يحتفل الصوماليون هذه الأيام بالذكرى الـ 60 لاستقلال الصومال، حيث يسمى الفترة ما بين 26/يونيو إلى 1/يوليو من كلّ عام بأسبوع الحرية والاستقلال، لما فيه من أيام تاريخية ذات صلة بتاريخ النضال الوطني الصومالي، ففيه اليوم 26/يونيو الّذي تم فيه استقلال الأقاليم الشمالية للبلاد من الاحتلال البريطاني، وفيه اليوم 27/يونيو الّذي حصلت فيه دولة جيبوتي الشقيقة على استقلالها من الاحتلال الفرنسي، كما فيه اليوم 1/يوليو الّذي نالت فيه الأقاليم الجنوبية للبلاد على استقلالها من إيطاليا وفيه – أي في 1/يوليو- تم توحيد الإقليمين الشمالي والجنوبي في كيان واحد يسمّى بجمهورية الصومال!
وفي عشية الذكرى الـ 60 لاستقلال الأقاليم الشمالية، أقيم في بعض مدن البلاد مناسبات تعظيم وتمجيد لجهود الأجداد الّذين بذلوا الغالي والنفيس للحصول على الاستقلال، ومن بين هذه المناسبات مناسبة أقيمت في القصر الرئاسي بمدينة مقديشو، شارك فيها قادة الحكومة الفيدرالية مثل الرئيس محمد عبدالله فرماجو، ورئيس وزرائه حسن علي خيري، ورئيس البرلمان محمد مرسل شيخ عبدالرحمن، وغيرهم من وزراء الحكومة الصومالية ونواب البرلمان الفيدرالي.
وفي كلمة بهذه المناسبة تحدّث الرئيس محمد فرماجو عن تاريخ النضال الصومالي وما حققه من حريّة واستقلال يتمتع به الصومال الآن، مشيرا إلى أن جهود الأجداد أثمرت وتوجت باستقلال الأقاليم الصومالية الشمالية والجنوبية واتحادهما في 1/يوليو/1960م بكيان واحد يسمّى بجمهورية الصومال.
وتطرّق الرئيس في كلمته إلى الحديث عن وضع العلاقات بين حكومته وإدارة صوماليلاند الانفصالية، معلنا أنه تم تحقيق تقارب بين الطرفين، ومؤكّدا على أنه من الصعب تحقيق أيّ إنجاز أحادي لأيّ من الطرفين، مما يعني أن القوة تكمن في وحدة الطرفين وتضامنهما.
غير أن موسى بيحي عبده رئيس صوماليلاند، قد ذهب بعيدا في كلمته بهذه المناسبة إلى المقارنة بين وضع صوماليلاند أيام الوحدة، ووضعها بعد الانفصال الأحادي، معلنا أن ما أنجزته صوماليلاند في السنوات الثلاثين التي أعقبت عشية إعلانها الانفصال عن الصومال، أكثر وأوسع مما حققته في السنوات الثلاثين التي أمضتها في الوحدة مع الجنوب، مما يعني أن الانفصال لا يزال خيار صوماليلاند المفضل لحلّ معضلتها مع الجنوب!
وبين هذا وذاك، تتعدّد آراء المواطنين في الجنوب والشمال: ما بين داع إلى الوحدة من جديد، ومعزّز للانفصال، وكلّ لديه حججه ومبرّراته لتبني تلك المواقف، غير أن الحقيقة تبقى أن حلم إيجاد الصومال الكبير باسترجاع الأراضي الصومالية في كلّ من إثيوبيا وكينيا وضم جيبوتي إلى الصومال الأم، ضاع هذا الحلم، وسط دعوات الانفصال الآتية من الشمال، وانتهاج نظام فيدرالي غير محدد معالمه وشروطه ونوعيته في الجنوب، فتشكّلت بذلك ولايات وإدارات إقليمية فيدرالية، كلّ ولاية تتصرّف وكأنها دولة مستقلة؛ إذ إن لكل ولاية لها رئيسها وبرلمانها ووزرائها وعلمها الخاص، وبذلك لم يعد في الواقع السياسي ما يشير إلى وحدة التراب الصومالي، ولم يعد للبلاد رمز وطني يوحدها، حيث اختفى علم الصومال في ظل كثرة أعلام الولايات الفيدرالية التي لا تختلف عن رايات القبائل وشارات العشائر، وبذلك أصيب المواطن الصومالي البسيط بخيبة أمل، وحسرة على ضياع نضال الأجداد، والتفريط في جهود الآباء، والعبث بحاضر الأبناء ومستقبلهم، ولعل مثل هذا الشعور انتاب الأكاديمي والمؤرخ الصومالي الدّكتور عبدالرحمن معلم عبدالله باديو مستشار رئيس الوزراء في الشؤون السياسية، ففي مشاركته لندوة صحفية نظمتها قناة دلسن الصومالية عشية الذكرى الـ60 لاستقلال الصومال بعنوان: بعد 60 عاما من اتحاد الأقاليم الشمالية والجنوبية، ماذا ينبغي على الطرفين أن يهتما به؟ ففي مشاركته لهذه الندوة، وصف الدكتور باديو الأوضاع في الصومال بأنها أكثر شبها بأوضاع الصومال قبيل الاحتلال الأوروبي لها، حيث الضعف والانقسام والاختلاف، وكلّها مما يمهّد لمجيء الاحتلال وإعادة البلاد من جديد إلى أحضان الغزاة والمحتلّين.
من جانبه كتب السياسي المعارض السيد عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر على صفحته في الفيسبوك منشورا يقول فيه: “إنّه وعلى الرغم من أهمية الاحتفال لـ26 /يونيو لكونها ذكرى جماعية للشعب الصومالي، إلاّ أنه من الأجدر أن نتساءل سبب وجود قوات أجنبية في بلادنا بعد 60 عاما من الحرّية والاستقلال!” وتابع السيد ورسمي قوله متسائلا التحدّيات التي تواجه إنشاء نظام وطني حرّ ومستقل يسعى لإعلاء القانون وسيادته، ويحترم حقوق الإنسان، ويحفظ للمواطن عزّته وكرامته” واختتم السيد ورسمي في منشوره ذلك بقوله: “إن الإجابة عن هذه التساؤلات، ليست في زخرفة جدران، ولا في ترميم أبنية، ولا في تنظيم مهرجان أو حفل بهيج!” ولعلّه بذلك يريد انتقاد طريقة احتفال الحكومة الفيدرالية لذكرى الاستقلال، حيث افتتح الرئيس فرماجو يوم أمس الجمعة عددا من المرافق العامة والحكومية التي تم بناؤها وترميمها بمشروع إسحلقان التطوعي، من بينها المسرح الوطني، وذلك احتفالا واحتفاء بالذكرى الـ 60 لاستقلال الأقاليم الشمالية من الاحتلال البريطاني.
إنّ المواطن الصومالي يشعر بالخيبة والحسرة، وهو يحيي الذكرى الـ60 لاستقلال بلاده، لما يرى من انقسام النخب السياسية من بني جنسه، وتأجيجهم للصراعات القبلية والسياسية التافهة لأجل الحصول على مصالحهم السياسية فقط دون الاهتمام بالوطن والمواطن، ويشعر بالإحباط أكثر عند ما يرى انشطار المجزأ من بلاده تحت مسميات باطلة وواهية، في ظلّ غياب شبه تام وكامل لأي صوت يطالب بإعادة الصومال الكبير الّذي يشمل المناطق الصومالية في كلّ من كينيا وإثيوبيا، مما يعني أن هذه الجهود تلاشت وتبدّدت، ولم يعد لها باعث – في الوقت الراهن، على الأقلّ- وخاصة، في ظل دعوات البعض للانفصال، والتوجه نحو تبني الفيدرالية للبعض الآخر المكوّن للجمهورية الصومالية التي تأسست في 1/يوليو/ 1960م، مما جعل مهمة الغيورين على وطنهم قاصرة على البحث عن السبل المثلى للحفاظ على وحدة الأقاليم الشمالية والجنوبية للبلاد، ولم يكن لديهم متّسع من الوقت حتى للتذكّر بأن هناك مناطق صومالية غير الإقليمين الشمالي والجنوبي!