجزائر ، في حين عينت الجزائر بومدين ماحي، سفيرا فوق العادة ومفوضا لها لدى الصومال مع الإقامة بنيروبي. كما شهدت لقاءات متعددة أجراها وزير الخارجية الجزائري  أحمد عطاف مع وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقه ومسؤولين كبار من الوزارة في عواصم عدة .

بالإضافة إلى ذلك  بعث الرئيس الصومالي الدكتور حسن شيخ  في نوفمبر الماضي مبعوثا خاصا إلى الجزائر لتسليم رسالة خطية إلى رئيس الجزائر عبد المجيد تبون. وفي تصريح صحفي عقب استقباله من قبل الرئيس الجزائري،  أكد السيد طاهر محمود جيليه مبعوث الرئيس الصومالي الخاص أن الصومال تتطلع إلى أن تظل العلاقات الجزائرية الصومالية كما هي وكما هو معروف، متينة وأخوية مع عقد لقاءات متبادلة وتنسيق في القضايا العامة الاقليمية والدولية”, لافتا الى أن الرسالة التي سلمها الى رئيس الجمهورية “تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وكذا القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

هذه التحركات أثارت جدلا حول مسقبل العلاقات الصومالية المغربية ، كما يتساءل البعض ما هي الآسباب ورواء هذا التغير والتوجه الصومالي  نحو الجزائر  بدلا من المغرب.

 عزا البعض هذا التقارب بين البلدين إلى أن الجزائر تعهدت بدعم الصومال ماليا، وهناك معلومات شبه مؤكدة عن حصول الصومال على مساعدات نقدية مباشرة من الجزائر ثالث أكبر أقتصاد عربي ، وهي التي وضعها صندوق النقد الدولي عام 2024 في المرتبة الثالثة، ضمن أهمّ اقتصادات أفريقيا.

كما أن الصومال تتطلع إلى دعم الجزائر في صراعها مع إثيوبيا. وساعدت الجزائر بقوة ملف الصومال للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي .  وكذلك تسعى الصومال إلى تعزيز التعاون المشترك مع الجزائر في المحافل الإقليمية والدولية، وخاصة ضمن المجموعة A3+ في مجلس الأمن ، لتقوية الأولويات المشتركة والتنسيق الدبلوماسي.

 وهناك أيضا معلومات تتحدث عن أن الصومال برّدت علاقاتها مع المغرب كرد لإتفاقية الدفاع المشترك بين المغرب وإثيوبيا الموقعة في أغسطس عام 2024. وبالمناسبة كانت الأخيرة إحدى الدول الأوائل التي دعمت جبهة بوليساريو، واعترفت بمنطقة الصحراء الغربية.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى