لا يبدو أن إثيوبيا تنوي التراجع عن قرارها حول الحصول على منفذ بحري عبر المياه البحرية الصومالية سواء بالقوة أو بالحيلة، بل تستعر بالغضب بسبب التعاون العسكري والدبلوماسي بين الصومال ومصر. على المستوى الرسمي ، تحاول إثيوبيا أن تواجه الخطوات التي إتخذتها الصومال بهدوء ، ورباطة الجأش، وإظهار نفسها كمظهر الدولة القوية المهتمة بأمن المنطقة واستقرارها، لكن في ذات الوقت تخطط اجراءات انتقامية ضد الصومال، وأن بوادرها تلوح في الأفق.
لا يمكن أن تقبل إثيوبيا بسهولة الوجود العسكري المصري في الصومال الذي تراه اليوم واقعا لا مفر منه، وحذر وزير خارجيتها تاي أتسكي ، اليوم الجمعة في إحاطة إعلامية ، الصومال من الإستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده. جاء تصريح وزير الخارجية الإثيوبي بعد يوم من بيان للوزارة الخارجية الإثيوبية اعتبرت تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال إلى أنه يرقى إلى مستوى تدخل خارجي. وأكد البيان على أن نشر بعثة حفظ سلام في الصومال بخلاف أتميس يمكن أن يزيد من زعزعة الاستقرار في الصومال، وأنها لن تقف مكتوفة الإيدي عما يجري في الصومال.
هذا الامر يدفعنا الى التساؤل عن الخيارات المتاحة أمام إثيوبيا للإنتقام من الصومال وعرقلة التعاون الدبلوماسي والعسكري بين الصومال ومصر .
بالرغم مما يواجه النظام الإثيوبي الحالي من ثورات مسلحة وصراع بين القوميات الإثيوبية المختلفة الا أنه يعرف الصومال بصورة جيدة، وحدث خلال السنوات الثلاثيين الماضية تغلغل إثيوبي رهيب في الأروقة السياسية والإجتماعية في الصومال، ولا يزال يمسك النظام الإثيوبي العديد من الملفات التي تقض مضاجع الصوماليين. وكما نعرف أن الصومال غير مستقر تماما ولم يتعاف بعد من ويلات الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية وأن النظام السياسي في البلاد ما زال هشا ويواجه صعوبات في ترسيخ دولة القانون وبسط سلطته على كافة الأراضي الصومالية ، كما يواجه تهديدات حقيقية من تنظيم الشباب الذي يسيطر على عدد من الأقاليم الصومالية.
وعلى أساس هذه الحقائق، هناك مجموعة خيارات يتوقع أن يقدم عليها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للإنتقام من الشعب الصومالي والحكومة الصومالية الحالية ويمكن حصرها في ثلاثة خيارات:
أولا: الخيار الأمني
فيما يتعلق بالملف الأمني يمكن أن تقدم إثيوبيا على مسارين:
المسار الأول: أن تقوم بخطوة استباقية وتقرر فجأة سحب قواتها من الصومال اليوم قبل الغد، ونحن نعلم أن القوات الإثيوبية تتواجد في الوقت الحالي بمناطق استراتيجية في وسط وجنوب الصومال بينها ولاية جنوب غرب الصومال الإستراتيجية ولاية هيرشبيلي ، وولاية جوبالاند وإن بشكل جزئي. وفي حال قررت اثيوبيا سحب قواتها من تلك المناطق فإنه لا شك البديل سيكون تنظيم الشباب. وهذا يشكل ضربة قوية للأمن والاستقرار الهش في الصومال، وتهديدا مباشر على العاصمة مقديشو مقر الحكومة الفيدرالية .
والمسار الثاني : أن ترفض سحب قواتها من الصومال نهاية العام الجاري أو بحلول العام المقبل كما طالبت الحكومة الصومالية ومع بدء وصول بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة إلى الصومال التي يتوقع أن تشمل على قوات مصرية بذريعة أن المسؤولين في تلك المناطق يطالبون إبقاء قواتها لدواعي سياسية أو أمنية. وهذه الخطوة هي أيضا من ناحية تعطي فرصة للتنظمات الإرهابية ومن نحو أخر تضع الحكومة الصومالية أمام موقف حرج لأنه لا يمكن نشر قوات أخرى في تلك المناطق في ظل رفض القيادات السياسية لوجود أجنبي غير إثيوبيا. كما لا يمكن مواجهة هذه القيادات بالقوة في ظل وجود دعم إثيوبي لها.
ثانيا: الخيار السياسي:
لا نستبعد أن تلجأ إثيوبيا إلى زعزعة النظام السياسي في الصومال قبل انتهاء العام الحالي ، حيث يمكن أن تعمل من أجل إثارة خلافات سياسية بين القيادات الصومالية في داخل الحكومة الفيدرالية أو بينها وبين قيادات الحكومات الاقليمية لجر البلاد نحو فوضى سياسية عبر تغيير بوصلة الحكومة الصومالية من الملف الأمني وتنظيم المرحلة الإنتقالية لقوة بعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال إلى الملف السياسي، وخصوصا أن الحكومة منشغلة في الوقت الحالي في تعديل دستو البلاد، ووضع نظام انتخابي جديد للإنتخابات المزمع اجراؤها في الصومال مطلع عام 2026 . وهناك خلافات حادة تطفح على السطح بشأن تلك الخطوات .
وكذلك انتهت الفترة القانونية لبعض رؤساء الحكومات الإقليمية وتوجد خلافات حول كيفية اجراء الإنتخابات البرلمانية في تلك المناطق. فالحكومة الفيدرالية تطالب بإجراء الانتخابات عبر اقتراع مباشر (رجل واحد صوت واحد) في حين ترغب الحكومات الاقليمية في إجرائها وفق النظام القديم، نظام المحاصصة القبلية . وبالتالي فالحكومة الإثيوبية لها القدرة على الاصيطاد من الماء العكر، وإثارة البلبلة وعلى نار هادئ.
ثالثا: الفوضى
هذا الخيار هو الأسوء. يمكن أن تنصاع إثيوبيا للمطالب الصومالية حول انسحاب قواتها من الصومال ، وتمهد الطريق لمجئ القوات المصرية ضمن البعثة الجديدة للاتحاد الإفريقي إلى الصومال، لكنها ستقوم بصب الزيت على النار المشتعلة في الصومال منذ عام 1991 دون وجود حقيقي على الأرض.
كيف يمكن أن تواجه الصومال هذه المخاطر؟
في البداية فالصومال أمام خيارين احلاهما مر إما ان تقبل الأمر الواقع والإعتداء الإثيوبي السافر على سيادتها ووحدة أراضيها بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إدارة أرض الصومالية الإنفصالية تحصل بموجبها على مساحة 20 كم من المياه الصومالية . وإما أن تواجه إثيوبيا وتدفع ثمن هذه المواجهة والذي قد يكون باهظا وثقيلا. لكن لتخفيف من وطأة الخيار الثاني يجب على الحكومة أن تقوم بخطوات عاجلة على المستوى الخارجي والمحلي تتمثل فيما يلي:
أولا: المستوى الخارجي:
- اقناع الحكومة المصرية على عدم نشر قواتها في المناطق الحدودية لبرهنة أن هذه القوات لا تسعى إلى تهديد الأمن القومي الإثيوبي
- كسب الرأي العام العالمي والاقليمي واقناع الدول الكبرى بأنها لا ترغب التصعيد بل في إنهاء الخلافات مع إثيوبيا بالطرق السلمية وعبر التفاهم وعلى أساس مبدأ حسن الجوار وبعيدا عن كل ما من شأنه عن يساهم في زعزعة استقرار المنطقة
- السعي إلى اقناع دول منطقة القرن الإفريقي ، إرتيريا والسودان وجيبوتي بتشكيل جبهة معارضة للأطماع الإثيوبية في البحر الأحمر
- تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومطالبة مجلس الدول المشاطئة للبحر الاحمر بالتدخل والمساهمة في حل المشكلة مع إثيوبيا
- الكسب على تأييد الدول الإفريقية الكبرى ذات النفوذ في الاتحاد الافريقي مثل جنوب إفريقيا والجزائر
- العمل من أجل الكسب تأييد الدول الغربية الكبرى واقناعها بعدالة موقف الصومال
ثانيا: المستوى الداخلي
- تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تضم وجوها جديدة وذات مصداقية وتمثل كل ألوان الطيف السياسي في البلاد بهدف الحصول على جبهة سياسية داخلية موحدة تساعد الرئيس حسن شيخ محمود على مواجهة التحديات والمواقف الصعبة
- الاتفاق على وجه السرعة مع قيادات الولايات الاقليمية على خارجة طريق لتجاوز الأزمة الحالية مع إثيوبيا
- تشكيل مجلس خبراء للعلاقات الخارجية لديهم الخبرة على قراءة وفهم الواقع وتقديم الحلول اللازمة
- كسب ود زعماء القبائل في المناطق التي تتواجد فيها القوات الإثيوبية من خلال استضافتهم في مقديشو وجراء مناقشات معهم حول خطورة مواقف إثيوبيا إزاء سيادة واستقلال البلاد ووحدة أراضيه