تشهد الصومال هذه الأيام جدلا واسعا حول التعديلات التي يتوقع أن يجريها البرلمان الصومالي على الدستور المؤقت الذي وضع عام 2012م ، وتتفاوت الآراء ووجهات النظر سواء على المستوى الرسمي والشعبي بشأن هذه التعديلات، وأهميتها، وتداعياتها على العملية السياسية المتعثرة في البلاد منذ أكثر من 30 عاما على المدين المنظور والبعيد، ويثير كثيرون شكوكا حول توقيتها.
يقول البعض إجراءات التعديلات الدستورية تأتي في ظل وجود خلافات سياسية بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات بشأن كيفة تقاسم السلطة والثروة ، وفي وقت يواجه البلاد تحدين كبيرين؛ إثيوبيا التي تعتدي على سيادة البلاد ووحدة ترابه، وتنظيم الشباب الذي لايزال يسيطر على أجراء واسعة من البلاد، وينفذ هجمات خطيرة على مواقع حساسة داخل مقديشو وخارجها، وبالتالي التوقيت التي اختارته الحكومة غير مناسب ولن تؤدي تلك الإجراءات سوى مزيد من التصدع والانشقاق.
يتساؤل هذا الفريق عن الهدف الحقيقي وراء التعديلات الدستورية، وهل هي مقدمة للعبة سياسية تهدف إلى تمديد فترة ولاية مؤسسات الدولة مثل الرئاسة، والبرلمان إلى أجل غير مسمى بغطاء وإيعاز من جهاز خارجية أم أن الهدف منها جزء من خطة شاملة لإعادة انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في الانتخابات المقبلة والمزمع اجراؤها عام 2026 والتي نصّ عليها الدستور الحالي أن تكون انتخابات شعبية مباشرة ينتخب فيها المواطنون مثمليهم في إقتراع مباشر بخلاف الانتخابات السابقة التي جرت على أساس المحاصصة القبلية؟.
يؤكد المعارضون أن هذه التعديلات مخالفة للعرف السياسي الذي كان ساريا منذ سنوات في الصومال والذي يلزم على أي رئيس صومالي بعدم المساس بالدستور الحالي، والمحافظة على صيغته الحالي، وعدم إثارة أي خالفات جديدة يمكن من شأنها أن تحيد الصومال عن الطريق نحو بناء الدولة مشيرين إلى أن التعديلات الحالية ما هي الا خطة لتغيير البوصلة، وجر البلاد نحو أتون صراعات جديدة لا تحمد عقابها والجميع في غنى عنها.
يشكك الفريق المعارض للتعديلات الدستورية في امكانية تنفيذها على أرض الواقع في وقت لم تتمكن جميع الحكومات السابقة من تنفيذ عدد من مواد الدستور طيلة السنوات الخمسة العشرة الماضية وأبرزها الإستفتاء على الدستور الحالي وإجراء اقتراع شعبي مباشر حر ونزيه إلى جانب الفشل في الإلتزام بالمدة القانونية لمؤسسات الدولة التي نص عليها الدستور واجراء الانتخابات في موعدها، وبالتالي كيف تتمكن للحكومة الحالية من تنفيذ هذه التعديلات في حال تم مصادقة البرلمان عليها ؟.
لكن في المقابل ترى الحكومة الصومالية التي تدفع البرلمان إلى الإسراع في إجراء هذه التعديلات وقطاع من الشعب على أنها ضرورة وطنية للمضي قدما في الإنجازات السياسية التي تخققت خلال السنوات الماضية وضرورة اجراء اصلاحات على النظام السياسي في البلاد بناء على الدورس المستفادة من عملية بناء الدولة التي انطلقت من مدينة عرته بجيبوتي عام 2000م .
تقول الحكومة لا مجال للإستمرار في بنود من الدستور لا تتوام مع الظروف السياسية الحالية، وتعيق عمل الحكومة وتكبلها من أداء مهامها ومسؤولياتها على أكمل وجه ، وتصر على أن التعديلات تشمل فقط على بنود محددة تعتبر مصدر الخلافات والصراعات بين المؤسسات السياسية في البلاد مثل صيغة نظام الحكم، وقانون الأحزاب والانتخابات، وفصل الصلاحيات والسلطات بين الحكومة والولايات الفيدرالية في البلاد، بالإضافة إلى تحديد وضع العاصمة مقديشو من الخريطة الفيدرالية للبلاد.
وبين الرأيين رأي آخر يدعو جميع الأطراف السياسية إلى ضبط النفس وعدم الوقوع في فخ تضعها جهات خارجية تضمر العدواة للصومال ولا تريد أن تقف على قدميها، والجلوس إلى مائدة مستديرة لمناقشة هذه التعديلات وأهميها وتداعياتها للتوصل إلى توافق سياسي يحظى برضا الجميع، ويحذر هذا الرأي من مغبة أن تتفرد جهة واحدة مهما يخولها ذلك الدستور بمصير البلاد ورسم مستقبل النظام السياسي في البلاد بعيدا عن التوافق والاجماع، وترى ذلك كارثة سياسية تقود البلاد نحو المجهول وإلى وهدة سحيقة.