الانسحاب الطوعي إلى هامش الحياة

القرآن الكريم هو ما يمنحنا الرؤية، ويرسم لنا نطاق العمل والحركة، وكل ذلك بشكل واضح وجلي.

إن نظرة فاحصة في قصص الأنبياء تجد أن السمة الأساسية في حياتهم هي الجهاد/ الصراع مع الجهات المتتفذة في المجتمع ( الملأ) حيث كانت نقطة الصراع معهم تتمحور في تحديد الجهة العليا التي يحق لها السيادة والهيمنة، ووضع القيم.

فالأنبياء ما كانوا يتعرضون للقتل أحيانا أو التهجير أو الاعتداء إلا بسبب حركتهم الدؤوبة التي لا تعرف الكلل، ومعارضتهم للملأ في مخططاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو بعضها، وإلا فلو عاشوا في هامش الحياة، وانصرفوا إلى مشروعات سهلة لا تمس الجوهر، ولا تزعج الطغاة لما كان لهم هذا الأثر الباقي إلى قيام الساعة.

وهذه المعارضة التي كان يقودها الأنبياء لما كان عليه الملأ هي التي كانت تقسم المجتمع إلى فسطاطين، وتجعلهم فئتين.

 كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة: 213)

وهذا دليل على أن الدعوة الإسلامية دعوة ذات أهداف سياسية، حيث إنها مهتمة بالدرجة الأولى لتحديد الجهة التي من حقها أن تحكم الناس، وتضع القيم والمعايير في الحياة،( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)  ثم يأتي دور تطبيق هذه المبادئ على واقع الحياة فموسى عليه السلام طالب فرعون بتحرير بني إسرائيل من بطش فرعون وظلمه ( سياسي)، وشعيبٌ عليه السلام، طالب قومه بإيفاء الكيل والميزان والتخلي عن التطفيف،( اقتصادي) ولوط عليه السلام خاصم قومه لأجل مسائل اجتماعية وأخلاقية( اجتماعي).

فالسمة الجامعة بين الأنبياء أنهم كانوا بسبحون ضد تيار الملأ والظالمين والمفسدين والمتنفذين ومريدي العلو في الأرض.

وبهذا ، فإن إعلان بعض الجماعات الدعوية ابتعادها عن المسائل السياسية هو إعلان لخلو حياتهم من الصراع والجهاد مع الظلمة، وهو فهم ساذج للدين ولحقيقة الصراع القائم بين المصلحين والمفسدين.

فالمفسدون يوالي بعضهم بعضا، ويحرصون بالدرجة الأولى على توجيه دفة الحياة ووضع القيم والمعايير، وتشكيل المعرفة، ثم بعد ذلك لا يبالون من خالفهم إذا كان معتكفا في صومعته، يقضي سحابة يومه بالأوراد والصلوات.

محمد عمر أحمد

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى