رحلتي مع القراءة:من الفلسفة إلى الأدب(1)

بدأت علاقتي بالقراءة في سن المراهقة، وكانت رحلة طويلة اتسمت بشغف دائم وتنقل بين مجالات مختلفة. انطلقت بمحاولات استكشاف الفلسفة، متأثرا بأسماء ثقيلة مثل نيتشه وشوبنهاور. لكنني وجدت نفسي عاجزا عن فهم تلك الأفكار العميقة التي كانت تفوق قدرة عقلي الصغير آنذاك.

في لحظة حيرة، استشرت أستاذي محمد موسى أبو جبل(ربي يمسيه بالخير) الذي نصحني بالابتعاد عن الفلسفة في تلك المرحلة والتركيز على الأدب أكد لي أن الروايات، بما تحمله من خيال وإبداع، ستكون أقرب إلى عمري وشخصيتي في ذلك الوقت.

كانت تلك النصيحة بداية رحلتي الحقيقية مع القراءة. انغمست في عالم الأدب، ثم توسعت إلى السياسة والتاريخ والطب. كنت أقرأ بشغف كبير لأكثر من ثلاثة عقود، متنقلا بين الكتب والمؤلفين. أصبحت القراءة جزءا لا يتجزأ من حياتي، ومصدرا دائما للإلهام والمعرفة.

لكن مع مرور الأيام، وبفعل انشغالات الحياة التي لا تنتهي، بدأت علاقتي بالقراءة تتراجع تدريجيا. اكتفيت بقراءة الصحف والمجلات، وأحيانا بعض الفصول من الكتب، مما جعلني أفقد جزءا من تلك العلاقة الوثيقة التي كانت تربطني بالكتب.

في العام الماضي، شعرت بشيء يتغير داخلي؛ عاد شغفي القديم ليطل برأسه من جديد. أصبحت لدي رغبة قوية في العودة إلى كتبي المفضلة، وبدأت أفكر في إعادة قراءة الأعمال التي أحببتها أيام زمان.

لكنني لا أريد أن أكتفي بالعودة إلى الماضي، بل أتطلع إلى استكشاف مجالات جديدة لم أخضها من قبل. في مقدمة هذه المجالات تأتي التكنولوجيا، هذا العالم الذي يسيطر على الحاضر ويعيد تشكيل المستقبل. يثير فضولي رغم إدراكي أن فهمي له لا يزال محدودا. أطمح إلى البدء بكتب تقدم مدخلا بسيطا إلى التكنولوجيا، ثم التدرج نحو تعمق أكبر، كما فعلت في المجالات الأخرى.

أدرك أن القراءة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هي أداة لفهم العالم من حولي، وإعادة اكتشاف نفسي. عودتي إلى الكتب ليست عودة لعادات قديمة، بل هي محاولة لإحياء الشغف وبناء علاقة جديدة مع أفكار أكثر تنوعا.

رحلتي مع القراءة لم تنته بعد، بل هي مستمرة في فصل جديد. بين كتب القادة العظام التي تعيدني إلى عظمة الماضي، وكتب التكنولوجيا التي تفتح أمامي أبواب المستقبل، أجد نفسي مرة أخرى في مواجهة جديدة مع ذاتي ومع عالم لا يتوقف عن التغير.

وربنا المستعان.

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى