يمثل النزاع الحدودي بين دول القرن الإفريقي منذ قرون العائق الأكبر أمام تحقيق استقرار دائم، وتطور تنموي في المنطقة، وكان السبب الرئيسي وراء ظهور مجتمعات هشة تنهشها الصراعات العرقية، والأزمات السياسية . فعلى سبيل المثال لقد أدى النزاع الحدودي بين الصومال وإثيوبيا، والعلاقة العدائية بين الشعبين إلى انهيار حكومة الصومال عام 1991 ، وتكالب زعماء الحرب على فرض السيطرة السياسية للدولة، ولم تسبب الحرب الأهلية في الصومال إلى موجات من المجاعة والأزمات الأخرى، فحسب، بل أصبح البلاد مصدر قلق كبير لدى المجتمع الدولي نتيجة غياب النظام والقانون وتحوله إلى بؤرة صالحة لاحتضان جماعات تهدد أمن واستقرار الدول المجاورة ومصالح الدول الأخرى.
وانطلاقا من هذه الحقيقة ألا ينبغي أن تقوم دول القرن الإفريقي بتجربة حلول أخرى أكثر مواكبة لتطورات العصر، بغية إنهاء الصراعات الداخلية والنزاعات بين الدول والانتقال إلى مرحلة التنمية ومواجهة التحديات من خلال العمل الجماعي.
تواجه دول القرن الإفريقي تحديات كبرى أبرزها، الفقر والنمو السكاني السريع ، والصراعات العرقية وهذه المشكلات لا يمكن احتواؤها أو التغلب عنها دون خلق توازن سياسي وتكامل إقليمي في المنطقة يتطور في المستقبل إلى إقامة كونفدرالية أو اتحاد دول القرن الإفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مستقل دول المنطقة وضرورة توحيدها وإقامة الكونفدرالية قد طرحت من قبل في العديد من المبادرات والمؤتمرات بينها مبادرة القرن الإفريقي الكبير الذي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 وتضم دول القرن الإفريقي بالإضافة إلى رواندا وبورندي وتنزانيا، والمؤتمر الذي عقد في مدينة تامبا بولاية فلوريدا عام 2002 وشارك في تنظيمه عدد من الجامعات الأمريكية ومراكز الدراسات ذات الصلة بإفريقيا، وبحث المؤتمر عن إقامة كونفدرالية القرن الإفريقي والتي تتكون مبدئيا من إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي مع قابلية ضم دول أخرى لاحقا.
لا شك أنه توجد بعض العقبات والتحديات المصاحبة لإقامة الكونفدرالية، مثل غياب الثقة بين شعوب الدول على خلفية الصراعات والنزاعات التي خلفتها الحقبة الاستعمارية، والمشاكل المعيشية والاقتصادية والفقر المدقع والمجاعات المتكررة وعدم تكافؤ الموارد بين الدول وانتشار الأمراض الفتاكة بالإضافة إلى تدني مستوى التكنولوجي وتأثيره السالب على النمو والتقدم الاقتصادي الا أن هذه التحديات بالإمكان تجاوزها وايجاد حلول لها إذا قررت حكومات دول القرن الإفريقي ولاسيما الصومال وإثيوبيا وجيبوتي واريتريا احداث تحول جذري في رؤيتها السياسية التي كانت تهيمن على قراراتها خلال القرون الماضية، والمتسمة بالإنعزالية والتشبث بالوطنية والقومية لأن ما يجمع هذه الدول أكثر بكثير مما يفرقها ولديها العديد من المقومات الاجتماعية والاقتصادية تساعد على إقامة الكونفدرالية.
فالسياسية الإنعزالية والشعارات القومية التي رفعتها تلك البلدان خلال السنوات الماضية أثبتت فشلها، ولم تكن نتائجها سوى التخلف ومزيد من الحروب بين القوميات والعرقيات وإهدار المواد الطبيعية وفتح أبواب المنطقة لتدخل القوى الإقليمية والدولية.