قراءة أولية حول الاتفاق ” التاريخي” بين الصومال وإثيوبيا  في أنقرة

 أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ، يوم أمس الأربعاء في أنقرة عن اتفاقهما  على نبذ الخلافات ، وتنحية القضايا المتنازع عليها (دون أن يذكر بالإسم) جانبا، ،  وبدء صفحة جديدة من التعاون المشترك بين البلدين، وبما يحترم سلامة أراضي الصومال ويضمن وصول إثيوبيا “الآمن” إلى البحر( ويجب أن نضع خطا تحت كلمة  الآمن)، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.  كما اتفق البلدان على بدء المفاوضات الفنية بشأن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لغاية نهاية شهر فبراير المقبل ( وينبغي أن نتذكر أن هذا هو موعد بدء بعثة الاتحاد الأفريقي عملها في الصومال) وعلى أن يتم التوصل إلى نتيجة خلال 4 أشهر .

في البداية ، لا بد من الإشارة أن ملف الخلافات بين الصومال وإثيوبيا عميق ومتجذر،  وأنه يمس على وجود الصومال كدولة  وكيان ، وأنه كان من المفترض أن يتم حله بطريقة واضحة وصريحة تغلق هذا الملف بصورة نهاية ولا رجعة عنها وبالتالي من خلال قراءة سريعة وأولية في هذا الإتفاق الذي جاء بعد مارثون مفاوضات  غير مباشرة وعلى أكثر من صعيد بين  البلدين  بدأتها تركيا قبل 8 أشهر ، برز 4 نقاط رئيسية دالة على أن القضية لا تزال عالقة أو على الأقل  أن الاتفاق لا يحقق مطالب الصومال العادلة  بل يخدم لمصلحة إثيوبيا وهذه النقاط هي :

  1. تم صياغة الاتفاق بشكل دبلوماسي، وبعبارات فضفاضة تحتمل لتفسيرات عديدة، ولا تحسم القضايا المتنازع عليها ، ولا يلبي بشكل واضح لا لبس فيه  مطلب الصومال المتمثل بإلغاء مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإدارة منطقة  أرض الصومال الإنفصالية الموقع بين الجانبين مطلع شهر يناير الماضي والتي بموجبها تحصل إثيوبيا على شريط بحري من المياه الصومالية، حيث  أعلنت الصومال في أكثر من مناسبة وعلى لسان القيادات العليا في البلاد عن أنها لن تتصالح مع إثيوبيا قبل أن تتراجع عن مذكرة التفاهم، واليوم لم يحقق إتفاق أنقرة هذا المطلب وأكتفى بتجاوز القضية والمضي قدما نحو السلام والإزهار المشترك. فالكيفية والطريق غير واضحة ويتم مناقشتها في المفاوضات الفنية التي تبدأ شهر فبراير القادم.
  2.    النقطة الوحيدة الجيدة في الاتفاق هو أنه طمأن الصومال من مخاوفها حول احترام إثيوبيا سيادة الصومال وسلامة أراضيها. لكن هذا الأمر لا يحتاج إلى اعتراف من إثيوبيا وإنما يجب عليها الالتزام بالقوانيين الدولية؛ لأن  الصومال دولة مستقلة،  وذات سيادة وأن حدودها معروفة  ومحمية  في ضوء القانون الدولي، والمعاهدات والإتفاقيات الدولية.
  3. هذا الإتفاق يحقق في المقام الأول مطلبين إثيوبين مهمين ، الأول هو بقاء قواتها ضمن قوة بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة في الصومال، وعدم إرسال مصر قوات إلى الصومال أو على الأقل زرع بذور الشك في العلاقات بين الصومال وجمهورية مصر العربية ، والمطلب الثاني هو الحصول على منفذ بحري يحقق طموحاتها.
  4.  إذا نظرنا بنود الاتفاقية بشكل عميق نجد أنه يتم التركيز  على مصالح تركيا التي تربط بعلاقات قوية مع البلدين ولديها مصالح استراتيجية في المياه الصومالية ، وبالتالي لا يمكن تحقيق هذه المصالح في ظل وجود أزمة بحرية بين الصومال وإثيوبيا

في الختام لابد من الإشارة إلى سببين دفعت البلدين إلى الاسراع في  توقيع الاتفاق وهما ، ملف قوات إثيوبيا في الصومال ، وملف اقليم جوبا لاند والانتخابات الصومالية المقبلة. كانت إثيوبيا قبل اتفاق أنقرة أمام  خيارين أحلاهما مر إما أن تسحب قواتها من الصومال وهذا أمر لا ترغب بأي حال من الأحول أو بقاءها دون موافقة الحكومة الصومالية وهذا له تداعيات خطيرة على المستوى الاقليمي والدولي. ولذلك أن الاتفاق أعطى طوق نجاة لها دون أن يمس جوهر مذكرة التفاهم مع اقليم أرض الصومال.

أما فيما يتعلق بالصومال، فالحكومة الصومالية   وجدت نفسها في ورطة كبيرة، فهي أعلنت أكثر من مرة بأن القوات الإثيوبية لن تكون ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لحفظ السلام لكن هذا القرار اصطدم برغبات الدول الممولة لهذه البعثة،  وعدد كبير من دول الإفريقية المشاركة فيها والتي طالبت بقاء القوات الإثيوبية في الصومال وبالتالي كانت الحكومة الصومالية بحاجة ماسة إلى من يخرجها من هذه الورطة ، وأن اتفاق أنقرة يسمح لها بحفظ ماء الوجه، ويمهد الطريق لتغيير الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود موقفه بشأن القوات الإثيوبية في الصومال. وفي المقابل تتطلع الحكومة الصومالية أن تساهم إثيوبيا بشكل إيجابي في إيجاد  حل للخلاف السياسي بين الحكومة المركزية ورئيس ولاية جوبالاند أحمد مذوبي المقرب من إثيوبيا.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى