القاهرة: صفاء عزب
في فترة الستينيات من القرن الماضي فكرت فرنسا في اللجوء للصومال لتأسيس قاعدة تابعة لها خاصة بإطلاق الصواريخ للفضاء وكان سبب وقوع اختيارها على الصومال أنه قريب من خط الاستواء وهو أحد المزايا المطلوبة لهذه المهمة الفضائية، ورغم أن المشروع لم ينفذ، لكن فكرته البراقة ظلت موجودة خاصة في ظل موقع الصومال الاستراتيجي الحيوي الذي جعله محط أنظار العديد من الدول للاستفادة منه والتعاون معه. وعادت الفكرة لتبعث للحياة من جديد على يد تركيا أحد أهم الدول التي تتمتع بعلاقات صداقة متينة مع الصومال على مدار سنوات طويلة، قامت بتدعيمها بالعديد من المشروعات في شتى المجالات.
لذلك لم يكن غريبا أن يقع اختيار تركيا على الصومال ليكون شريكا لها وداعما على دخول نادي الفضاء والمنافسة مع الكبار الذين سبقوها في هذا المجال ومنحها بطاقة التأهل لهذا الإنجاز العلمي الكبير. وذلك من خلال تأسيس قاعدة إطلاق صواريخ بعيدة المدى تنطلق منها للقمر وباقي الأجرام السماوية لاستكشاف الفضاء، وهي مهمة علمية يمكن للصومال أن يفيد منها كثيرا.
قبل أن يلملم عام 2024 أوراقه ويطويها معه، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عن هذا المشروع الجديد الذي يتوج مشروعات التعاون التركي الصومالي المتعددة. وعلى الرغم مما أثاره هذا الخبر من جدل سيما وأن الخبر جاء بعد أقل من أسبوعين من الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا للوصول لاتفاق صومالي إثيوبي يمنح الأخيرة منفذا إلى الساحل الجنوبي لخليج عدن ويسدل الستار على خلاف طويل بين الجارتين الإفريقيتين.
علاقات قوية وتعاون في مجالات عديدة
جدير بالذكر أن العلاقات الصومالية التركية تتسم بخصوصية شديدة وازدادت تعمقا في أعقاب زيارة طيب أردوغان للصومال عام 2011 حينما كان رئيسا لوزراء بلاده وكان أول زعيم أجنبي يزور الصومال بعد عقدين من الحروب الأهلية وكان ذلك بمناسبة افتتاح السفارة التركية في مقديشو والتي تعد أكبر سفارة تركية في العالم. وفي عام 2015 تم توقيع اتفاق تعاون في مجال الدفاع تضمن إجراء مشروعات بحثية وتطوير وإنتاج مشتركة في المجال العسكري لصالح الطرفين. وفي عام 2017 افتتحت أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد من بين أهدافها تدريب الجنود الصوماليين. وخلال تلك الفترة تعددت زيارات أردوغان رئيسا لبلاده إلى الصومال مصطحبا معه نخبة من رجال الأعمال والمستثمرين لحثهم على الاستثمار داخل الأراضي الصومالية.
وهي الزيارات واللقاءات التي أثمرت عن العديد من المشروعات المفيدة للطرفين منها في مجال التنقيب عن النفط في السواحل الشرقية وسد حاجتها الملحة له حيث تسعى تركيا للاستغناء عن النفط الإيراني والروسي، كما تسعى لتنفيذ مخططها لاستكشاف الموارد الهيدروكربونية. وأعلنت تركيا أيضا عن مشروعات لمساعدة وتعليم الصوماليين حرفة الصيد التي يمكن أن تدر عليهم مكاسب تصل إلى 300 مليون دولار يحرمون منها حاليا لعدم وجود موانئ طبيعية كافية.كما يشمل أيضا الاستثمار في مجال المواني منها ميناء العاصمة والمطار بجانب ميناء هوبيو الذي تنفذه شركة ميتاج التركية مع الجانب الصومالي ويقع على بعد 435 ميلا شمال شرق العاصمة مقديشو بتكلفة 70 مليون دولار كمرحلة أولى على أن ينتهي خلال 3 سنوات. يضاف إلى ذلك مشروعات بيع الطائرات المسيرة تركية الصنع من طراز بي تي 2 والتي ساعدت الصومال في مواجهة جماعة الشباب. كما تنتشر السلع التركية بمختلف أنواعها في الصومال بجانب حرص تركيا على نشر لغتها من خلال إقامة مدرسة هناك كأحد وسائل التواجد والانتشار بين الصوماليين التي منحتهم مزايا نسبية عند السفر لتركيا مقارنة بغيرهم من أبناء القارة الإفريقية.
من الصومال للقمر
ولا يخفى على أحد حرص تركيا على التواجد بقوة ومنافسة الكبار في إفريقيا وخاصة منطقة القرن الإفريقي الحيوية ومن هذا المنطلق تكثف مشروعاتها بالصومال والتي توجتها مؤخرا بقاعدة الصواريخ.
وكانت تركيا قد عملت على زيادة مدى صواريخ تايفون محلية الصنع وتفكيرها في ارتياد الفضاء.
وجاء التفكير في الصومال بحكم موقعه القريب من سواحل المحيط الهندي المفتوحة بما يزيل مخاطر احتمالات سقوط حطام الصواريخ في المناطق السكنية أو الدول الأخرى. كما وقع الاختيار على الصومال أيضا لقربه من خط الاستواء وهي منطقة مثالية لزيادة كفاءة ومدى عملية إطلاق الصواريخ.
وقد طرح هذا المشروع سابقا في البي بي سي التركية عام 2021 لكن سيردار حسين يلدريم رئيس وكالة الفضاء التركية رفض التعليق على اسم البلد التي تم اختيارها لحساسية الموضوع.
وكان من طموحات تركيا العلمية أن تطلق صاروخها الفضائي الهجين محلي الصنع عام 2023 وتوجهه للقمر بعد وصوله إلى مدار الأرض السفلي احتفالا بالذكرى المئوية للجمهورية التركية، وذلك بعد قيام الإمارات العربية وقتها بإرسال مسبارها الفضائي “الأمل” إلى المريخ.
ويعد الصومال هو ثالث اختيار لهذه المهمة بعد قاعدة بايكونور التي يستخدمها الروس في كازاخستان وسبيس إكس وفلوريدا التي تشهد تجارب وكالة ناسا للفضاء.
لاشك أن المشروع التركي الفضائي الذي يتكلف نحو 6 مليار دولار، يحمل مزايا كثيرة للصوماليين منها توفير فرص عمل تسهم في حل مشكلة البطالة وضخ إيرادات إضافية للبلاد إلى جانب الأهمية العلمية التي تتيح للصومالية التعرف عن قرب على هذا المجال المتقدم علميا والذي يستقطب صفوة علماء الفلك والفضاء ويجعل الصومال محط أنظار واهتمام العالم.