بونت لاند تطارد الإرهاب في جبال (تورابورا) الصومالية  

تواصل قوات الدفاع الشعبي لولاية بونت لاند الصومالية عملياتها العسكرية ضد عناصر التنظيم الإرهابي-داعش في شهرها الثاني ببسالة، وبدعم ومساندة من الشعب الصومالي العظيم الذي وقف إلى جانب قواته بالنفس والنفيس، دفاعا عن أرضه وكرامته من أي عدوان خارجي أو محلي، وللحفاظ على كينونته الأمنية،  والاجتماعية، والاقتصادية.

تعتبر هذه الحرب بمنظورها الاستراتيجي واحدة من أصعب الحروب التي دارت بين قوات الدفاع الشعبي في ولاية بونت لاند وتنظيم داعش ، وكان من شبه المستحيل أن يتم إنجاز ما تحقق حتى الآن من انتصارات لولا دعم ومساندة سكان الولاية الأبطال،  وذلك لقلة الإمكانيات العسكرية والمادية التي تملكها حكومة بونت لاند، وعدم وجود أي إمدادات خارجية لصالحها، في ظل العلاقة السياسية المتوترة مع الحكومة الفيدرالية منذ السنوات الأخيرة.

كل ذلك لم يكن عائقا في طريق قوات الدفاع الشعبي في بونت لاند لتخطيط وتنفيذ حرب شاملة على القواعد الإرهاب في المناطق الجبلية.

ومن الجدير بالذكر أن رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبدالله دنى ترك مكتبه في القصر الرئاسي قبل شهور،  واتخذ قاعدة عسكرية غير بعيدة عن منطقة العمليات مقرا له، للإطلاع عن قرب  على حقيقة الأوضاع في الميدان، وسير العمليات ، والخطط العسكرية لتدمير الارهاب،   مما يدل على جدية  حملة بونت لاند ضد تنظيم داعش الإرهابي. وفي الحقيقة هذه الخطوة ساهمت بشكل كبير في رفع الروح المعنوية لفرق الدفاع الشعبي، كما لاقت استحسانا من سكان بونتلاند، بل الشعب الصومالي بمختلف شرائحه ومكوناته ولفت انتباههم تجاه العملية العسكرية ضد الارهاب.

وبما أن رئاسة ولاية بونت لاند  بذلت كل ما في وسعها من مجهود لتهيئه فروع قواتها، وضم قوات الدفاع الشعبي إلى صفوف كتائبها العسكرية، وتجهيز ما لديها من أسلحة نوعية ، ومعدات لوجيستية إستعدادا لحرب ضروس ومعقد ضد تنظيم الإرهابي-داعش في سلسلة جبال (علمسكات) الواقعة في مقاطعة شرق الصومال، (باري) أكبر المقاطعات الصومالية، إلا أن الأمر لن يكون سهل المنال وفق توقعات أكثر المحللين تفاؤلا، نظرا لطبيعة المنطقة الجبلية ووعورتها،  ومساحتها الشاسعة طولا وعرضا، حيث تمتد لـ٤٠ كيلومترا بالإضافة إلى مئات الكيلومترات من مساحة الأراضي المتاخمة لها، وهي منطقة جغرافية صعبة من حيث التضاريس ، ووعورة الطرق، وكثرة المنحدرات الشديدة الميلان والصخور، إضافة إلى خنادقها الطبيعية التي استخدمها الإرهاب كحصون تمكنه من الاختباء فيها بسهولة، وهي أشبه بجبال (تورابورا) الأفغانية التي احتمى بها تنظيم القاعدة في بداية الحرب على الإرهاب مطلع القرن الجاري.

هذا ولم تتردد القيادة من أداء مسؤولياتها، وواجباتها تجاه أمن الولاية وضرب العدو المتطرف البغيض، الذي كان يسعى إلى توسيع رقعة نفوذه في البلاد بيد من حديد. لقد شنت قوات الدفاع الشعبي للولاية هجماتها  البرية على مخابئ العدو ، ومن دون غطاء عسكري جوي من التحالف الدولي لمكافحة التنظيمات الإرهابية، بإستثناء عدة غارات جوية أمريكية وإماراتية استهدفت قياديين من التنظيم ، ما سمح لقوى الدفاع الشعبي السيطرة على قواعد هامة، وقتل مئات من عناصر داعش.

ومن أهم المواقع التي تعرض فيها العدو لأنكر الهزائم: Dharjaale, Turmasaale,Godka-camayra, Ballidhidin Dharrin، Togga، Qurac . وأصبحت تلك المواقع قاطبة في أيدي قوى الدفاع الشعبي لولاية بونت لاند.

من المعلوم أن الإرهاب كان من أخطر الأزمات التي ضربت أطنابها في بلادنا منذ مطلع الألفية الجديدة، حيث سيطرت حركة الشباب الإرهابية على أغلب الأقاليم الجنوبية والوسطى، من بينها العاصمة  مقديشو وكثير من المدن الرئيسية الهامة، ونفذت مئات من التفجيرات عبر الانتحاريين ، والمركبات المفخخة ، والألغام الأرضية، ما أودى بحياة آلاف من المواطنين الأبرياء. وبفضل الجهود المبذولة من قبل الجيش الوطني الصومالي، وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام، تم استعادة معظم أقاليم البلاد، وبسطت الحكومة سلطتها وسيطرتها الأمنية على تلك المناطق، بالرغم من عدم توفر المرافق والخدمات الأساسية لسد إحتياجات سكان المحافظات المحررة ، لاسيما المناطق النائية الواقعة في الحدود الغربية والجنوبية. والجدير بالإشارة إلى أن بعض تلك المناطق ما زالت خاضعة لسيطرة الإرهاب، ولم يتم تحريرها بعد.

لاشك أن ذلك الإرهاب الذي كنا نعاني منه وعمل في إعاقة مسيرة السلام والإستقرار والتنمية، وهدد الكينونة الإنسانية منذ عقود، ما زال يسعى لإجهاض الجهود الحكومية،  والمساعي الدولية لإعادة بناء وهيكلة مؤسسات الدولة، كان ولا يزال يستعين قيادات متطرفة من أصول صومالية منفصلة عن مجتمعنا، وإن كانوا ينفذون أيدولوجيات غريبة وأفكار دخيلة.

بخلاف ذلك، فإن التنظيم الإرهابي-داعش الذي اجتاح بلادنا يظهر مخاوف أكثر خطورة من تنظيم الشباب الإرهابي، حيث ينطلق من أفكار خارجية يخططها ، وينفذها أعضاء أجانب، الأمر الذي يزيد قلق المجتمع الصومالي إزاء المعركة الجارية في المناطق الجبلية ببونت لاند.

بالإضافة إلى ذلك يبدو أن التنظيم يستغل من اللاجئين الأجابب الذين يدخلون في بلادنا عبر الحدود البرية والبحرية دون أي تأشيرات ووثائق معتمدة، وهذا التدفق قد يزيد الطين بلة،  ويغذي الإرهاب ما يستوجب يقظة وتضامنا من المجتمع الصومالي، ومساعدة الحكومة  في  مكافحة الإرهاب،  واستئصال جذوره للحيلولة دون وقوع أزمات جديدة لا نهاية لها.

رغم إبداء رئيس الوزراء السيد حمزة بري في منتصف شهر يناير/كانون الثاني عن تأييده وأشادته بنضال قوات الدفاع الشعبي في ولاية بونت لاند ، ووقوف حكومته إلى جانب الولاية ماديا ومعنويا ، إلا أن الدعم الفيدرالي مازال غير بارز في ميدان القتال، وهذا الأمر إن دل على شيئ إنما يدل على حجم الخلاف السياسي بين الحكومة والولاية.

لكن لا بد أن ندرك أن     هذا الأمر يتيح لتنظيم داعش الإرهابي فرصة للاستمرار في القتال أمام قوى الدفاع الشعبي، وينبغي أن تتخذ الحكومة إجراءات حيوية لإذابة الثلج بين الجانبين، والاستجابة لمطالب الولاية التي تدافع ثغرة من ثغور البلاد عن الارهاب والاستعجال بإرسال إمدادات عسكرية ولوجيستية للقضاء على ما تبقى من عناصر تنظيم داعش.

فلله النصر ويعطي لمن يناضل.

النقيب: علي حسن بيحي

عسكري صومالي وباحث في الشؤون الأمنية.

Biixi.023@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى